خرج أحد المشايخ الخليجيين متحدثاً عن «حرب عالمية معلنة تستهدف أخلاق أطفالنا»، من خلال البرامج الكرتونية الغربية التي ترسم شخصيات متعددة الهوية الجندرية في رواياتها. كان المتحدث مستاء جداً أن آخر الأخبار تقول إن سوبرمان سيكون مثلي الجنس، معبراً أن «يا عيب الشوم، هذا سوبرمان، الرجل الخارق، الرجل الذي يطير، الرجل البطل الذي يقاتل المجرمين، في النهاية يطلع شاذ؟ يخرب بيتكم». بعدها أعلن المتحدث أننا «سوف نبقى هنا» مطالباً المسلمين تعليم أبنائهم الرجولة والأنوثة، ذلك أن «جنس وهويات وميول» أطفالهم مستهدفة، حيث إن الغرب «سيسرقون أحلام طفولتهم ويغتصبون براءتهم ويلوثون فطرتهم»، إلى آخر ما ورد في حديثه من أوصاف يعف قلمي عن ذكرها.
البيئة غير البيئة، والثقافة مغايرة للثقافة، وحين تُصدر جهة عربية فيلماً كارتونياً، لن يكون فيه شخصيات متعددة الهوية، لن يكون فيه لا شخصية ولا حدث ولا توجه مختلف عن المألوف أو خارج عن الصف، ذلك أننا مجتمعات جمعية، أحادية الاتجاه، مركزية المنظور، لا مكان في ثقافتنا للمختلف؛ فهذا نسميه منبوذاً، لا مساحة للجديد؛ فهذا نسميه بدعة، لا صبر وتعامل مع ما يكشفه الزمن والعلم من جديد في حياتنا البشرية، فنحن على ما وجدنا عليه آباءنا، نتوارث الأفكار ونجتر المفاهيم، العلم عدونا، والتراث ولو كان كاذباً مغمساً بالدماء، ملاذنا ومولانا ونعم النصير.
نحن ثقافة تجمدت في الزمكان، نفضل الماضي على الحاضر، والتراث على العلم، ولنا ذلك. حين تنتج شركة عربية فيلماً كرتونياً لن يكون إجبارياً عليها استكشاف مناطق جديدة من الحياة أو عرض نماذج مختلفة من الهوية أو طرح الحرية والتعددية كفكرة، ليس هناك إجبار على ذلك. فلماذا نعتبر طرح ثقافة أخرى لأفكارها المغايرة تَعَدِّياً علينا ومحاولة لشن حرب ضدنا؟ الأفلام الكارتونية الغربية، خصوصاً الأمريكية، عالمية الانتشار لأسباب، لجودتها، لتكنولوجيتها، لجمال سرديتها، ولتطور أفكارها. إذن حاربوا الكارتون الغربي بمثيل له عربي، يكون بذات الجودة ويطرح الأفكار والمفاهيم التي تناسب الثقافة العربية المستهدفة، ما المانع؟ المتحدث في الفيديو المذكور أعلاه يأتي من دولة خليجية ثرية، لمَ لا يأخذ على عاتقه إنتاج فيلم كارتوني لسوبرمان «أبو شوارب»، رجل الرجال، كما ترد أوصافه في كتبنا التراثية، والتي نعلم أين تصب كلها وعلى ماذا تركز، تراه موضوعاً تراثياً مناسباً للأطفال؟
وهل الغرب هو الذي يسرق أحلام الطفولة ويغتصب البراءة، أم هي مخيماتكم التي تخرجون منها شباب زهد الحياة من أجل نساء الجنة وخمرها؟ أنتم من ينتهك طفولة الأولاد مع أول وسوسة تنفثونها في أذن الصبي الصغير «عيب، أنت رجل والرجل ما يبكي»، وصولاً إلى حزام ناسف وأشلاء مبعثرة، ولا داعي لأن أخبرك كيف تنتهكون طفولة الفتيات، فالطرق لا تعد ولا تحصى. ثم ما الذي يخيف الغرب لهذا الحد من أطفالنا لدرجة شن حرب تخريبية عليهم؟ لا شك أن أطفالنا أغلى ما في الحياة وكذلك أطفالهم، لكن حقيقة ما الذي يجعلنا مستهدفين لهذا الحد؟ هل نحن مصدرو العلم، مطورو الذرة، مسافرون في الفضاء، قادة للسياسة والاقتصاد على الأرض؟ أفهم أن نحب ونعز أطفالنا، لكن أن يأخذنا الغرور حد الاعتقاد أنهم فخر البشرية، فهذا ما لا تستطيع أمة ولا ثقافة ولا مجتمع ادعاءه مهما بلغت، فما الذي يجعلنا «آخذين الموضوع على صدورنا» إلى هذا الحد؟
بالمناسبة، هل يعلم المتحدث الفقيه الفكرة الأساسية من شخصية سوبرمان؟ ما تمثل؟ وما بُعدها الفلسفي؟ في الغالب هو لا يعرف، لكن لو عرف لا أدري أينبذ الفكرة أم يزداد إصراراً على تقديس هذا الرجل الطائر البطل. فالذكورة في مجتمعنا تعادل الألوهية، ولربما لو عرف المتحدث أن سوبرمان هو تشخيص لحلم الإله على الأرض، هو معرَّف «إله القوة» في أحد خطوط قصصه، وبذلك هو يربط بين الرجولة والألوهية، أقول لربما يزداد تمسكاً بفكرة سوبرمان الذكر الصنديد الذي لا يمكن أن يكون سوى عاشق للنساء، هذا الذي لا يكتفي منهن بدافع فحولته التي طالما كانت مصدر فخر واعتزاز في كتبنا التراثية. وبمناسبة ذكر كتبنا التراثية، كيف حال قصص العلاقات المثلية فيها؟ إذا أراد الغرب تعريض أطفالنا لمثل هذه القصص، يكفي أن يزجوا أمامهم بكتبنا التراثية التاريخية وغيرها، «تكفي وتوفي، على فكرة».
