لندن – “القدس العربي”: يرى كريشناديف كالامور من مجلة “أتلانتك” أن التطورات الجارية على جبهة إدلب في سوريا تنبئ بكارثة إنسانية. وذكر في مقالته بما حدث في حلب حيث زحفت قوات موالية للأسد دعمها الطيران الروسي في خريف عام 2016 نحو حلب وسيطرت في النهاية على الجزء الشرقي في المدينة الذي يقطنه 200 ألف نسمة مخلفة وراءها الدمار والمعاناة الإنسانية. وفي فبراير/ شباط من هذا العام تم قصف الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق وأجبر مقاتلوها على الاستسلام في منطقة يعيش فيها 40 ألف نسمة. وفي الوقت نفسه لم يتوقف القتل طوال الوقت مما زاد عن نصف مليون شخص رغم أنه من الصعب التحقق منه بعد توقف الأمم المتحدة عن إحصاء أعداد القتلى. ويقول إن الموت والمعاناة الإنسانية التي تسببت بها معارك سوريا الرهيبة قد تكون قليلة جداً مع ما سيحدث في المعركة المقبلة في إدلب.
ويحضر نظام الأسد والطيران الروسي لمعركة ضد إدلب في شمال- غربي البلاد والتي يسكن فيها 3 ملايين شخص. وتقول جماعة الأزمات الدولية التي تقوم بمراقبة النزاعات إن حوالي ثلث سكان إدلب هم من النازحين الذين فروا من محاور الحرب الأخرى. وتقدر الأمم المتحدة أن المعركة المقبلة قد تؤدي إلى تشريد أكثر من 800 ألف نسمة لا يعرفون إلى أين سيذهبون، خاصة ان تركيا التي استقبلت 3.5 مليون لاجئ سوري أكثر من أي بلد في العالم أغلقت حدودها بسبب ما تعانيه إحباط محلي من اللاجئين والإقتصاد.
تقول جماعة الأزمات الدولية التي تقوم بمراقبة النزاعات إن حوالي ثلث سكان إدلب هم من النازحين الذين فروا من محاور الحرب الأخرى
وقالت منى يعقوبيان، الباحثة بشأن سوريا في معهد السلام الأمريكي “ستكون هناك كوارث أكثر مما شاهدنا حتى الآن”. وقالت إن إغلاق المنافذ على اللاجئين وطبيعة القتال تعني ان هناك مخاطر كبيرة على المدنيين “أعتقد أن النظام وبكل الحسابات لن يتوقف عن محاولاته استعادة المناطق” ولهذا “نتوقع هجوماً وحشياً من جانب النظام السوري وبدعم من الروس”.
وقال أندرو تابلر الخبير في شؤون سوريا بمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى إنه من الجيد مراقبة الطريقة التي سينفذ من خلالها الهجوم “هل سيركز على عدد من الطرق المهمة؟ هل ستدخل أعمق؟ وهنا تصبح أصعب لأن هناك 3 ملايين يعيشون في إدلب ولديك الكثير من المتطرفين في المنطقة أيضاً”. وأصدرت وزارة الدفاع الروسية، يوم الثلاثاء، بياناً قالت فيها إنها هاجمت مواقع تابعة لجبهة النصرة، الموالية للقاعدة والتي غيرت اسمها لهيئة تحرير الشام وأن الطيران لم يقصف المدنيين.
ولكن الوزارة زعمت في الماضي ان الإرهابيين هم الذين يقتلون المدنيين. وستتم مناقشة إدلب، يوم الجمعة، في اجتماع بإيران تحضره بالإضافة لها تركيا وروسيا لمناقشة سبل تطبيع الوضع في سوريا، ولن تحضر أمريكا اللقاء. ويشير كالامور إلى مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي حذر من ضرب إدلب بطريقة متهورة. مشيراً إلى شكوك ترامب بالدور الأمريكي في سوريا لكنه لم يتردد عن استخدام القوة عندما يرى صورة الأطفال القتلى جراء استخدام النظام للسلاح الكيميائي حيث وجه ضربتين محدودتين في إبريل/ نيسان 2017 وعام 2018.
وانتقد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف تغريدة ترامب إذ قال “عندما تقوم بعدد من التحذيرات بدون الأخذ بعين الإعتبار الوضع الخطير والسلبي في سوريا لا يعبر عن مدخل كامل وشامل”. ويزعم الأسد والروس أنهم يقاتلون الإرهاب وفي هذا يعنون “هيئة تحرير الشام”، لكنهم استخدموا علامة الإرهاب هذه لوصم الجماعات الأخرى المعارضة للنظام. وبالتأكيد فلم يفرق الأسد وحلفاؤه أبداً بين الجماعات المعتدلة والإسلامية المتشددة عندما يطلق العنان لجيشه والقصف على مناطق المعارضة.
وعبر مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي عن مشاركته الروس القلق من الإرهاب النابع من شمال وشمال غربي سوريا وضرورة اقتلاعه “لكننا نأمل بحله بطريقة دبلوماسية”. وحذر من تعريض حياة الأبرياء للخطر مشيراً لإمكانية استخدام السلاح الكيميائي من اجل تحقيق أهداف المعركة. ويظل الدور الأمريكي في سوريا محدوداً حيث يوجد هناك حوالي ألفي جندي في مناطق شمال- شرق سوريا لدعم المقاتلين الأكراد.
يظل الدور الأمريكي في سوريا محدوداً حيث يوجد هناك حوالي ألفي جندي في مناطق شمال- شرق سوريا لدعم المقاتلين الأكراد
ويرى تابلر أن تغريدة ترامب يوم الأحد تعني أن أمريكا لم تتخل عن سوريا بعد. وقال “لدى أمريكا تأثير على الوضع لكنها لا تملك النفوذ المطلق” و”من الصعب التأثير على نتيجة الحرب إلا إذا عبرت عن استعدادك لاستخدام القوة العسكرية. والفرق بين الإدارة الحالية والسابقة هي استعدادها لاستخدام القوة العسكرية المحددة خاصة ضد الهجمات الكيميائية”. وترفض روسيا المزاعم عن استخدام النظام أو تحضيره لاستخدام السلاح الكيميائي في إدلب وحتى بدون استخدامه فقد ترك النظام والروس معاناة لا توصف في سوريا. واستمرت المعارك خاصة في حلب والغوطة الشرقية أشهرا ولن تكون معركة إدلب مختلفة.
وتقول يعقوبيان إن “السيطرة على إدلب لن يكون سهلا” مضيفة أن “هناك ما يقدر عددهم بنحو 70.000 مقاتل على الأرض ولن يستسلموا بسهولة. وهؤلاء غير مستعدين للتفاوض او الإستسلام ولهذا سيقاتلون حتى النهاية”. وعندما تنتهي معركة إدلب فهي إشارة الى أن الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من سبعة أعوام قد انتهت. ويمكن القول إن الأسد قد هزم المعارضة لكن الحرب قد توسعت وتمظهرت بحرب وكالة تشترك فيها تركيا وإيران وروسيا.