-أنا أيضاً أرفض العنف يا سيادة القاضي، وخصوصاً ضد الحيوانات البريئة، يوجد حول بيتي ست قطط تعيش بوئام وسلام، منها الأبيض والأسود والبني والبرتقالي والمنمّر والأعور والأعرج والأزعر، ولكنها غير مؤذية، ولا تهدّد أحداً، أنا لست ضد الكلاب، في حارتنا كلاب كثيرة، ولكنها مهذّبة، يشعر الأطفال إلى جانبها بالأمان، وبعضهم يلاعبها.
– لكنك حاولت قتل كلب السيّد زكريا!
– لم أحاول قتله، فقط حاولتُ ردعه، كل ما فعلته هو أنني رفعت في وجهه حجراً صغيراً لأخيفه، لأنه بات يهدّد أبناء أسرتي، إنه شرس وعدواني ليس كبقية الكلاب.
القاضي- كان عليك أن تتقدم بشكوى إلى الشرطة، فالقانون ليس سائباً، ألا تعترف بالقانون؟!
– بل أعترف، ولهذا ذهبت وشكوت تصرفات زكريا وكلبه أكثر من مرة لدى الشرطة، ولكنهم قالوا إنهم لا يستطيعون التدخل بدون إثباتات بأن الكلب آذى أحداً بالفعل، النّباح والتهديد لا يعني شيئاً، قالوا لي حرفياً، لا تأت إلا إذا عضّ أحد أبناء أسرتك، فالقانون لا يمنع كلباً من النباح.
-هل حاولت التفاهم مع السيد زكريا؟
-طبعاً حاولت، لم أبق واسطة خير إلا وأرسلتها وتَدخَّلت، ولكنه كان دائماً يجيب بأن كلامي غير صحيح، وبأنني أخشى من الكلاب، وهذا ليس ذنبه.
القاضي-ولكن لماذا تعتقد أن زكريا يريد مضايقتك؟
-سيدي القاضي، هناك سبب تافه، ولكن لا أعتقد أنه السبب الحقيقي بالفعل، وكان عليّ أن أعلّم كلبه درساً، ورغم ذلك ما زلت أطمح حتى هذه اللحظة بأن أعيش إلى جانبه بسلام، أن لا أتدخل بشأنه، ولا يتدخل بأمري، في إحدى المرات مزق كلبه طرف ثوب زوجتي، وكادت تفقد رشدها، وأولادي صاروا يخشون الخروج من البيت إلا بمرافقتي، وحتى ضيوفي اختفوا، لم يعد يزورني في بيتي سوى قلة قليلة نادرة من المضطرين، فهو أو كلبه في الطريق، وكلاهما شرير.
-ماذا تقول يا سيد زكريا؟ لماذا تفعل كل هذا أنت وكلبك لجارك السيد فايق؟
-سيدي القاضي، إنه يخاف من الكلاب، وهذا ليس ذنبي، وهو ليس الوحيد بهذا، هناك أناس كثيرون يخافون من الكلاب، وأنا أعامله مثل أي إنسان آخر في الحي، ولكنني لست صديقه، ولن يمنعني من ممارسة هوايتي وحياتي العادية مثل أي إنسان آخر باقتناء كلب، نحن في نظام ديمقراطي، لسنا في دكتاتورية تحرمنا مما نحبّه أو تفرض علينا ما لا نحبه، وأنا أحب الحيوانات، وهذا الكلب الذي اعتدى جاري رايق عليه، يريحني ويساعدني ويسلّيني، وهناك دراسات تقول إن الكلاب في البيت تنمي ذكاء ومشاعر الصغار والكبار، وقد أحضرت إحداها كي تراها بعينيك.
– ماذا تقول بكلام جارك هذا يا سيد فايق؟
– أقول إن النوايا السيئة ظهرت جلية، ليس من قبل الكلب وحسب، بل منه أيضاً، فهو لا يمرر ليلة إلا ويطلق النار في الحي، فيزعج النائمين ويرعبهم، والشرطة تلقت شكاوى ضدّه، ولكنها لم تفعل شيئاً حقيقياً لردعه، يقول الناس إنها متواطئة مع أمثاله على حالة الفوضى والعنف والسموم، ومع ظاهرة الكلاب الشرسة…
-ولكن لماذا؟ أين المنطق في هذا؟ فهدف الشرطة تحقيق النظام..
-لقد همس زكريا لأحد الوسطاء بأنه مستعد لشراء بيتي!
