منذ الحرب العالمية الثانية، لم نر وضعاً يهدد السلم العالمي كما نراه الآن في الحرب الروسية على أوكرانيا. فمن خلف ستار تلك الحرب نرى خطر المواجهة العسكرية، بين قوى نووية عظمى، وما يشكل ذلك من كارثة على الإنسانية والحياة على كوكب الأرض.
عندما قرر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إطلاق حملته ضد أوكرانيا، لأسباب يعتبرها وجيهة، لم يكن على ما أظن، قد حسب كل النتائج الممكنة، وأولها توحيد الشعب الأوكراني كله خلف جيشه وقيادته السياسية. مرد ذلك برأيي، هو في طبيعة الأنظمة الديكتاتورية، والتي ينفرد فيها شخص واحد في اتخاذ القرار. في الدول الديمقراطية، هناك هيئات ولجان وخبراء وأشياء كثيرة تسبق القرار السياسي، ذلك في جو من البحث عن المعرفة الدقيقة للمسببات والنتائج المحتملة قبل اتخاذ أي قرار. أما في دولة مثل روسيا، حيث القرار هو في يد شخص واحد، فإن هذه الهيئات المُفترض فيها تشخيص المشاكل وتقديم الاقتراحات، بناء على معرفة دقيقة، تتميز بشيئين هما: أولاً التملق للرئيس، وإعطاؤه المقولات التي تناسب توجهه ورغباته، وثانيهما، عدم الكفاءة بالدور المنوط بها، ذلك لأن التعيينات بهذه اللجان والمناصب العليا، تتم عبر آلية الولاء وليس المقدرة (ونحن متعودون على ذلك في بلادنا). هذا يؤدي إلى ضبابية كاملة أمام الرئيس، والذي يتخذ قراره النهائي دون أي رؤية حقيقية.
من هذا المُنطلق، فإننا نقول إن النظام الاستبدادي، هو خطر حقيقي على شعبه أولاً، قبل أن يكون خطراً على الآخرين. والأمثلة كثيرة من نظام صدام حسين وبشار الأسد إلى عمر البشير ومادورو بفنزويلا والملالي بإيران.
لو أردنا بعد بضعة أيام من صمود الشعب والجيش الأوكراني، تقييم النتائج على المدى المتوسط والبعيد، مهما كانت نتيجة الصراع، انسحابا أو احتلالا روسيا، فإننا نستطيع إعطاءها عنواناً عاماً، هو أن الرئيس بوتين حقق وبسرعة فائقة، كل ما كان يبحث عن إبعاده، أي أنه سيصل على نتائج عكسية تماماً عما كان يأمل.
على المستوى الأوكراني، لم يعد هذا الشعب الصديق للروس، والذي يتقاسم معه الأصول السلافية والثقافة والدين وحتى اللغة، لن يعود صديقاً بعد اليوم. تدمير مدنه وحصارها وقتل أبنائه وتشريد مئات الآلاف، ليس من علامات الصداقة المُتفق عليها. ستقترب أوكرانيا أكثر وأكثر من حُلفائها الغربيين، والمُطالبة بالالتحاق بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، حتى تحمي نفسها من الدب الروسي. صمودها لحد الآن يُبرر لها ذلك، فهذا الصمود، هو أيضاً حماية لأوروبا، سيعترف الأوروبيون بذلك ولن يستطيعوا رفض طلبها. هذا ما سيُقرب حدود الناتو من روسيا بدل إبعادها.
على المستوى الأوروبي، فإن التيارات الاجتماعية والفكرية، التي كانت وراء رفض الصيغة الفيدرالية للاتحاد، هذا عُبر عنه عن طريق رفض الدستور الأوروبي في جميع الاستفتاءات التي حصلت سابقاً، حتى العودة للخلف وبدء الخروج من الاتحاد، كما فعلت بريطانيا عام 2016. هذا التيار سيتراجع، أكبر معبر عنه هو اليمين المتطرف الذي يقاسمه بوتين الفكر. التهديد الوجودي الذي استشعره الأوروبيون، خصوصاً الخطر النووي، يدفع نحو تقوية أواصر الاتحاد، ودفعه باتجاه العسكرة والتسلح، كما رأينا مع القرارات الألمانية الأخيرة، وانضمام كل الدول الأوروبية الخارجة عنه، مثل السويد.
