قرابة الأربع سنوات والثورة السورية ما زالت تراوح مكانها ما بين مد وجزر في زخمها العسكري وحراكها الثوري، فالحراك السلمي يكاد يختفي من المشهد السوري، إلا من تحركات خجولة تنطلق في بعض المواقع وأكثرها للاحتجاج على أوضاع مأساوية يعيشونها وضد بعض التنظيمات والفصائل التي أصبحت تمارس أدواراً لا تختلف بكثير من مفرداتها عما كانت تمارسه عصابات الأسد التشبيحية والأمنية، أما الحراك المسلح فبات في أجندات مختلفة كلياً عما خرج من أجله الشعب السوري، فهُمشت كتائب الجيش الحر وانزوت جانباً ضعيفة متهالكة أو اضطرت للالتحاق بتنظيمات أخرى وتحت رايات غير رايتها طمعاً بتأمين مستلزمات البقاء.
أربع سنوات ومن تربع على عرش المعارضة السورية كانوا في تعاملهم أقسى من سياسة دولية لم تنصف الشعب السوري حقه.
المعارضة السورية التي تم تجميعها من كافة عواصم العالم فجعتنا بخلافاتها ما بين خارج وداخل، ما بين ديمقراطي وأخواني، ما بين سلفي وعلماني، تقاتلوا على كل شيء واختلفوا على كل شيء، واتفقوا فقط على استغلال الثورة وخذلان الشعب السوري.
قبل أن تكون للثورة قيادة سياسية أو عسكرية، تم تحرير نصف مساحة سوريا من عصابات الأسد وكانت العلاقة ما بين الجيش الحر والحاضنة الشعبية على أفضل ما يرام.
في نهاية العام 2012 ابتدعوا لنا الائتلاف الوطني القادم على أنقاض المجلس الوطني، لا نعرف هوياتهم ولا من أين هم قادمون، وليخرج معهم ما يسمى مؤتمر (أنطاليا) العسكري الذي رعته مجموعة من الدول التي أسمت نفسها زوراً وبهتاناً (أصدقاء الشعب السوري)، فكان كل هؤلاء خنجراً مسموماً في جسم الثورة ولم يحصد الشعب السوري منهم غير خيبات الأمل.
تلك القيادات العسكرية والسياسية، كانت أسوأ مكافأة قدمت للشعب السوري على ثورته التي فاجأت الجميع، فتلاعبت (تلك القيادات) بثورته وهمشت فصائله الحرة وقتلت نازحيه ومهجريه وأفرزت ديكتاتوريات ليست بأفضل ممن خرجت الثورة لتزيلهم.
بجردة حساب بسيطة نسأل: ماذا قدم الائتلاف الوطني للثورة؟
الثورة التي فاجأت البعيد والقريب، وفرضت وجودها على الجميع، أصبحت عالة على الجميع، في مؤسسة الائتلاف أصبحنا في شركة مساهمة، الكل يريد زيادة أسهمه فيها، التناحر على المقاعد، التقاتل على المناصب، محاصصات، تقاسمات، صراعات، فساد سياسي ومالي، رشاوى مالية وشراء أصوات، خدمة أجندات عربية وإقليمية أكثر من وظيفته في خدمة الثورة.
المدة القانونية لرئاسة الائتلاف مدتها ستة أشهر(أصبحت الآن عاما)، نقضى الأشهر الثلاثة الأولى باعتراضات الخاسرين وفضحهم للتجاوزات التي أوصلت هذا الرئيس أو الأمين العام للائتلاف، ومدى الفساد الذي تم باختيار أعضاء الهيئة السياسية، أما الثلاثة أشهر المتبقية فيقضيها أعضاء الائتلاف بإعادة التموضعات والتحزبات والاصطفافات من أجل الانتخابات الجديدة، ولزيادة التخريب وبسط سيطرتهم، عمدوا إلى قتل الجيش الحر وقاموا بتصنيع أمراء حرب تتبع لهم وتزيد من (بروزتهم)، رغم علمهم ويقينهم بهلامية تلك القوى وعدم فاعليتها، همشوا الكوادر الحقيقية من القادة والضباط وأبعدوا الفعاليات العلمية والأكاديمية ورجال السلك الدبلوماسي المنشقين، وحصروا الوظائف بأتباعهم والمحسوبين على تياراتهم وأحزابهم، والخاسر الوحيد هو الشعب السوري.
كل ذلك وحراكنا المسلح يدفع بالشهداء على الأرض رغم معاناته من النقص بالإمدادات ومن تهميش وإقصاء لكل حر أراد القتال وإبعاد لكل عناصر القوة التي يمكن أن تقود الثورة للانتصار.
يحدث ذلك وشعبنا ما بين نازح ومهجر، يبحث عن لقمة عيشه ويفتش عن خيمة تأويه وتحفظ أطفاله المشردين بالعراء … أو تدفعه لأن تتقاذفه أمواج الهجرة في قوارب الموت والتي يأمل منها خلاصاً لهذا الواقع المأساوي الذي وضعتنا به تلك القيادات.
أنشأوا حكومة فزادونا جوعاً … أوجدوا وزارة تربية فتوقف التعليم …استحدثوا وزارة صحة فقتلوا أطفالنا … أقاموا وزارة دفاع فتوقف القتال وخسرنا الجبهات، أما بقية الوزارات فليست بأفضل من سابقاتها، لكن كل تلك الوزارات بكفة ووزارتي الطاقة والثقافة بكفة لوحدها… فغريب أن ننشئ وزارة للطاقة ولا يوجد بئر نفط نسيطر عليه وأن نقدم وزارة ثقافة لشعب يبحث عن طعام في المهجر، والأغرب أن تكون تلك الوزارات في بلاد النزوح ولا يعرف هؤلاء الوزراء ومستشاريهم الفضلاء أسماء مدننا وقرانا وجبهات قتالنا، بل ولا يجرؤون على عبور الحدود التركية باتجاه الداخل. ليست صورة سوداوية أو حالة يأس ما قلناه، لأن يقيننا أن كل تلك الظروف لن تستطيع أن تحرف الثورة عن مسارها لأن خلفها شعب أقسم ألا يعود إلا بما خرج من أجله، فمن رحم الأحزان يولد الأمل، ومن رحم المأساة يتفجر الانتصار.
العميد الركن أحمد رحال