يريد الشيخ الكريم أن نعلم أبناءنا الرجولة والأنوثة، ولربما هذا شيء طيب، ولكن أي تعريفات يروم؟ أنعلمهم أن الرجولة خشونة وعنف وحروب، ويضرب بسيفه عن يمينه فيقطع مئة رقبة، ويضرب بسيفه عن شماله فيقطع مئة رقبة، ويذهب ليله يختلي بنسائه بلا تعب أو كلل؟ أنعلمهم أن الأنوثة ضعف وخجل وحياء وصوت خفيض وانكسار، ولف ودوران، وطاعة وزواج وإنجاب؟
الرجولة والأنوثة الحقيقيتان، في رأيي، توحدهما الإنسانية، هما شرف واستقامة، عطف وحنان، رحمة وشفقة، احترام الآخر وحرياته وحياته واختياراته، الرجولة هي ألا تستخدم قوتك الجسدية لترضخ أهل بيتك وتخيفهم وتتحكم بهم، بل أن تستخدمها لتحميهم وتحسن إليهم. والأنوثة هي ألا تمثلي الضعف والرقة لتصلي لمآربك، بل أن تكوني طبيعية وقوية وواضحة. الرجولة والأنوثة هما إنسان يحترم الآخر، يقدم العطف على القسوة، الرقة على الخشونة، هما إنسان دمث، طيب اللسان، لطيف المعشر، لا يكره ولا يقصي ولا يعتقد نفسه صاحب حق مطلق أو حقيقة خالصة. الرجولة ليست رجلاً يطير يا شيخ، أيامنا سوداء بسبب أفكارك الطائرة هذه.
ما تقوله الكاتبة هو غيض من فيض ونزر يسير من التفكيكية الجديدة المتلبسة بالنسوية الماركسية و الموجة الثالثة لتحرر النساء …
و يمكن لمن كان له نقاشات مع امثال هؤلاء خصوصا في امريكا ومن امريكا ان يعرف اين وصل بهم تصنيفهم الجندري الي حد عدم اطلاق جنس الدكر او الانثي من فيزيولوجيتهم بل يجب ترك اولادهم من دون جنس حتي يختاروا نوعا من الجندر عندما يكبروا ولكم ان تتخيلوا كم جندرا يوجد هناك وعلاقة هذه الجندرية بالمثلية والشذوذ في الغالب ان لم نقل انها وجدت لاجل ذلك …
ولقد لقيت هذه الاصوات والدعوات انكارا شديدا لا نقول من المسلمين بل من ابناء جلدة هؤلاء القوم لان الامر فظيع حقا خصوصا وان الماركسية النسوية قطعت اشواطا كبيرة في ذلك والنتائج والاحصائيات المتعلقة بالاجهاض والعنف المنزلي ضد النساء من طرف البويفرايند و الازواج مفزعة …
لنقل ان في مجتمعاتنا العربية بعضا من التشدد والذكورية كما تدعي الكاتبة دوما ، لكن هناك في امريكا واوروبا فقدوا شيئا ما بتخلي الرجل عن دوره و وظيفته وهم يجنون ثمار نزعتهم التحررية المفرطة ….
أوافقك الرأي تماماً
وهناك في أمريكا حاليا من يطرح السؤال التالي ” ما هي المرأة فعلا” حيث أصبحت مصطلحات: رجل وامرأة وذكر وأنثى مصطلحات فضفاضة وتحت مظلة هائلة من مصطلحات ومفردات وأصبح أساتذة اللغة الإنكليزية في مرمى نيران فئة معينة لرفضهم ادراج هذه المفردات الجديدة التي ما أنزل الله بها من سلطان في قواميس اللغة
تحياتي للجميع ولك دكتورة…
أتابع منذ فترة مقالات الدكتورة التي تنشر هنا وعلى صفحات أخرى كما تابعت بعضاً من مقابلاتها على محطات فضائية مختلفة وكنت أنتهي في معظم الأحيان إلى نتيجة مفادها دعم الدكتورة لاستحضار وإرساء النموذج الليبرالي في معظم نواحي الحياة المدنية والسياسية في المنطقة وتحييد “النموذج الإسلامي” في إدارة المجتمع والسياسة. وإني إذ أدرك أن هذا الدعم مصدره تحليلها واشفاقها على واقع المرأة في الخليج بشكل خاص والدول الإسلامية بشكل عام إلا أني أدعو الدكتورة والقارىء العربي والمسلم للاطلاع على النقاش الدائر والمستمر منذ فترة من الزمن وفي معقل الليبرالية حول مكتسبات النزوح المجتمعي باتجاه التحرر المطلق من قيود الأسرة والتمايز بين الجنسين، وأطلب من الدكتورة التأني في طرح وتأييد منهج اجتماعي وتربوي بدأت بعض الأصوات ذات الثقل الأكاديمي في الغرب تدعو لاعادة النظر فيه وتفكيكه لأنها تلمس مخاطر استمرار هذا النهج على ما تبقى من ضوابط تضمن سلامة الفرد النفسية والاجتماعية قبل سلامة المجتمع.
يتبع لطفاً…
وأطلب من الدكتورة كأكاديمية ورائدة نسوية النظر بعين مجردة بعيدة عن التصنيف إلى ما بين أيدينا من تراث وإرث اجتماعي وديني وتاريخي بدلا من محاولة اقصائه وتحييده، ففي هذا التراث الكثير مما يستحق الثناء وتسليط الضوء على مواطن القوة والجمال فيه، بل والتمسك به لأنه جزء متين ومتجذر في الذاكرة الجمعية المحلية العربية والإسلامية وإلا كيف لأمة أن تسود قروناً إلا إذا كانت تملك في وقتٍ ما ما يعينها
على ذلك.
وأخيراً وكما يقال، إذا عجز أصحاب عصر ما عن قراءة ماضيهم حسب حاجتهم فالعيب ليس في الماضي بل فيهم هم.
تحياتي للجميع ولك دكتورة…
أتابع منذ فترة مقالات الدكتورة التي تنشر هنا وعلى صفحات أخرى كما تابعت بعضاً من مقابلاتها على محطات فضائية مختلفة وكنت أنتهي في معظم الأحيان إلى نتيجة مفادها دعم الدكتورة لاستحضار وإرساء النموذج الليبرالي في معظم نواحي الحياة المدنية والسياسية في المنطقة وتحييد “النموذج الإسلامي” في إدارة المجتمع والسياسة. وإني إذ أدرك أن هذا الدعم مصدره تحليلها واشفاقها على واقع المرأة في الخليج بشكل خاص والدول الإسلامية بشكل عام إلا أني أدعو الدكتورة والقارىء العربي والمسلم للاطلاع على النقاش الدائر والمستمر منذ فترة من الزمن وفي معقل الليبرالية حول مكتسبات النزوح المجتمعي باتجاه التحرر المطلق من قيود الأسرة والتمايز بين الجنسين، وأطلب من الدكتورة التأني في طرح وتأييد منهج اجتماعي وتربوي بدأت بعض الأصوات ذات الثقل الأكاديمي في الغرب تدعو لاعادة النظر فيه وتفكيكه لأنها تلمس مخاطر استمرار هذا النهج على ما تبقى من ضوابط تضمن سلامة الفرد النفسية والاجتماعية قبل سلامة المجتمع.
الحرية بلا حدود وضوابط تؤدي إلى الهاوية
الغرب ماشي بخطى سريعة للهاوية
حقنا نحمي حالنا واطفالنا من التشوه الاخلاقي الغربي
مخطئة! هم يحاربون الإسلام ببث السموم من حيث لا ندري! إذا ابتعدنا عن ديننا فهذا مناهم . ليس لنا ما نتمسك به ونعتز ونفخر سوى ديننا ورسولنا، فإذا نسيناهما نسينا الزمن أكثر مما نحن منسيون بابتعادنا عن الإسلام العظيم. ” نحن أمة أعزنا الله بالإسلام، فإذا ابتغينا العزة بغيره، أذلنا الله”.