خوف بوتين من العدوى الديمقراطية في بلاده، هو الدافع الرئيسي لسياساته، تحت غطاء الخطر القادم من الغرب. لكن صمود الشعب والجيش الأوكراني، لن يسمح بالنجاح
على مستوى حلف شمال الأطلسي، أي بشكل خاص، التواجد العسكري الأمريكي في أوروبا، إنه لمن المؤكد توسع هذا الحلف نحو دول جديدة، وإعادة الحياة له، بعد فترة سُبات تلت انهيار الاتحاد السوفييتي، والانتهاء المُفترض للحرب الباردة. سنرى أن التيارات الفكرية المُعارضة له أوروبياً، وخصوصاً أمريكياً، لن تصمد بعد عودة الخطر الروسي إلى أوروبا، وما يشمله من تهديد بحرب عالمية ثالثة.
على مستوى جنوب البحر المتوسط والمنطقة العربية، فهناك التواجد الروسي منذ عام 2015 بسوريا، والمسكوت عنه غربياً. فدول الناتو لم تكن تعتبر هذا النزاع ذا بُعد استراتيجي لها، بل فقط إشكالية تكتيكية. عودة الحرب الباردة، وحتى الساخنة، قد تُغير الموقف الغربي ودول حلف شمال الأطلسي، في كل أماكن تواجدهم، بما فيه سوريا وليبيا وبعض الدول الأفريقية.
بالنسبة لإسرائيل، بسبب وجود ملايين المواطنين من أصول روسية، فإن موقعها لن يكون مريحاً، هذا ما يفتح للفلسطينيين، إن استغلوا الفرصة، الإمكانية لتعميق الشرخ الأمريكي الإسرائيلي وقد امتنعت إسرائيل يوم الجمعة الماضي في الأمم المتحدة عن إدانة الهجوم الروسي، وهو ما أثار حفيظة الأمريكيين.
على مستوى الصين، فإن المراهنين على التحالف الروسي الصيني، واهمون، كما كانوا واهمين مع التحالف الروسي الصيني لإنقاذ إيران. الصين لا تنزعج كثيراً من تغيير اتجاهات الاهتمام الأمريكي من جنوب وشرق آسيا إلى أوروبا وروسيا. هذا سيضعها في موقع أكثر راحة، وهي قوة اقتصادية بشكل أساسي، وتبني علاقاتها مع الغرب، على مبدأ التبادل التجاري، وليس على مستوى التحالفات الإيديولوجية. روسيا في هذا المجال الاقتصادي، لا تُشكل وزناً راجحاً، حتى تقوم الصين بالابتعاد عن أمريكا، أو إزعاجها، فأمريكا أكبر مُستهلك في العالم لبضائعها. الميزان التجاري بينهما، هو بشكل كبير لصالح الصين، ما كان السبب الرئيسي للخلاف بينهما زمن الرئيس دونالد ترامب وحالياً. كما أن هذه الأزمة، بحرفها اهتمامات أمريكا والغرب بشكل عام، تُعطي الصين حرية أكبر بالتحكم في منطقتها الجغرافية، خصوصاً مع تايوان وتطوير طرق الحرير، مشروعها الاقتصادي الكبير.
الأهم هو على المستوى الروسي، بوتين لم يكن حقيقة يبحث عن مواجهة أمريكا أو الناتو، بل فقط إبعاد كل توجه ديمقراطي في الدول المجاورة لروسيا، كما فعل في جورجيا وأوكرانيا أيضاً، عندما ضم شبه جزيرة القرم. خوفه من العدوى الديمقراطية في بلاده، هو الدافع الرئيسي لسياساته، تحت غطاء الخطر القادم من الغرب. لكن صمود الشعب والجيش الأوكراني، والدعم الهائل الذي يحصلون عليه من الغرب، لن يسمح بالنجاح هذه المرة، على عكس المرات السابقة. هذا ما سبب في بدء الشعب الروسي بالتعبير الواضح عن رفضه لسياسات بوتين العسكرية. كلما زاد طول الحرب والمقاومة، وتوسع المستنقع الأوكراني، كلما زاد تحرك الشعب الروسي وزاد وعيه بالخطر المُحدق به من هكذا سياسات انفرادية.
أمريكا والغرب كعادتهما، لن يرفعا العقوبات ولن يتوقفا عن دعم أوكرانيا، وإعادة تمركز الناتو وتوسعه في أوروبا، بل سيذهبان أيضاً إلى محاولة تحييد الخطر الروسي، حتى لو انتهت الحرب الأوكرانية لصالح أو ضد بوتين. كما عودتنا السياسات الأمريكية في مناطق أخرى في العالم، فإنها ستدفع نحو تقوية المعارضة الديمقراطية للنظام، ولكن أيضاً للأسف، نحو تقوية التوجهات القومية، والتي ستؤسس لمشاكل داخلية لروسيا، قد تصل إلى حد مطالبة بعض القوميات بالاستقلال، كما رأينا مثلاً بالشيشان، والثمن الباهظ الذي دفعته لذلك. تحييد الخطر الروسي لن يكون مرتبطاً بنوعية النظام السياسي الروسي، هو مثل الخطر المصري على إسرائيل، فهو ليس مرتبطاً بنوعية النظام المصري، بل بطبيعة الخطر المتواجد بشكل عضوي في الطرف الروسي. ستقوم أمريكا، بمحاولة استكمال إنهاء الحرب الباردة، والتي على ما يبدو لم تكن قد انتهت كما ظن الجميع. بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي، لن يكون من المُستبعد أن تستمر في محاولات لتفكيك الاتحاد الروسي. ونحن نعلم أن روسيا تحتوي على 128 جنسية مختلفة، ولكن الروس يشكلون الأغلبية الكبرى، علما أن بوتين تراجع عن معاهدات عديدة مع هذه المناطق وقعت بعيد انهيار الاتحاد السوفييتي، لصالح سلطة مركزية قوية على عكس طموحات هذه القوميات.
النظام السياسي في روسيا، المبني على حكم الفرد ورجال الأعمال الفاسدين، هو في الحقيقة أكبر خطر على روسيا حالياً ومستقبلاً. وليس كما يدعي بوتين الخطر الغربي، والذي كان في طريقه للانحسار والاختفاء، لصالح نزاع جديد مع الصين.
على الدول الغربية أن تتعلم أيضا أن دعم الأنظمة التسلطية كما يفعلون في بلاد عديدة، وكما فعلوا مع بوتين ساكتين عن انتهاكاته المستمرة للدول المجاورة او لحقوق معارضته، هو سيف ذو حدين، وان إحترام حقوق الشعوب بالحرية والديمقراطية لا يجوز أن يضحى به لصالح منافع اقتصادية مؤقتة. بالنسبة لنا، الاختباء خلف الشعارات الفارغة، وتصنيف الناس داخل علب فكرية، كما نرى حالياً في النقاشات الدائرة في دولنا، لن تُفيد شيئاً. علينا رؤية الأشياء كما هي، وليس كما نتمنى.
كاتب فلسطيني
تحليل دقيق و استقراء بعيد المدى.
، فرصة تاريخية لن تتكرر للموقف الفلسطيني للاصطفاف بقوة وبسرعة مع الموقف الغربي وضد روسيا ، فالعبرة هناك في تتبع من الذي اوقف فعلا الحرب الاخيرة على غزة ، وهم التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي الامريكى بزعامة اليهودي ساندرز ، وكذلك ، وهذا مهم حول كيف نريد ان يرانا العالم ، اخلاقيا وقيميا بسبب تشابه مسائل الغزو والاحتياجات العسكرية … ولكن هيهات لمن في يده الامر في غزة ورام الله
شكراً دكتور نزار بدران على هذا المقال الرصين والعلمي والموضوعي. أردت أن أعلق فلم أجد ما أُضيفه على أحسن وأجود ما قرأت لحد الآن من مقالات و”تحليلات” حول الغزو الروسي لأوكرانيا. ما شاء الله سلمت يداك وشكراً على متعة القراءة والفائدة.
استغرب عندما يقوم المثقفين العرب بإطلاق الأوصاف الغربية و الأميركية على قيادة روسيا ، لو غدا امريكا و الأطلسي قالوا ان النظام في روسيا ديموقراطي لقام بعض العرب و قالو نعم انه ديموقراطي و لو قالو استبدادي لقالوا نعم هو كذلك . انا شخصيا اعتبر النظام الامريكي هو الاستبدادي و الديكتاتوري عندما يقوم راس المال بتطوير و ترويض الصحافة و وسائل التواصل الاجتماعي و صنع الراي العام حسب مصالحه فاين الديموقراطية من هذا … عندما يستطيعون تبرير اي حرب في صالحهم و و ترويض الراي العام لصالحها فاين الديموقراطية من ذلك .. و المصيبة انه بعد انتهاء تللك الحرب و تحقيق مصالح راس المال و المجمع العسكري يقومون و بشكل ديموقراطي ايضا بحرق و شيطنة ذاك الرئيس اللذي اتخذ قرار الحرب و بعدها يقومون بصنع رئيس جديد للقيام بحرب جديدة و بطريقة ديموقراطية ايضا. لا اتوقع ان اليونانية القدماء عندما طرحوا فكرة اليموقراطية كانو يقصدون ما يحصل حاليا في العالم الغربي و امريكا.
لا يا سيدي الفاضل، پوتین ليس بالسوء الذي ذكرت، پوتین أنقذ روسيا من الضعف و الفشل بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي السابق في أوائل تسعينيات القرن الماضي، پوتین إستطاع أن يجعل من روسيا دولة كبرى متطورة منافسة للقوى العظمى المتواجدة في العالم.
أعتقد أن الأزمة الاوكرانية هي فخ قد تم نصبه بواسطة أجهزة المخابرات الامريكية السي آي ايه لإيقاع پوتین فیه، و كأن هذا المشهد يذكرنا بمستنقع افغانستان في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
لقد تم إغراء القيادة السياسية في أوكرانيا منذ حوالي سبع سنوات بالانضمام إلى الإتحاد الاوروبي و الناتو و أحلام الرفاهية و الرخاء و الحماية و الاستقرار و المستقبل المشرق..الخ، و قد أدى ذلك بهم إلى نوع من التطرف و العدوانية في التعامل مع الروس حيث أصبحت روسيا و كل ما يمت لها بصلة هو العدو، و الغرب بقيادة امريكا هو الصديق.
للأسف الشديد لقد وقع پوتین فی الفخ الذي نصبه له الامريكان حيث استطاعوا أن يستفزوه بواسطة القيادة السياسية الاوكرانية الجديدة الواهمة بالأحلام الغربية، و لكن في النهاية لا عزاء لمن يقعون في الفخاخ..!!
لا يا سيدي الفاضل، پوتین ليس بالسوء الذي ذكرت، پوتین أنقذ روسيا من الضعف و الفشل بعد إنهيار الإتحاد السوفييتي السابق في أوائل تسعينيات القرن الماضي، پوتین إستطاع أن يجعل من روسيا دولة كبرى متطورة منافسة للقوى العظمى المتواجدة في العالم.
أعتقد أن الأزمة الاوكرانية هي فخ قد تم نصبه بواسطة أجهزة المخابرات الامريكية السي آي ايه لإيقاع پوتین فیه، و كأن هذا المشهد يذكرنا بمستنقع افغانستان في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
لقد تم إغراء القيادة السياسية في أوكرانيا منذ حوالي سبع سنوات بالانضمام إلى الإتحاد الاوروبي و الناتو و أحلام الرفاهية و الرخاء و الحماية و الاستقرار و المستقبل المشرق..الخ، و قد أدى ذلك بهم إلى نوع من التطرف و العدوانية في التعامل مع الروس حيث أصبحت روسيا و كل ما يمت لها بصلة هو العدو، و الغرب بقيادة امريكا هو الصديق.
للأسف الشديد لقد وقع پوتین فی الفخ الذي نصبه له الامريكان حيث استطاعوا أن يستفزوه بواسطة القيادة السياسية الاوكرانية الجديدة الواهمة بالأحلام الغربية، و لكن في النهاية لا عزاء لمن يقعون في الفخاخ..!!
من الأفضل أن الرئيس الأوكراني يقوم بتسليم السلطه للجيش ويسافر الي إسرائيل أو أمريكا كونه يهوديا…
ليكن هذا درس قوي لكل فلسطيني حر غيور على عرضه وارضه ألمانيا كانت مقسمة إلى شطرين مجتمع شرقي واخر غربي وكانت هناك حربا باردة بكل المقاييس لكن ألمانيا توحدت وأصبحت قوة اقتصادية الكل اتحد الا فتح وحماس ألم يحن الوقت للاتحاد من أجل مستقبل أفضل
کل الحروب و الدسائس کانت دائما و ابدا فی مصلحت الیهود و اسرائیل الصهیونیه ، زلنسکی المهرج الیهودی عامل حاله فدائی و مدافع عن الاوکرانیین!؟ لماذا لا یترک اوکرانیا!؟ لماذا یکرر تجربه صدام؟! هل یرید ان یعلقوه فی عید الکرسمس!؟ کما فعل الآمریکان و الناتو علقوا صدام فی عید آلاضحی!؟