أزمة جديدة بين بغداد وأربيل بسبب قرار «عدم دستورية» تصدير نفط كردستان

مشرق ريسان
حجم الخط
0

بغداد ـ «القدس العربي»: شكّك سياسيون أكراد وسنّة بتوقيت قرار المحكمة الاتحادية الأخير، القاضي بـ«عدم دستوري» تصدير كردستان العراق، النفط بمعزل عن الحكومة الاتحادية، وفيما كشف برلمان الإقليم عن تواصل مع رئيس الوزراء الاتحادي، مصطفى الكاظمي، لتدارك تداعيات القرار، دعا قادة الشيعة إلى تدقيق جميع التعاقدات النفطية في الإقليم الكردي.
وسبق أن قررت المحكمة الاتحادية العليا «عدم دستورية» تصدير نفط الإقليم بمعزل عن الحكومة الاتحادية، في قضية ظلّت في أروقة القضاء الاتحادي مدّة 10 سنوات، قبل أن تقرر المحكمة فتحها الآن، في ظل تعمّق الأزمة السياسية الخانقة، التي تفاقمت عقب انتخابات أكتوبر/ كانون الأول الماضي.
وألزمت المحكمة أيضاً في قرارها حكومة الإقليم بتمكين وزارة النفط وديوان الرقابة المالية الاتحادي بمتابعة إبرام العقود لبيع النفط والغاز في كردستان.
وكشف نائب رئيس برلمان كردستان العراق، هيمن هورامي، أمس الأربعاء، عن بدء تواصل ممثلي الإقليم في الحكومة الاتحادية مع الكاظمي، من أجل التخفيف من تداعيات قرار المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة الإقليم.

«تدارك الأمر»

وقال للصحافيين، إن «القرار المؤسف الصادر عن قضاة المحكمة الاتحادية غير دستوري» مبيناً أن «ممثلي إقليم كردستان في بغداد على تواصل مع رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، للتخفيف من تداعيات هذا القرار غير الدستوري، وتدارك الأمر».
وأشار إلى أن «هذا القرار، على ما يبدو، مرتبط بالوضع السياسي في العراق لما بعد الانتخابات، لأنه، ومنذ العام 2012 موجود لدى المحكمة الاتحادية، فلماذا وفي هذا التوقيت تحديدا تمت إثارته». وأضاف: «نأمل ألّا يكون قرار المحكمة الاتحادية متعلق بالوضع السياسي الراهن» لافتاً إلى أن «هذا القرار لا يتعلق بحزب سياسي في إقليم كردستان وحسب بل هو مرتبط بمكانة الإقليم الدستورية».
ووفق رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، فإن قرار المحكمة الاتحادية ليس فقط «غير دستوري» وإنما «استند على قانون لزمن النظام السابق».

«غير قابل للتنفيذ»

وقال في بيان: «في الوقت الذي يمر العراق بأوضاع سياسية معقدة، صدر قرار من المحكمة الاتحادية يصف قانون النفط والغاز في إقليم كردستان أنه غير دستوري، ونعتقد أن هذا القرار، الذي استند على قانون لزمن النظام السابق، أهمل أسس الفدرالية والحقوق الدستورية لإقليم كردستان، ولا ينسجم مع روح الدستور والنظام الفدرالي» لافتاً إلى أن «غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع».
وأضاف: «نعتقد أن المحكمة الاتحادية، وبدلا من هذا القرار كان عليها إصدار قرار أن تعالج مشاكل النفط والغاز مع الإقليم حسب الدستور، وأن تكون في صالح جميع الشعب العراقي».
ومضى بالقول: «ننتظر من المحكمة الاتحادية العليا العراقية إعادة النظر في هذا القرار والأخذ بنظر الاعتبار الحقوق الدستورية والنظام الاتحادي لكي لا يكون هناك خرق للحقوق القانونية والدستورية لإقليم كردستان، بالإضافة إلى عدم تعقيد الوضع السياسي أكثر، ويسبب الضرر بمصالح العراق بشكل عام».

«سياسي بحت»