-أتاجر عقارات زكريا أم ماذا؟
-لا، إنه لا يملك شروى نقير، إنه سمسار فقط، يريد شراء بيتي لصالح جهة خفيّة، لهذا السبب يتفهم مدير مركز الشرطة تصرّفاته، وبغض الطرف عن سلاحه غير المرخص، مرة واحدة زعموا أنهم أوقفوه بشبهة حيازة سلاح غير مرخص، ولكنه خرج بعد ساعات، وأطلق النار في الليلة نفسها على مصابيح سيارتي وعلى نافذة بيتي، يومها قال لي ضابط الشرطة: لماذا لا تبيع بيتك وتبحث لك عن مكان هادئ غيره؟ الضابط أيضاً معني بأن أبيع بيتي، السمسار وتاجر السلاح والمخدرات والشرطة يكمل بعضهم بعضاً، هناك جهة خفية تركته يحوّل حياة الناس إلى جحيم، وليس حياتي أنا فقط، بل الحي كله، بصراحة أنا غير راض عن موقع سكني، ولكن ليس لديّ مكان آخر أذهب إليه، ولا في نيتي أن أرحل، لا في داخل البلاد ولا إلى خارجها، وخصوصاً بعد تنامي موجة العداء للأجانب في بلاد الغرب، ليس لي سوى هذه الحفرة أعيش وأدفن فيها، ولن أتركها يا حضرة القاضي.
القاضي: لقد قلت قبل قليل إن هناك سبباً تافهاً لتعامل زكريا معك بهذا العداء!
-إنه سبب تافه وليس له علاقة بأعماله، فعداؤه ليس لي وحدي، الجميع يتذمرون منه..
-ولكن ما هو هذا السبب الذي تقول إنه تافه؟
-إنه تافه يا سيدي ولا داعي لذكره.
-بل ما هو هذا الأمر التافه!
لا لن أقول للقاضي، وبقيت صامتاً، لن أعترف أمامه، فقد يقتلني زكريا هذه المرة إذا بحت بذلك السر الذي لا يعرفه سوى أنا وهو وزوجته.
لا، لا تذهبوا بعيداً في سوء ظنكم، القصة وما فيها أنه رآني أغمز زوجته وأبتسم لها، في الحقيقة لم أقصدها، كان هذا قبل سنوات في حفل زفاف أحد أقربائه، ظننتُها سيدة أخرى بسبب كثافة الماكياج على وجهها، غمزتها وابتسمت لها فابتسمت لي، وحينئذ عرفت أنني أخطأت، فهي ليست السيدة التي أعرفها، ولكن فوجئت به يراقب عن كثب ويهز برأسه متوعداً، ومن لحظتها ساءت علاقته بها، وبي، ثم صرت أسمع أنه يتعاطى السموم، ولسبب ما تسلّح، وصار يطلق النار في الليالي، ثم اقتنى كلباً شرساً، ثم تدهورت حاله وأصبح سمساراً لصالح جهات خفية.
تساءل القاضي: ألا تريد أن تعترف ما هو هذا الأمر التافه؟
-قلت لحضرتك بأنه أمر تافه ولا يستحق…
– حسناً، يبدو أن هناك قضية خطيرة، فلماذا لا تفكر ببيع منزلك والرحيل من ذلك المكان؟!
يجب أن تقرأ القصة في ضوء موقع كاتبها. سهيل كيوان فلسطيني يقيم في قرية جليلية تسعى إسرائيل منذ عقود لتهويدها، ويجب أن تقرأ في ضوء روايته “بلد المنحوس”فثمة تقاطعات بين ما ورد هنا وما ورد عن جملات وزوجها والسمسار المتعاون في الرواية عن بيع بيوت عكا القديمة.
اجتهاد
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ). أنا شخصيا لا احب الكلاب و القانون يوجب ان تكون مربوطة خارج المنزل بغض النظر عن حجمها. ترويع الساكنين و ترهيبهم ليرحلوا هو من منغصات الحياة و هو عمل بلطجية. للأسف صاحب الكلب ضمر الشر و لن يتوقف عن أسلوبه الاستفزازي بالحسنى
مقال رائع تقرأه بعمق ..يحثك على الانحدار الى اعماق المعاناة في حياة الانسان والقضية التي يعانيها معاً.
حينما تجوب بين ارجاء السرد يستوقفك عنده عنوة لتتأمل تارة و اعادة قراءة ما قرأته سابقاً مرة ثانية وثالثة , وبعضه الاخر يحثك على التوقف عنده والتفكر بكل ما يدور حولك في الفلك السياسي خاصة حينما تكون جزء من هؤلاء الاشخاص الذين يعانون ما يعانيه السيد فايق و يتعايشون في دائرة هذا الفلك الحافل بمثل زكريا .. هذه الاحداث تكشف لك أن الغمزة هي حدث أولي بسيط لكنه في الغالب يولّد سلسلة متتابعة من الأحداث، ونتائج وتطورات متتالية ..أكبر من حجمها و أضعاف تأثيرها الأول فنجدها تجتمع على حقيقة أن كل هذه الفوضى والعشوائيات ترتبط برابط مثير وخفي غامض، يجعلها غير عشوائية في الباطن أما في الظاهر فتظهر كأنها أحداث عشوائية غير منظمة وفي انفصال تام وليست مترابطة لكنها تستدرج المعنى وتتضح الرؤية والسبيل ولا يسعك ان تنهي قراءة المقال الا وانت ترددها قائلاً ..فعلاً أثر الغمزة لن يزول .
