غزة ـ ‘القدس العربي’ انهمك سكان قطاع غزة كثيرا بمتابعة التظاهرات والاحتجاجات التي تعم كافة المدن المصرية، سواء المنددة أو المؤيدة للرئيس المصري محمد مرسي، وجلس الغالبية أمام شاشات القنوات الإخبارية وقنوات التلفزة المصرية التي تنقل الأحداث لحظة بلحظة يراقبون آخر ما آلت إليه الأمور هناك، لما لهذه الأحداث من تأثير كبير على كل مجريات الأوضاع في قطاع غزة المحاصر.
ولمصر مكانة كبيرة عند الغزيين، فهي بلد الجوار العربي الوحيدة، وباتت شريان الحياة لسكان قطاع غزة الساحلي والذين يفوق عددهم الـ 1.7 مليون نسمة، بعد أن فرضت إسرائيل الحصار المحكم عليهم قبل ست سنوات، لذلك لا تخلو مجالس السكان عن الحديث عن ما يجري في هذا القطر العربي، ويجهدون كثيرا في التفكير عن مستقبل مصر، الذي بالعادة ينعكس الواقع السياسي هناك على الأراضي الفلسطينية.
ويراقب المواطن أبو محمود في العقد السادس من عمره هو وأبناؤه ما يجري في مصر، ‘بقيت حتى ساعة متأخرة من ليل (السبت)، أشاهد أخبار مصر، وعت صباح (الأحد) مرة أخرى أشاهد الأخبار’، هكذا يقول هذا الرجل، ويشير أيضا أنه رغم ذلك لا يتنبأ ماذا سيحدث هناك خلال الساعات أو الأيام القادمة.
وهناك العديد من السكان يراقبون بشكل كبير شاشات التلفزة، على غرار ما حدث فترة اندلاع ثورة 25 كانون الثاني (يناير) التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، ويتابعون تفاصيل الخبر بدقة، كما لو كانت الأحداث تدور على أرض فلسطين، في خطوة تدل على مدى الارتباط الوثيق بين الأراضي الفلسطينية ومصر.
والأغلبية هنا في قطاع غزة تجمع على عدم التدخل أو التحيز لأي من أطراف الخلاف، وإن كان هناك البعض ينتقد الطرفين، غير أن الجميع يتمنى السلامة لمصر، وهي كلمة تردد كثيرا عند الحديث عن ما يجري هناك.
ولم تكن المجالس الألكترونية أيضا بمنأى عن الحديث عن مصر وأهلها، وامتلأت صفحات موقع التواصل لاجتماعي ‘الفيسبوك’ بالكتابة عن أحداث مصر، وحملت الجمل عبارات السلامة الخوف على مصر، فكتب الزميل الصحافي زكريا التلمس ‘ينتابني رعب شديد، أن تدخل مصر متاهة لا سمح الله بالخلاف والفتنة والاحتراب يعني أننا انتهينا، يا رب احم كل شيء في مصر، وأخرجها من الفتنة’، وكتب الزميل إبراهيم قنن ‘من ينقلب على الخيار الديمقراطي سينقلب على أي شيء آخر’، وكتبت إحدى الفتيات على ‘ فلنصل من أجلها من أجل عروبتنا’، وللدلالة على حب مصر والارتباط الوثيق بينها وبين غزة كتبت الزميلة لنا شاهين ‘الله العظيم ما حد حيصدق انه إحنا بنحب مصر كثير’.
وتؤكد الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركتا فتح وحماس على أن ما يحدث في مصر ‘شأن داخلي’ لا علاقة لهم فيه، وأعلنوا مرارا أنهم لا ينحازون لطرف دون الآخر هناك، لكن حركة فتح التي يتزعمها الرئيس محمود عباس دعت حركة حماس لعدم زج نفسها بالصراعات السياسية في سورية، ومصر، ولبنان، وقالت ان لهذا أضرارا سلبية، لكن الأخيرة التي تحكم القطاع، رفضت الاتهامات، وأكدت أنها لن تسمح بالمساس بأمن مصر وشعبها، وقالت أنها على علاقة ومسافة واحدة من جميع أهالي مصر.
وأمس نزل معارضو الرئيس مرسي إلى الشارع، للمطالبة بتنحيته وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، في حين نزل مؤيدو الرئيس أيضا للشارع لـ ‘حماية شرعيته’، ويتوقع الكثيرون أن تحدث مصادمات دامية بين الطرفين، خاصة وأن قتلى وقعوا خلال مناوشات وقعت خلال الأيام القليلة الماضية، ويرى المراقبون أن هذه التظاهرات قد تحدد مستقبل مصر في الفترة القادمة.
وعلى اختلاف الطبقات والمستويات، يعلم الجميع في غزة كباقي العرب أن قوة مصر، تعني بالدرجة الأولى قوة للقضية الفلسطينية، وأن ضعف الدولة يضعف كل الملفات والقضايا العربية الأخرى، خاصة ملف فلسطين المحتلة، ولانشغالات مصر الداخلية لوحظ مؤخرا تغييب لدورها بشكل بدا متعمدا من قبل الإدارة الأمريكية التي تتحرك لإحياء عملية التسوية في المنطقة.
وبالعادة تنعكس بصورة كبيرة الأحداث الجارية في مصر على الأوضاع في قطاع غزة، فمع بداية تحضيرات طرفي المعادلة المصرية للتظاهرات، وما واكبه من حملة أمنية للجيش المصري في كافة المدن هناك، خاصة تلك الحدودية مع غزة، تقلصت بشكل كبير كميات البضائع والوقود التي تهرب عبر أنفاق التهريب إلى القطاع المحاصر، حتى بلغ الأمر منذ يومين إلى توقف عمل الأنفاق بشكل كامل عن العمل، ما أدى إلى فقدان العديد من الأصناف والسلع من الأسواق.
ويلجأ السكان في غزة إلى جلب العديد من البضائع مع مصر عبر أنفاق التهريب المقامة أسفل الحدود على شكل ممرات أرضية، في ظل الحصار الإسرائيلي الذي يمنع عبور تلك الأصناف من المعابر الرسمية.