إسطنبول – “القدس العربي”:
يبدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، زيارة تاريخية إلى الإمارات العربية المتحدة لأول مرة منذ سنوات طويلة وصلت فيها العلاقات بين تركيا والإمارات إلى أسوأ مراحلها على الإطلاق وسط خلافات سياسية وأمنية عميقة اتسمت بـ”العداء الشديد” قبل أن يجري احتواء الخلافات على وقع تحولات داخلية وإقليمية ودولية متسارعة سياسياً واقتصادياً وأمنياً ما ساهم في فتح صفحة جديدة في سجل العلاقات بين البلدين.
وساهمت التحديات الاقتصادية الكبيرة التي فرضها انتشار جائحة كورونا وتراجع الدور الأمريكي في المنطقة والتحديات التي فرضتها الإدارة الأمريكية بزعامة جو بايدن على الطرفين، إلى جانب ترتيبات إعادة هيكلة خريطة العلاقات في المنطقة لمرحلة ما بعد الربيع العربي وغيرها الكثير من التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية الداخلية والإقليمية والدولية، ساهمت جميعها في دفع الجانبين نحو العمل على تحييد الخلافات والتركيز على التعاون في ملفات الاتفاق في خطوة اعتبرت بمثابة تغليب للمصالح القومية على التوجهات الشخصية للزعماء والسياسات المبنية على أرضية أيديولوجية.
وفي هذا الإطار، زار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد العاصمة التركية أنقرة نهاية العام الماضي في خطوة غير مسبوقة كللت أشهرا طويلة من مساعي التمهيد لإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين تخللها تبادل الرسائل الإيجابية والتصريحات والاتصالات على المستوى الاستخباري والدبلوماسية المنخفضة قبل أن تجري اتصالات رفيعة المستوى على مستوى وزراء الخارجية ولاحقاً بين أردوغان وبن زايد الذي زار أنقرة، ويستعد لاستقبال أردوغان في أبو ظبي، الاثنين.
وبحسب مصادر رسمية تركية، ستجري زيارة أردوغان إلى الإمارات على مدى يومي الاثنين والثلاثاء وسوف تشمل دبي وأبو ظبي وسيتخللها لقاء بين أردوغان وبن زايد وكبار المسؤولين من البلدين وسيجري خلالها التوقيع على العديد من الاتفاقيات الجديدة بين البلدين كما سيشارك أردوغان في افتتاح اليوم الوطني التركي في قسم تركيا بمعرض إكسبو المقام في دبي وسيلتقي رجال الأعمال من البلدين.
وبداية الشهر الجاري، وفي إطار التحضيرات للزيارة، استقبل وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو السفير الإماراتي الجديد في أنقرة، كما استقبل محمد بن أحمد البواردي وزير الدولة الإماراتي لشؤون الدفاع في مكتبه بوزارة الدفاع، توغاي تونشير سفير تركيا لدى بلاده، وإلى جانب الوفد التركي، حضر اللقاء من الجانب الإماراتي، مطر سالم الظاهري، وكيل وزارة الدفاع، وعدد من كبار ضباط ومسؤولي الوزارة، في إشارة إلى تركيز اللقاء على ملفات تتعلق بالتعاون الدفاعي المتوقع بين البلدين حيث يتوقع أن يتخلل زيارة أردوغان التوقيع على اتفاقيات دفاعية جديدة بين البلدين.
وبعد أن ساد الخطاب العدائي بين البلدين على مدى السنوات الماضية بسبب التشاحن الكبير على خلفية الاختلاف في ملفات دعم ثورات الربيع العربي والحرب الداخلية في ليبيا والتنافس الإقليمي، طغت طوال الأشهر الماضية التصريحات الإيجابية وتراجعت الحرب الإعلامية في وسائل إعلام البلدين وصولاً إلى طغيان التصريحات التي تؤكد على أهمية التعاون المشترك في دعم استقرار المنطقة والتي كان آخرها الإدانات التركية الشديدة لهجمات الحوثيين التي تصاعدت على الإمارات، في مشهد يوضح حجم التحول الذي شهدته علاقات البلدين.
وبحسب وكالة الأناضول الرسمية، سيتخلل زيارة أردوغان إلى الإمارات توقيع 12 اتفاقية تشمل مجالات الاستثمار والدفاع والنقل والصحة والزراعة. ومن المخطط أن يحضر أردوغان وبن زايد مراسم توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين، بعد لقاء ثنائي وآخر على مستوى الوفود.
وتشمل الاتفاقيات مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الاستثمار، وبروتوكول تعاون في مجالي الإعلام والاتصال، وخطاب نوايا بشأن بدء اجتماعات التعاون في الصناعات الدفاعية، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجالات النقل البري والبحري، وبيانا مشتركا حول بدء المفاوضات بخصوص اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال التعاون الزراعي، ومذكرة تفاهم حول التعاون في الصناعة والتقنيات المتقدمة، إلى جانب اتفاقيات تفاهم للتعاون في مجالات الصحة والثقافة والشباب وإدارة الكوارث وغيرها.
ويتوقع أن تكون أهم الاتفاقيات بين البلدين المتعلقة بالنقل التجاري، حيث يسعى البلدان لإنشاء طريق جديد للنقل التجاري البري من تركيا إلى الإمارات مروراً بإيران ليكون بديلاً عن قناة السويس، حيث تشير التقديرات إلى أن ذلك سوف يوفر الكثير من الوقت والتكاليف بالنقل وسيفتح آفاقا تجارية مهمة للبلدين.
وتعول تركيا والإمارات على زيادة معدل التبادل التجاري وتعزيز موقع البلدين في خريطة التجارة الدولية ولخدمة هذا الهدف يمكن لطريق التجارة البري أن يوصل البضائع من تركيا إلى الإمارات مروراً بإيران خلال 8 إلى 10 أيام، وذلك لتوفير الوقت والتكاليف وليكون بديلاً عن طريق النقل البحري عبر قناة السويس والذي يستغرق من 25 إلى 28 يوماً.
والأحد، قال بكر باكدميرلي، وزير الزراعة والغابات التركي، إن نحو 2000 شركة تركية تعمل في قطاع الأغذية داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، وأوضح في مؤتمر لرابطة مصدري منتجات الأغذية التركية في دبي أن الإمارات هي الشريك التجاري الأكبر لتركيا في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، كما “تعتبر حليفاً اقتصادياً موثوقاً، وسوقاً استراتيجية للسلع والمنتجات التركية”.
وفي مقال نشره بصحيفة “الخليج تايمز” الإماراتية بعنوان “حان الوقت لمبادرات السلام والتعاون الإقليمية”، قال أردوغان إن زيارته إلى الإمارات “تظهر الأهمية التي يوليها لعلاقات الصداقة بين البلدين، فضلا عن إتاحتها فرصة الارتقاء بعلاقات التعاون أكثر”، معتبراً أن “زيادة مجالات التعاون بين البلدين ستنعكس إيجابا على المنطقة”، لافتاً إلى أن “جميع دول المنطقة مهمة لتركيا، علاوة على أهمية الإمارات العربية المتحدة باعتبارها أكبر شريك تجاري لتركيا بين دول مجلس التعاون الخليجي”.
ولفت أردوغان إلى أن حجم التجارة غير النفطية بين تركيا والإمارات بلغ قرابة 89.6 مليار دولار خلال العقد الأخير، مضيفاً أن حجم التجارة بين البلدين ارتفع من 7.3 مليارات دولار في 2019 إلى 8.9 مليارات في 2020، بزيادة بلغت 21 بالمئة، وسط هدف رفعه ضعفين خلال السنوات المقبلة، معتبراً أن “تركيا والإمارات تتمتعان بإمكانية التعاون في مناطق مختلفة من العالم لا سيما بما يخص المنطقة القريبة وإفريقيا”، مشدداً على أن “تركيا منفتحة دائما على التعاون البنّاء باعتبارها مركز جذب بفضل موقعها الجيوسياسي وطاقاتها البشرية ومجال فاعليتها وقوة إنتاجها ودورها في إرساء الاستقرار”.
وبينما عبر أردوغان عن ثقته بأن “تركيا والإمارات يمكن أن تساهما بشكل مشترك في السلام والتعاون والازدهار الإقليمي”، شدد على أن “تركيا من الدول النادرة التي تحاول الموازنة بين مصالح سياستها الخارجية والسلام والاستقرار، وأنها تسعى جاهدة لتطبيق هذا المبدأ على جميع الأطراف التي تتعامل معها”، وأضاف: “السعي وراء توحيد المصالح، وتوسيع مجالات التعاون عبر أساس الربح المتبادل، والكفاح المشترك ضد التهديدات، تعد من المبادئ الأساسية لتركيا”.