في قرية سورية اشتكى احد الفلاحين على جار له لدى القاضي ورشاه بأن جاره يبرح حصانه ضربا كل يوم وبقساوة بالغة عندما يحرث الأرض حتى أن الحصان ركع احدى المرات من شدة الضرب. وعندما استدعى القاضي المدعي عليه قال له لماذا تضرب هذا الحصان فتعجب من الأمر لأنه يحب حصانه ولم يضربه ابدا فأجاب: سيدي القاضي لقد عرض علي المدعي ان يشتري الحصان ورفضت فابتدع هذه القضية ثم أني لم أعرف أن للحصان أقرباء في المحكمة
جميل جدا
احترامي وتقديري
صباح الخير ..
سبب تافه فعلا هو ما يحدث ..اسرائيل تعاني من غمزة ..وكلما همس احد في أذن احد تعتقد ان هذان يتهامسان عنها ..
سوريا ضحكت في وجه السودان ..يتآمران ضدها ..أما هي فسليمة النوايا حين تزور سلطنة عمان ..
كثيرا ما يحدث هذا ايضا بين شاب عربي تغمزه فتاه يهودية ..فتقوم القيامة من قبل زعران ديانتها ..
كذلك الحال مع اهل الضفة الغربية ..والقدس ..العيشة ماهي عاجبتك بيع واستريح ..في عكا وحيفا وغيرها ..
وآخر المطاف رجا زعاترة والنائبة العربية في بلدية حيفا ..التضييق على ميزانية البلدية من أجل ان العرب دخلوا ائتلاف مع رئيسة البلدية وقائمتها اليهودية ..التضييق والازعاج من قبل السلطات على الاهالي واستئجار ذوي النفوس الضعيفة ..هذا الحل الذي بقي في يد الحكومة الحالية في اسرائيل لتهجير العرب وتهويد المناطق الاكثر سكنى يهود والأقل سكنى عرب ..
لذلك إما الاستسلام وإما الخنق اقتصاديا ..اجتماعيا ..وحتى نفسياً
مقال جميل جدا ..ذكي جدا ..واقعي ..
دمت فخرا وذخرا ..
السلام عليكم
تحية طيبة مباركة لك أستاذ (سهيل) خاصةوللجميع
أمّا بعد..
منذ مدة وأنا أتابع روائعك التي لا نشبع من إعادة قراءتها وكلّما قرأت رائعتك قرأت مشهدا وحدثا غير الأول دليل على قمّة الإبداع…
إنّي أرى فيك يا أستاذ مرةك(إبن المقفع ورسائله ومرة عبدالقادر المازني بأدبه الساخر الهادف الذي أكسبه مكانة مرموقة بين الأدباء وكنت أنت بكتاباتك كذلك)
فيكفينا أن نسميك (إبن المقفع عصره أو عبدالقادر المازلي الثاني)
أعتذر إن لم أوفق في التعبير والوصف لأنّك تسحق كل التقدير وكما تقول -غادة الشاويش-علينا أن نخلع أحذيتنا لمّا نريد أن نقرأ لك إحدى روائعك..
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله
تحية لالاستاذ سهيل وللجميع
كالعادة مقالة زاخرة بالمعاني والالغاز بنفس الوقت فمشكلة فلسطيني الداخل وخاصة في القدس هي شراء مساكنهم وعقاراتهم لتهويد المدينة ومن خلال اناس يستغلون كل الوسائل الخبيثة للوصول لاهدافهم وربط الغمزة للزوجة تعطي معنى اخر ولغز اخر يعبر عن حقد دفين لالاخرين يجعلهم يقومون بادوار تخدم غيرهم من اجل ايذاء من يحقدون عليه قد لا زكريا يريد مالا من الذذيي يريد شراء البيت ولكن حقدا على فايق وهنا ربط لغير الاسرائيليين بالامرفالوسطاء في اغلب الاحيان من الفلسطينين انفسهم لاسباب عديدة
لا حول ولا قوة الا بالله
مقاله قصصيه ساحرة المعنى عميقته تدور احداثها في فلك الرمزية لانك تصديت من خلالها كاتبنا لنوع من أنواع القهر فيظهر هذا جليا من خلال استخدامك للتابوهات الثلاثة وهي الدين، السياسة، الجنس حيث نجحت في التعامل معها بذكاء فأصبحت شبيها بالحكيم بيدبا في “كليله ودمنة”.
تختلف الاديان و تتعدد بأختلاف البشرية من حيث الزمان و المكان الى ان تستقر البشرية اخيرا على ما يتفق مع انسانيتها و ما يحقق لها التطور و الرقى .( يتبع)