أبي ، ذاتَ وقتٍ ، كتبَ الشِعرَ،
عن امرأةٍ جبليّةٍ مسكينةٍ، ومستوحشةٍ
وحدها،
تلكَ الّتي اغتصبَ السيّد، مختارُ الضيعةِ
مهدَ رضيعِها البسيطَ، الآمنَ.
تلكَ الّتي خضعتْ لعقابٍ أليمٍ
ذلكَ أنّها غفتْ حتّى الضحى
طالما ظلّتْ تهدهدُ طفلَها في السريرِ
ولمْ يأخذها النومُ،
والتحقتْ بالحقلِ بعدَ الظهيرة.
كانتْ واقعةً زلزلتْ داغستانَ،
وبالروحِ الواهنةِ الفتيّةِ،
بقيتْ كلماتٌ-
هذي الّتي صاغها أبي
باسمِ المرأةِ تلكَ:
« آه، ماذا أفعلُ بعدَ رجوعي من الشُغلِ
بِتَمَلّقِ الناسِ الخبيثينَ،
حينَ لا يستسلمُ الطفلُ للنومِ
حيثُ لا مكانَ غيرَ مهدكَ هذا؟
السنواتُ العِجافُ مرّتْ طويلاً
لكنّي أعلمُ: اليومَ أيضاً
ليسَ مهداً، بلْ فُتاتَ أرضٍ من الوطنِ الحبيبِ
يريدونَ أن يسلبوهُ من الأطفال.
إنّ هايتي غارقة بالدمِ،
وغرينادا تتلوّى في الحرائقِ
وأمّ أطفالٍ فلسطينيّينَ
تتوسّل اللهَ في بلدٍ وراءَ البحرِ
باسمِ كلّ الأمّهاتِ:
« أهِ، يا إلهي!
كيفَ نخدعُ ذاكرتَنا
ونعزّي ضمائرَنا
حينَ لا يقدرُ أطفالُنا أن يغفوا
في أيّ مكانٍ
إلا في حضنِ الوطنِ الحبيبِ؟
ما شأن الجلادِ بدموعِهمُ العاجزةِ
يُلهبُ الكحلُ انعتاقَها الجريء،
يشحذُ، مثل الدودة،
مشكلة لم تحلّ بعد-
على مَنْ يسطو
أحداً آخرَ،
أيّما أحدٍ آخرَ،
أيضاً؟
وكما لو أنّه ليس فيهم فتيةٌ صغارٌ
وزوجاتٌ، وعجائزُ مسكيناتٌ،
وآهاتٌ يتطايرُ بها الرصاصُ
تجرّحُ آذانهَمُ الحجريّةَ.
«آه ، ما الّذي يمكنُ أنْ نفعلَ،
يا إلهي، أجِبْنَا
في البيتِ المؤقّتِ، البيتِ الغريبِ
حينما سحقتْ موقِدَ الأبِ
كالصَدَفةِ
البساطيرُ العمياءُ الثقيلةُ.
فيما الرجالُ الشجعانُ
وهم يشدّون على قبضاتهمْ
يحلِفونَ للأمّهاتِ:
«من أجلِ مواقدِ آبائِنا التي أفسدوها
سنقضي نحنُ أيضاً، مثلَ الآباءِ»
وفي كلّ حالٍ
من جديدٍ
تتجلّى لنا فلسطين،
غرينادا وتشيلي في العتمةِ».
يمكنُ أن تحيا في الشتاتِ والمنافي
لكن ينبغي أن لا تموتَ في الأرضِ الغريبةِ
ولا سكينةَ لهم، والأسرّةُ ضيّقةٌ،
وعيونُ الأمّهاتِ شاحبةٌ،
والكوابيسُ الغلّابةُ تفسدُ أحلامهمْ.
أحلامهمْ
بالوطنِ،
وحدهُ الوطنُ.
ترجمة: عبدالله عيسى
كاتب ومترجم فلسطيني