أزمة مباراة كرة القدم والغرب الذي يأكل أصنامه

كلما حاولتم القيام بعمل مفيد في هذه المنطقة، تظهر بعض الجهات فجأة لتسعى إلى إفساد ذلك العمل. وتعد العلاقات التركية – العربية من أفضل الأمثلة على ذلك. ففي كل مرة تحاول فيها تركيا التقرب من الدول العربية، تواجه شريحة صغيرة من داخلها تعارض ذلك على الفور، إما باسم القومية أو العلمانية، ومن ثم تدخل المؤامرات وموجات التحريض في هذا الصدد حيز التنفيذ. ومهما قالت الدول العربية إنها تتحلى بالطابع العلماني أو الغربي، لا يمكن أن تغير هذه الشريحة نظرتها تجاه العالم العربي، التي تزعم أنه «عالم صحراوي» ويجب تجنبه بجميع الأشكال.
هناك مشهد مماثل أيضاً في بعض الدول العربية؛ فعلى سبيل المثال، عندما تبدأ أي دولة عربية في التقرب من تركيا، يمكنكم أن تروا ردود فعل مشابهة لدى أقلية صغيرة في تلك الدولة أيضا، حيث يهرع بعض الأشخاص لانتقاد الأتراك ويسعون إلى تقويض التقارب التركي – العربي من خلال الاستشهاد ببعض الأحداث الملفقة من التاريخ، سواء باسم القومية العربية أو العلمانية، وتصاعدت هذه الأصوات منذ بداية ضعف الدولة العثمانية ولا تزال مستمرة حتى اليوم. ورغم صغر هذه الشرائح، إلا أن أصواتها كانت دائما عالية بفضل الدعم الإعلامي الذي تتلقاه من الغرب.

بينما تواصل المقاومة التاريخية في غزة إيقاظ شعوب المنطقة والعالم، فمن الواضح أن إسرائيل وأمريكا ستمارسان العديد من الحيل لمنع هذه الصحوة

لا شك في أن أزمة المباراة الأخيرة في المملكة العربية السعودية اشتعلت لسبب مشابه. رأينا أن هناك حملة انطلقت قبل فترة وجيزة من المباراة لاتهام السعودية بعدم السماح بترديد النشيد الوطني التركي، ومنع وضع كلمات أتاتورك على اللافتات في الملعب. واتضح في ما بعد أن القصة الحقيقية كانت مختلفة تماما. ونشر الحساب الرسمي لفعاليات «موسم الرياض»، تدوينة عبر منصة «إكس» حول مباراة السوبر التركي لكرة القدم بين فريقي فنربخشة وغالاطة سراي، التي كان من المقرر إقامتها على ملعب الأول بارك، أكد فيها على الاعتزاز «بالعلاقة الوثيقة مع الجمهورية التركية الشقيقة في مختلف المجالات، ومن بينها المجال الرياضي»، مشيرا إلى أن المباراة لم تجر بسبب عدد التزام الفريقين بما تم الاتفاق عليه سابقا. لقد ظهرت مؤامرات مماثلة في السنوات السابقة، ليس فقط في تركيا، بل أيضا في العالم العربي والعالم الإسلامي وافريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وتسببت موجات التحريض التي مارستها بعض البؤر الاستفزازية بإشعال العداوة بين شباب دول المنطقة، لدرجة أنها دفعتهم إلى الاقتتال، ثم وقف العملاء المحرضون جانبا ليستمتعوا مسرورين بمشاهدة إراقة الدماء بين أبناء المنطقة. ولكن هناك حقيقة لا تراها تلك الشرائح في يومنا الحالي، وهي أن مؤامراتها وأساليبها القديمة أصبحت مكشوفة، ولم تعد تنجح في المنطقة، ورغم ذلك تصر على ممارستها. كان الهدف الأساسي لهذه الشرائح المثيرة للفتن هو منع تصاعد الدعم الكبير لقطاع غزة في العالم، وعرقلة مساعي الدول لاتخاذ خطوات في هذا الشأن. وفي تعليقه على أزمة المباراة، قال سيفان نيشانيان، أحد الكتاب المعروفين في تركيا: «هل تعتقدون أن أزمة المباراة في السعودية هي مجرد أزمة قمصان بسيطة فحسب؟ كان الهدف هو جعل تركيا أكثر عداءً للعالم العربي، وتقريبها من إسرائيل والغرب، وجعل تركيا تنسى غزة، وقد ذهبوا إلى المباراة عمداً لخلق هذه الأزمة. إذا اندلعت حرب بين الدول العربية وإسرائيل في المستقبل، فإن دور تركيا سيكون حيوياً بالنسبة للدول الغربية». وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريحات حول الأزمة: «نحن على علم بمحاولات قطع روابط بلادنا عن منطقتها وشركائها في المنطقة والدول الشقيقة التي تربطها بها علاقات تاريخية ودينية وإنسانية واقتصادية وتجارية قوية للغاية، من خلال مختلف الاستفزازات والخطابات الخبيثة. لقد تم تنفيذ حملة مرتبطة بالخارج لتقويض السياحة خلال أشهر الصيف، وهي أحد أهم عناصر الدخل في بلادنا، والآن نرى أنه تجري محاولة خلق موجة مماثلة، هذه المرة من خلال الرياضة بدعم من أحزاب المعارضة، حيث يتم استهداف الأشخاص والمجتمعات والمعتقدات والبلدان بخطاب الكراهية، وهو ما لن نوافق عليه أبدا أن يتعرض الناس للاحتقار والإذلال والإهانة فقط بسبب أصلهم. إننا نواجه اتجاها يصل إلى حد العداء للإسلام وكراهية الأجانب. ومع الأسف تعمل الجهات الفاعلة المعارضة كرموز طوعية لسياسة الكراهية القذرة والرديئة والخطيرة للغاية من أجل تصدر المشهد. ليس من قبيل الصدفة أن تستهدف موجة الكراهية هذه الدول الشقيقة التي استثمرت في تركيا، ووقفت إلى جانبنا في الأوقات الصعبة، بما في ذلك كارثة الزلزال، وهي من أهم الشركاء التجاريين لبلادنا، توجد هنا عملية ماكرة ومحاولة تخريبية واضحة للغاية ضد تركيا ومصالح تركيا. وكما دمرنا السيناريوهات القذرة السابقة سوف نحبط هذه المؤامرة بالتأكيد إن شاء الله». بدوره قال نائب وزير الداخلية التركي بولنت توران: «أولاً مباراة كرة قدم/ أجندة المملكة العربية السعودية، ثم حادثة «علم الخلافة»، ثم احتجاج ضريح أتاتورك… يجري الآن الإعداد لواحدة من تلك العمليات المألوفة جدا، التي توجد العشرات من الأمثلة عليها في تاريخنا الحديث، والتي جعلت هذا البلد الجميل يدفع ثمنا باهظا. هذه السيناريوهات البالية لن تسفر عن نتائج بعد الآن. إن حكمة وتجارب شعبنا العزيز سوف تفسد هذه المؤامرات الرخيصة».
خلاصة الكلام؛ بينما تواصل المقاومة التاريخية في غزة إيقاظ شعوب هذه المنطقة والعالم، فمن الواضح أن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ستمارسان العديد من الحيل لمنع هذه الصحوة. وكما أفسدت غزة أكاذيب وأساطير إسرائيل المحتلة، فإن واجب شعوب هذه المنطقة هو دحض وإفساد أكاذيب الولايات المتحدة والغرب. انظروا كيف أجبروا كلودين جاي رئيسة جامعة هارفارد، على الاستقالة فقط لأنها لم تمنع المظاهرات الطلابية الداعمة والمؤيدة لفلسطين، ثم عيّنوا مكانها الصهيوني المتطرف آلان جاربر. كانت الحرية الأكاديمية مقدسة في جامعة هارفارد، لكنهم قضوا عليها بهذه الخطوة. باختصار؛ مثلما أكل العرب في العصر الجاهلي الأصنام التي صنعوها من الحلوى عندما يجوعون، فإن الغرب اليوم يأكل الأصنام التي صنعها من الحلوى، كالديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون والحرية، بطريقة وحشية وهمجية.
كاتب تركي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية