بالنسبة لي، لم يكن أغرب مما اقتبستُه وكتبتُ حوله على «تويتر» سوى الردود التي أقبلَتْ على اقتباسي، حين كتبتُ على «تويتر» ناقدة بعض الجمل التي وردت في كتاب التربــــية الإسلامية للصف الثــــاني عشر في الكويت، وتلك ليست أصعب ما ورد في هذه الكتب الكويتــــية ولا كـــتب التربية الإسلامية عموماً المُدَرّسة في معظم الدول العربية، إذ كان عليّ أن أشرح لابنتي جمـــلة «الكفــــر ملة واحدة، وإن الكافرين إخوان ولا أمان لهم» ثم جملة «الجبن والخوف صفتان من صفات اليهود اللازمة لهم ولا تنفك عنهم»، ولم أعرف كيف يمكنني أن أوفق بين القيم الأخلاقية التي أؤمن بها وبين هذه الجمل، لتأتي تعليقات «تويتر» وتتهمني بقصر المعرفة الدينية أو بالمعاداة السافرة للدين، التهمتان المعلبتان الجاهزتان حين يتعذر الرد المنطقي المقبول.
حين نتكلم عن الكفر، ألا يتوجب تعريف معناه؟ ريتشارد دوكينز سبق أن أشار إشارة ذكية إلى أن كل البشر كفار بإله أو بآخر، فمن يؤمن بالله يكفر بكريشنا، ومن يؤمن بأهورا مازدا يكفر بالرب المسيح، كل البشر إذن كفار بكل الآلهة عدا الإله الذي يعتقدون فيه. بكل تأكيد، أتت الجملة أعلاه لتشير إلى نوع واحد من الكفر وهو الكفر بالله، إله المسلمين، إلا أنها وحدت كل من لا يعتقد في الله في وحدة واحدة، وهذا خطأ مبدئي عميق وخطير، مصورة كل «الكفار» وكأنهم تنظيم سري هم فيه «إخوان» ويجب الحذر منهم والتشكك في كل ما يصدر عنهم. وعلى سذاجة وفكاهية الجملة، إلا أنها تمثل مصدراً للغرس الاستعدائي الذي يتلقاه أبناؤنا منذ عمر صغير تجاه كل «المختلفين» عنهم في العالم، حتى ليتم تصويرهم لهم على أنهم عصابة متآخية «لا أمان لها» ويجب الحذر منها وتجنبها.
كيف أشرح لابنتي ضرورة كراهية كل «الكفار» وفي الوقت ذاته أعلمها مفاهيم التسامح وقبول الآخر؟ وحتى لو تم حصر الكفار في اللادينيين، لمَ عليّ أن أبث في قلبها الكراهية والنفور تجاه أشخاص اختاروا توجهاً فكرياً معيناً ليعيشوا عليه؟ وما حقنا، وبالتالي حقها هي وكل الأطفال الذين يتعلمون هذه الدروس، في استعداء من هم على دين مغاير أو من هم لا دين لهم، والتشكك بهم فقط لأن طريقهم الفلسفي مختلف في الحياة؟ كلما عدت لقراءة الجملة تزايد استغرابي، كم هي محاكمية ومتعالية وفوبيوية المعنى، كم هي تحريضية وتخوينية وفي الوقت ذاته تبث مشاعر الوحدة والانعزال لأطفالنا عن بقية العالم. لماذا أبث في صدر ابنتي هذه المشاعر المريضة؟
أما انتقادي لجملة اليهود، فتلك استثارت من سخط القراء ما استفز «الألسنة المتدينة» بأقسى الألفاظ. وحين حاولت أن أوضح أن اليهود شيء والصهاينة شيء آخر، كان الإصرار التقليدي القديم على أن الدين والحركة السياسية واحد، وأن الصهاينة يستخدمون اليهودية لاستعداء الإسلام، فدار في بالي سؤال ما طرحته: ألا تستخدمون أنتم الإسلام كذلك في هذه اللحظة، وفي كل لحظة، لاستعداء اليهود؟ ألا تصفونهم من على منابر المساجد ومن خلال الميكروفونات بالقردة والخنازير (مع تحفظي العلمي على الحساسية من التشبيه) والكذابين المنافقين الذين لا أمان لهم؟ يقول أبو الأسود الدؤلي «لا تنه عن خلق وتأتي مثله» والناقدون في معظمهم لم يأتوا فقط بمثله، بل تعدوه بمراحل. بلا شك، هناك عداء تاريخي واضح مع اليهود، مما يجعل الحل محصوراً في إعادة قراءة وفهم الآيات والدفع بتفسيرها مرحلياً وتاريخياً، سعياً لفهم يتعدى مرحلة الاستعداء القديمة ليصل إلى مراحل أمن ووئام مع ومن قبل كل الأطراف، بل ومع اللادينيين كذلك، فالعداء على أساس الاختلاف الديني لم يعد له مكان في عالم اليوم المتحضر، وما استخدام الصهاينة لليهودية لتبرير احتلالهم الفاجر إلا خير دليل على سوء منقلب استخدام القراءات الدينية التقليدية لأغراض سياسية. هنا لا بد من الإشارة إلى توجه اليهود المتدينين، منهم من هو داخل وخارج فلسطين المحتلة، حيث زودتُ أحد المعلقين بفيديوهات ليهود مناوئين لقيام الدولة الإسرائيلية، ولحاخام معارض تماماً لمفهوم القدس عاصمة إسرائيل (تجدونها أدناه٭) إلا أن العقدة بقيت في المنشار، والنقد اللاذع والاتهامات والشتائم ما انفكت تتوالى دفاعاً عن الدين والقيم والأخلاق، ما أغربها من صورة دفاعية متناقضة!
أي منهج دراسي عقائدي بحت، كالذي يُدرّس في أرجاء الوطن العربي، لا بد أنه سيقدم صورة واحدة مطلقة للحق والقيم والأخلاق، ولذا لا بد أنه سيكون دائماً محل تعارض وصدام مع كثير ممن يدرسونه بحكم تنوع منطلقات البشر وقيمهم وأخلاقهم ومنظوراتهم للحق والحقيقة. إن فرض قيم عقائدية موحدة على الجميع مدعاة لخلق حالة من النفاق في القلوب، نعلّم من خلالها أبناءنا أن يكتبوا ما لا يقتنعون به، لأننا -كأهل- غير قادرين أصلاً على إقناعهم به، لينضموا إلى بقية الجوقة التي تغني «يا ليل يا عين» علناً وتنشد «تنويمة الجياع»٭٭ سراً.
٭ الفيديوهات المذكورة أعلاه
https://www.youtube.com/watch?v=rzYqimDCyjs
https://www.youtube.com/watch?v=Gg9jPp8vRjI
٭ ٭ «تنويمة الجياع» للعظيم محمد مهدي الجواهري
اظن ان بعد هذا كله يمكنني أن آتي الى الآية عن اليهود و النصارى و العمل الصالح، لأقول انها صريحة و لا تهم من لم تصله
الرسالة فقط، لأن هناك من وصلته الرسالة و آمن بمحمد و لم يتبعه حسب ما أوردنا اعلاه و حسب الآية القاعدة اعلاه “من اتبعك
من المؤمنين” … و الآية تبتدأ ب “أن الدين آمنوا و الدين هادوا و النصارى … ” هذا قرار سيادي من الله تعالى رحمة بالناس … و لا أرى
مبررا لحصرح على ما قبل الرسالة … لان هذا كذلك لا يستقيم و إليك الدليل الثاني:
.
اذا انطلقنا أن أي رسالة هي ناسخة لقبلها و بالتالي وجوب اتباعها لحسن المآب، سنجد أن هناك يهودا لم يتبعوا عيسى و هذا
طبعا قبل رسالة محمد … لكنهم يدخلون في “الدين هادوا … ” و بالتالي ادخلهم الله وفي رحمته في الآية … و بالتالي بوجوب
اتباع الرسالة الجديدة ليست شرطا لدخول الجنة. لم تكون مع المسيحية … و كذلك مع الإسلام. و لا يوجد أي دليل في القرآن،
و كل الأدلة التي قرأتها هي في النهاية فقهية مبنية على تصور معين .. اي هي تقييم إنساني فقط … و ليس من كلام الله تعالى.
no news is good news, isn’t
.
? Or, it’s the calm before the storm
لماذا نحتاج بركة ازهرية لفهم القرآن و من تعليقات الأخت غادة:
.
“لو قرات رواية لكاتب لا احكم على مقاصده حتى اقرا الكتاب بالكامل .. واعرف كيف يخاطب ومتى يقول كلاما عاما ومتى يقول كلاما خاصا .. ” و هي تقصد قرئة القرآن كله و كأننا لم نقرأه ..
.
تقول “اعرف كي … ” و المسألة هي في النهاية معرفة و مهارة شخصية ، فكيف ما كانت هذه المهارة هي تبقى تقدير شخصي و فقط، و هذا فن و ليس علما. و لذلك نجد مثلا استثناآت .. هكذا بسهولة يقرر الفقيه ان الآية هنا لا تخص كذا.. بل تخص ذلك .. فتسأله لماذا يا مولانا .. فلا يجد جوابا مقنعا شافي سوى المزايدة و رفع السقف عاليا جدا .. مثلا يجب قرائة لبعض عمالقة الفقه و حفظ الفية بن مالك كي نتمكن من النحو و ما ادراك ما النحو .. فتقول لقد قرأت لهؤلاء فاجبني لمذا يا مولانا .. فيجيب هذا لا يكفي يا بني .. يجب ان تدرس الصحاح .. و هكذا .. مزايدات و مزايدات تعجيزية تجعل من الفقيه فعلا عالما و بحرا لا يستطيع احدا نقاشه .. و هذا صحيح فعلا .. فلا يستطيع احد مناقشته لأنه يهرب الى الأمام بمزايداته الفارغة .. لكن هذا مولانا لا يفطن انه يسبب في خسائر عرضية لانتصاره هذا للأنا، بحيث يجعل من دين الفطرة و البساطة دين نخبوي و ليس لعامة الناس .. و بالتالي يكسب مطرقة او سيف معنوي يسلطه على رقاب الناس بخطاب النار و الجنة ..
قول الأخت غادة “٣قال عن اهل الكتاب الذين اعلنو قتال المسلمين محرضا المسلمين على قتالهم : قاتلو الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتو الكتاب حتى يعطو الجزية عن يد وهم صاغرون ) اي خاضعون ككيان لسلطان دولة الاسلام لماذا وهو يذمهم قال ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ؟ اذا كان يكفي منهم الايمان بالله واليوم الاخر ..
.
هنا اجد ان الأخت غادة قفزت على معطى مهم جدا و لو انها كتبته بنفسها، لكنها لم تستعمله في فهم الآية، و هذا المعطى هو ” .. الذين اعلنو قتال المسلمين .. ” و هنا نرى موقفا عدائيا ناكرا لنبوة محمد ص، و بالتالي هم ببساطة في هذا النسق كفار، و لا ينفع هنا الإمان حتى بكل الآلهة .. إيمانهم هنا لا شيئ لأنهم انكروا بل اعلنوا القتال على المسلمين ..
.
المشكل ان كثير من قراء غادة لا يفطنون لهذا، و ينجرو في سياق السرد الجميل و تكثيف النيران فقط .. بحيث نجد انها تكثر من سرد الأمثلة التي تتشابه .. و طبعا و ابدا لا يخلو سردها من وعض و تخويف غير مباشر من النار .. و للأسف هكذا خطاب يستقر في لاوعي القارئ حيث نجد هناك خوف رهيب من العقاب .. و تصديقه هو اساسا للافلات بجلدته .. و لا اظن انه فهم شيئا اصلا ..
استدرتك،
.
و لا أعرف بأي مهارة أخرى تمكنت الأخت غادة أن تعارض قول الله تعالى الصريح في وصف
هؤلاء ب ” … لذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يحرمون … ” حيث أن الله تعالى ينعتهم بغير المؤمنين،
لكن الاخت غادة جعلت منهم مؤمنين … و هذا كله من اجل تفنيد طرح ابن الوليد البسيط في نقاش …
ان لم يكون هدا حب الغلبة حتى و إن عارصنا قول الله تعالى من اجل الانتصار للانا… فمادى نسميها … ؟
.
لنفرض أن فقيها آخر يستطيع أن يفعل هذا من أجل نقاش … فماذا باستطاعته أن يفعل أن فتح له الحاكم خزائن أمواله… ؟
خلاصتي من هذا النقاش مع الأخت غادة هو لن تقوم لنا قائمة ما دام ققهاؤنا الكرام في بروجهم العالية هربا من النزول الى ارضية المنطق و المعرفة الحقيقية .. و ماداموا ينظرون لنا نحن العموم نظرة ابوية .. واعظة .. و استعلائية.
.
هذه كانت خلاصة عامة. لي خلاصة عملية تبين لماذا هذا العداء لمن يريد تشريح النصوص وفق سقفنا المعرفي في عصرنا، و اظن اني لن اجد احسن من تبيان فكرتي من النقاش نفسه و لكم واسع النظر:
.
الاخت غادة قالت ان آية العمل الصالح ليست مطلقة لأنها تعرف متى يخاطب الله مطلقا و خاصا ..
.
و ابن الوليد قال ان الآية مطلقة و اعطـى ادلة منطقية على ذلك ..
.
هذا هو المشهد ببساطة. و الله يرحمنا جميعا.
اولا و قبل كل شيئ شكرا .. شكرا جزيلا للناسر الجميل على صبره ..
.
ثانيا، ليس من عادتي أن اناقش في غياب الطرف الآخر … فقد اعطيت الخط .. و انتظرت …
و أحببت فقط إغلاق النقاش هنا حتى و إن كان الطرف الآخر غائب.
.
و شكرا للجميع.
ربما آخر توضيح،
.
لمن لم يستوعب كيف جعلت الأخت غادة الكفار أعلاه مؤمنين عليه ان يقرأ آخر جملة لها ” اذا كان يكفي منهم الايمان بالله واليوم الاخر .. “.
.
و لمن وجد صعوبة في فهمها حتى و إن كان جهبد في االغة العربية عليه أن يستوعب اخيرا ان هناك مهارات لفهم و تفكيك النص اهم بكثير
من مهارة النحو و الاعرب ..
.
علما انني اعطيت فهمي للكفر اعلاه (في بداية النقاش) و هو “موقف عدائي من أمر ما مع وجود كل الشروط التي تجعل من الموقف أن يكون
إيجابيا .. و لا ادري كيف لشخص رغم مفهومي هذا ان يضع قولا له هو على لساني أنا ..