كذلك، عدّ زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، قرار المحكمة، أنه «سياسي بحت».
وذكر، في بيان، أن «قرار المحكمة الاتحادية العليا حول نفط وغاز إقليم كردستان قرار سياسي بحت، بالضد من الدستور العراقي الفيدرالي، والهدف منه معاداة إقليم كردستان والنظام الفيدرالي في العراق».
وأضاف: «نحن نأمل أن تتمكن حكومتا العراق وإقليم كردستان التغلب على العوائق، والاتفاق على ملف النفط والغاز».
وأشار إلى أن، «مع هذا نعلن للجميع أن إقليم كردستان سيدافع بكل ما أوتي من قوة عن حقوقه الدستورية». وسبق أن أصدرت حكومة إقليم كردستان، مساء أول أمس، بياناً بشأن قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية قانون النفط والغاز في حكومة الإقليم.
وقالت الحكومة، في بيانها، إن «إقليم كردستان العراق، ومن منطلق الإيمان بالدستور العراقي الفيدرالي لعام 2005، الذي ينص في المادة 117 على الإقرار بإقليم كردستان، وسلطاته القائمة إقليماً اتحادياً بكافة سلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتوزيع الصلاحيات بين السلطات الاتحادية والأقاليم، وأثبت في الدستور العراقي أن مجال النفط والغاز ليس من الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية حسب المادة 112 من الدستور الذي اعترف بحق إقليم كردستان في استخراج وتطوير قطاع نفط وغاز إقليم كردستان».
وأضافت أن «من رؤية العمل المشترك في هذا المجال حسب ما ورد في المادة 112 من الدستور، فإن إقليم كردستان مضى قدماً من أجل العمل مع الحكومة الاتحادية على إصدار قانون للنفط والغاز، وتمت صياغة المسودة ومصادقتها من قبل الجانبين في شباط /فبراير من عام 2007، وورد في محاضر إعداد المسودة أن الطرفين اتفقا على أنه في حال لم يتم تشريع مشروع القانون في مجلس النواب العراقي بالصيغة التي صادقها الجانبان خلال مدة 6 أشهر فإن الحكومتين مخولتان بتطوير قطاع النفط والغاز».

الأكراد يمتنعون عن تنفيذه ويتواصلون مع الكاظمي لتخفيف تداعياته

وتابعت: «بسبب إجراء تغييرات جوهرية بشكل أحادي من قبل الحكومة الاتحادية على المسودة المشتركة بدون العودة لإقليم كردستان، بنحو أفرغ المشروع من الصلاحيات الدستورية للإقليم، فإن برلمان كردستان واستناداً إلى السلطات الدستورية، أصدر قانون النفط والغاز في الإقليم، وبعد دخول القانون حيز التنفيذ، بدأت كبريات الشركات النفطية العالمية بالاستثمار في هذا القطاع من خلال رؤوس أموال ضخمة، للتنقيب عن النفط وتطوير الحقول النفطية بعد استكشاف النفط».
وأشارت إلى أن «بعد قطع حصة إقليم كردستان من الموازنة في شباط/ فبراير من عام 2014 بقرار فردي من الحكومة الاتحادية، وقبل أن يقوم إقليم كردستان بتصدير النفط إلى الخارج، ونتيجة الأزمة المالية الكبيرة التي تعرض لها إقليم كردستان في أيار /مايو 2014، تم تصدير نفط الإقليم لتوفير الرواتب والخدمات العامة، وفي تلك الأثناء واصل إقليم كردستان التفاوض لاتخاذ الإجراءات الدستورية المشتركة، وأخيراً، اتفق الطرفان في إطار قانون الموازنة المالية الاتحادية لعام 2021، على حق إقليم كردستان في استخراج وتصدير وبيع النفط، وتسليم بيع 250 ألف برميل من نفط الإقليم يومياً إلى الحكومة الاتحادية، وفي الوقت ذاته، كان بين الطرفين تفاهمات مشتركة لإعداد مشروع قانون النفط والغاز الاتحادي بالاستناد إلى المادة 112 من الدستور، وهذا دليل، على حقيقة، أن إقليم كردستان يؤمن بالعمل المشترك في إطار الدستور مع الحكومة الاتحادية، لوضع استراتيجيات النفط والغاز في أنحاء العراق كافة».
وبينت أن «في الوقت الذي كان على الجميع دعم الأجواء الإيجابية السائدة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، قراراً بدون الأخذ بنظر الاعتبار المبادئ الدستورية وبالاستناد إلى القوانين المركزية الصادرة عن نظام البعث السابق والتي تتعارض مع القيم الاتحادية، ومهام السلطات الفيدرالية بحل القوانين المركزية بعد عام 2005 تحت مسمى قانون وزارة النفط رقم 101 لعام 1976، وإلى جانب العديد من المخالفات القانونية والسياقات القضائية التي شابت قرار المحكمة الاتحادية مثل توحيد دعويين مختلفتين بدون وجود أساس قانوني، فإن هذا القرار من شأنه تعقيد المسألة وعدم معالجة الخلافات».

«غير عادل»

وأكدت حكومة الإقليم الكردي أن «هذا القرار غير عادل وغير دستوري ويتعارض مع الحقوق والسلطات الدستورية لإقليم كردستان وغير مقبول، وكان حرياً بالمحكمة إجراء تحقيقات أكثر توسعاً والأخذ بنظر الاعتبار مطالبات إقليم كردستان».
وشددت على أنها «لن تتنازل عن حقوق الإقليم المُثبتة في الدستور العراقي، ومن هذا المنطلق، فإن حكومة الإقليم ستواصل مساعيها مع الحكومة الاتحادية للتوصل إلى معالجة دستورية جذرية لهذا الملف، على الرغم من أن حكومة إقليم كردستان طلبت وحاولت تأجيل هذه الدعوى وإعطاء فرصة أمام اتفاق حكومة إقليم كردستان مع الحكومة الاتحادية المقبلة».
وأعلنت أيضاً اتخاذها «كل الإجراءات الدستورية والقانونية والقضائية للدفاع عن جميع العقود المبرمة في مجال النفط والغاز».
وضمن ردود الفعل السياسية بشأن القرار القضائي، اعتبر تحالف «السيادة» السنّي، أن قرار المحكمة الاتحادية جاء في توقيتات حرجة تعقد حل الأزمات وتدفع لاحتمالات مجهولة.
وجاء في بيان صادر عن التحالف أمس، أنه «تابع تفاصيل وآثار قرار المحكمة الاتحادية الخاص بالفصل في قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان الصادر عام 2007».
وأضاف: «لا شك أن تأخر المحكمة الاتحادية في البت بقضايا جوهرية أو حسم بعض القرارات في توقيتات حرجة على الصعيد الوطني من شأنه تعقيد الجهود المخلصة نحو حل الأزمات والدفع بالبلاد إلى احتمالات مجهولة».
ودعا التحالف، كلا من الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق إلى «البدء بمفاوضات مباشرة من أجل حل هذا الإشكال وضمن توقيتات زمنية محددة».
وجدد دعوته، لمجلس النواب، إلى «الإسراع بتشريع قانون النفط والغاز بما يتلاءم مع نصوص الدستور ومصلحة الشعب».

قرار «شجاع»

لكن في مقابل ذلك، وصفت النائبة عن ائتلاف «دولة القانون» عالية نصيف، قرار المحكمة، بـ«الشجاع» كونه «أعاد الحق إلى نصابه الصحيح» حسب تعبيرها.
وقالت في بيان، «لطالما أكدنا مرارا وتكرارا أن حكومة الإقليم تتصرف بثروات العراق كيفما تشاء وعائدات النفط والغاز تختفي دون أن يستفيد منها المواطنون سواء داخل الإقليم أو في بقية المحافظات، وكل من يتجرأ ويعترض على الفساد في ملف نفط وغاز الإقليم يتهمونه أنه شوفيني ويحارب المواطنين في أرزاقهم، في حين أرزاقهم منهوبة من قبل مافيات الفساد».
وبينت أن «هذا القرار الشجاع سيمكن وزارة النفط الاتحادية من وضع يدها على ملف نفط الإقليم ومراجعة وتدقيق كافة التعاقدات السابقة» داعية وزارة النفط الاتحادية إلى «متابعة تنفيذ كافة الإجراءات القانونية المترتبة على هذا القرار التاريخي».
في حين، وصف الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، القرار أنه «أهم قرار» اتخذته المحكمة.
وذكر في «تدوينة» أن «قرار المحكمة الاتحادية الأخير بخصوص عدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان رقم 25 لسنة 2007، هو أهم قرار اتخذته هذه المحكمة الموقرة منذ تأسيسها».
وعلل ذلك قائلاً: «لأنه لم يكن قرارا لحسم مشكلة بين قوى سياسية على حساب أخرى، وإنما كان قرارا لمصلحة بقاء العراق كدولة موحدة، ولمصلحة الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه، ولأنه ينسجم مع الدستور العراقي الذي نص على أن النفط والغاز ملك للشعب العراقي».
في السياق ذاته، دعت كتلة «الجيل الجديد» في مجلس النواب العراقي، إلى مراقبة ملف النفط في عموم العراق، متهمة الحزبين الكرديين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق بـ«تهميش» مؤسسات الإٌقليم.
وقالت الكتلة الكردية المعارضة، في بيان صحافي، إنها ترى «من الضروري جدًّا أن يكون هذا القانون وما يتعلق بمستقبل هذا الملف أن يصبَّ في مصلحة الشفافية وخدمة المواطنين، وأن تُكشف جميع ملفات عقود النفط والغاز في الإقليم والعراق عمومًا، وأن لا يبقى أي ملف بشكل سري، حتى إن استدعى الأمر مراجعة هذه الملفات بصيغة تصبُّ في مصلحة جميع المواطنين في كردستان والعراق وليس لمصلحة مجموعة ما أو حزب أو شركات حزبية، وعدم السماح بأن تكون نسبة قليلة منها للمواطنين».
وأضافت، أن «من الضروري جدًّا أن يكون ملف النفط في عموم العراق شفافًا، وأن تكون هناك جهة رقابية عليه، بحيث يجعل واردات النفط والغاز في خدمة المواطنين، وأن تكون هذه الواردات واضحة ومكشوفة، وأن لا تذهب إلى خدمة الأحزاب أو الشركات الحزبية».
ودعت الكتلة، حكومة الإقليم إلى «العمل على معالجة المشاكل المُتراكمة مع الحكومة الاتحادية؛ لأنَّ تراكم هذه المشاكل أكثر سيمهد الطريق أمام المحكمة الاتحادية وأطراف أخرى لمحاسبة حكومة الإقليم».
وختم البيان: «يجب أن نعلم جيدًا أنَّ الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني حينما يهمِّشان مؤسسات إقليم كردستان ويجعلانها من دون أي قيمة ويصدَّانِ عن الاستماع لصوت المعارضة والخبراء، فحينئذٍ سيظلَّان وحيدينِ حينما يواجهان أو يتعرَّضان لأي مشكلة، وعليه لن يدافع أي طرف عن قراراتهما سواء من قبل المواطنين أو المعارضة أو الخبراء».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية