ليس من المبالغة القول ان قلة هم الذين يترقبون اسم الفائز بجائزة نجيب محفوظ للأدب الروائي الذي يُعلن عنه في الحادي عشر من ايلول/ ديسمبر من كل عام وهو يوم ميلاده. فلا الإعلام ولا القراء ولا الأدباء يبدون من الاهتمام ما يكفي بالحدث. لأن الجائزة التي أنشأها قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1996م لا يبدو أنها تشكل حدثاً ثقافياً كبيراً في المشهد العربي. ربما بسبب القيمة المالية المتواضعة للجائزة (1000 دولار أمريكي). حيث يبدو الأمر وكأنه مجرد مسابقة مدرسية تشجيعية.
قلة هم الذين يعرفون أي معلومات عن نشأتها. أو أسماء الفائزين بها. أو لجان تحكيمها. فالفائز لا يحظى – إعلامياً – إلا بخبر مقتضب ليختفي عن المشهد. فيما تظل الرواية مطروحة كقيمة أدبية قابلة للتداول القرائي. إذ ما زالت رواية ابراهيم عبدالمجيد (البلدة الأخرى) علامة في الكتابة الروائية إلى جانب (وكالة عطية) لخيري شلبي، و(رأيت رام الله) لمريد البرغوثي، و(المحبوبات) لعالية ممدوح و(حارث المياه) لهدى بركات و(رامة والتنين) لإدوارد الخراط. بما تعكسه تلك الإصدارات من تنوع في الأداءات الكتابية ورفد المنجز الروائي العربي بالمغاير سردياً.
كل تلك المتوالية من الروايات تحمل قيمة أدبية وتستحق القراءة والدراسة،مثلها مثل (ليلة عرس) ليوسف أبو رية، و(وراق الحب) لخليل صويلح، و( لا سكاكين في مطابخ المدينة ) لخالد خليفة، و(العلامة) لبنسالم حميش، و(الباب المفتوح) للطيفة الزيات. التي تشكل هي الأخرى فتوحات سردية على مستوى المضمون والتقنية. إلا أن كل تلك الأسماء التي تقف وراء رواياتها لا تحظى بنجومية ممتدة لدى القراء. فيما تبقى أحلام مستغانمي التي فازت هي الأخرى بالجائزة عن روايتها (ذاكرة الجسد) استثناءً، لأسباب لا تتعلق بالجائزة ذاتها، بل بما تؤديه على مستوى العلاقات العامة والتسويق لذاتها الروائية.
مقابل ذلك الضمور الإعلامي والجماهيري للجائزة التي تحمل اسم العربي الحائز على جائزة نوبل، تتمدد الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) في المشهد الثقافي العربي بلا حدود. وهي بالتأكيد أكثر الجوائز العربية إثارة وجاذبية لأسباب ثقافية وأخرى لا ثقافية. حيث لم تهدأ المجادلات حولها منذ أول دوراتها عام 1996م. إذ لا يكتسب النجومية الفائز بها وحسب، بل كل الذين يتأهلون للقائمة القصيرة، وإلى حد ما أولئك الذين يدخلون القائمة الطويلة. فهي جائزة تحقق النجومية والسمعة الأدبية والمقروئية للراوئيين، ولجان التحكيم، والناشرين. حيث يقرن كل أولئك سيرتهم الثقافية بفضاء الجائزة ومداراتها.
إثر كل دورة يتجدد السجال حول أحقية هذه الرواية أو تلك بالفوز. وهو سجال لا ترحب به مؤسسة الجائزة وحسب، بل تصعّده بأساليب ثقافية وترويجية. حيث يتم التشكيك في نوايا وكفاءة لجنة التحكيم. كذلك يحدث الغمز واللمز إزاء ضغوطات لدور النشر. تماماً كما تتصاعد الإشاعات والمزاعم بوجود مقاصد سياسية وراء فوز روائي أو روائية. ولا ينتهي الجدال عند هذا الحد بل يستمر عبر وسائل الإعلام المختلفة والمواقع الاجتماعية. وبعد فاصل من السباب والشتائم والتخوين يعود الجميع للدورة التي تليها وكلهم يترقبون الفوز أو الحضور في أدنى حد. حيث بدأ الحديث الآن عن ترشيحات دور النشر لجائزة العام القادم، على إيقاع إعلان نتيجة العام الحالي بفوز رواية أحمد سعداوي ( فرانكشتاين في بغداد).
البوكر، ليست مجرد جائزة للإبداع الروائي. إنها حدث ثقافي كبير، يملأ فراغاً فادحاً في المشهد الثقافي العربي، على الرغم من كل الملاحظات الفنية والأدائية الكثيرة التي تحف بها. وعلى هذا الأساس تم تأسيسها. وهي مؤسسة فطنة لا تتخلى عن أبنائها، إنما تتعامل معهم كسفراء لمبادئها. فبقدر ما أكسبها فوز رواية يوسف زيدان (عزازيل) سمعة الانتصار للقيمة الأدبية بمعناها الرصين، وتجديد الخطاب الروائي من خارج الفضاء المتداول، أعطاها فوز الفتى الذهبي للبوكر سعود السنعوسي بروايته (ساق البامبو ) سمة الجائزة الحيادية التي تنتصر للأدب الذي يجترحه الشباب عندما يتنافس بمنتجه الحي مقابل الكُبار.
ليست القيمة المادية فقط هي ما ترفع حُمى التنافس على البوكر. ولا تبني العمل الفائز على مستوى إعادة الطبع والترجمة فقط. بل إحساس الروائي بأنه سيكون في رعاية مؤسسة تتيح له فرصة نادرة لتنمية وعيه الأدبي بالقدر الذي تفتح له آفاق الشهرة. وهو أمر لا يتحقق إلا لمن فاز بموجب كفاءة منتجه الروائي. إذ لا يخفى وجود سقطات في مجمل الدورات سواء على مستوى الفائزين أو المتأهلين.
وعليه، يمكن القول أن أمير تاج السر الذي لم يفز بالجائزة وتأهل للقائمة القصيرة مرة بروايته (صائد اليرقات) وللقائمة الطويلة مرة بروايته (336) أصبح أحد رموز الإبداع الروائي العربي، ومن أكثر الروائيين العرب قُرباً للقراء، بل أكثر حضوراً وتأثيراً من أسماء فازت بالجائزة لأنها لا تمتلك من الوجهة الإبداعية حق تمثيل الجائزة ولا حقيقة الخطاب الروائي العربي في آخر وأصفى تجلياته.
كل تلك المتوالية من الأسماء كانت تكتب قبل تأسيس جائزة نجيب محفوظ وجائزة البوكر. ولها سمعتها الأدبية وقراؤها خارج مضمار الجوائز، إلا ان وجودها على خط تماس البوكر بوجه خاص يجعلها في قلب الحدث الثقافي ومحل الإثارة الجماهيرية، إلى جانب تموضعها في صميم الخطاب المعرفي والجمالي. فهي كجائزة ثقافية تستجلب معها سجالات المعيارية الإبداعية إلى جانب جدل الإعتبارات الجغرافية والإملاءات السياسية ودعاوى المحاصصة الإقليمية وهو الأمر الذي يجعلها على الدوام محل اهتمام الجميع.
كل من يشارك في كرنفال الجائزة يصبح سفيراً لها. فمن يتأهل للقائمة الطويلة أو القصيرة يتحدث عنها كدليل على معنى وجدوى الجهد المؤسساتي في خدمة الأدب. أما الناشر الذي تدخل روايته في المسابقة فيتولى مهمة الترويج لها إعلامياً كرافد للإبداع وصناعة النشر. فيما ينبري نقاد كل دورة على وجه الخصوص، للدفاع عن مبررات الفوز والخسارة، بخطاب فائض بالمعرفية. وكأنهم قد تحلّلوا من خطابهم النقدي ليتحولوا إلى نقاد جوائز.
*كاتب وناقد سعودي
[email protected]
محمد العباس
نحن العرب نفتقر إلى النقد الجاد، ولعل هذا المقال مثال على ذلك فقد خلط الكاتب الغث والسمين إلى درجة يجعل المطلع يحكم عليه بأنه خارج العملية الأدبية العربية المعاصرة كلية، فمن كل هذه الروايات لا يمكن أن ترى رواية بمستوى لائق كروايات نجيب محفوظ على سبيل المثال:
(البلدة الأخرى) (وكالة عطية) لخيري شلبي، و(رأيت رام الله) (المحبوبات)(حارث المياه) و(رامة والتنين) (ليلة عرس) (وراق الحب) ( لا سكاكين في مطابخ المدينة ) (العلامة) و(الباب المفتوح) فكل هذه الروايات باستثناء وكالة عطية متواضعة، وعلى سبيل المثال لا أظنه استطاع أن ينهي رامة والتنين. فادودر الخياط لم يدر عم يتكلم قط.
إن عملية الخلط هذه في هذه المقالة مؤلمة مع الأسف الشديد