أسطورة الكتل

حجم الخط
0

يوفر موسم الاعياد فرصا للفحص بشكل نقدي الاساطير وقصص الأولين. فهل حقا اجتزنا البحر الاحمر، أم أنه حتى في الايام الاوائل كانت سنوات من الجفاف جفت فيها الجداول؟ فلو كنا قاتلنا حقا كأقلية بلا سلاح في مواجهة كثرة منظمة في 1948 فلماذا تبدو الدبابة السورية التي علقت في دغانيا كالسيارة الصغيرة المستعملة؟
تميل النفس البشرية الى الاساطير. وعليه، فبعد ان نتخلص من قصص الماضي نسارع الى تنمية أساطير جديدة. مثال جيد على اسطورة حديثة هي اسطورة الكتل الكتل الاستيطانية، بالطبع. لمعظم الجمهور، الذي كانت آخر مرة اجتاز فيها مختارا الخط الاخضر كانت في الرحلة السنوية للصف الثاني عشر، سهل الحديث عن الكتل الاستيطانية اليهودية المكتظة، الملحوظة جيدا، القريبة من الحدود الدولية، المريحة للضم.
من يتجول في الضفة الغربية على أساس دائم يصطدم بواقع مختلف جوهريا. الدرتان اللتان في تاج الكتل معاليه ادوميم وأريئيل بعيدتان نحو 10كم (في حالة معاليه ادوميم) واكثر من 20كم (في حالة اريئيل) عن شاطيء أمان الخط الاخضر.
طرق سريعة وواسعة تربط على نحو لا بأس به البلدات العربية التي على الطريق، ولكن من ينظر جانبا من طريق رقم 5 يصطدم بالمعزوفات، ومن ينظر الى الرصيف من طريق رقم 1 يرى جدار الفصل.
خلف الجدران والمعزوفات يعيش مئات الاف الفلسطينيين. ضم نحو 50 الف مستوطن كعدد السكان الذين يسكنون في معاليه ادوميم وفي اريئيل يجعل حاجة الى الضم الى دولة اسرائيل نحو 300 الف فلسطيني آخر ممن يسكنون في الاحياء الاقل سياحية من شرقي القدس وسلسلة طويلة من القرى في غربي السامرة.
كل محاولة لضم المدينتين اليهوديتين دون أن تضم ايضا البلدات العربية التي على الطريق ستجعل طريق رقم 1 وطريق رقم 5 صيغة متجددة من محور فيلادلفيا، وسيجعل المقيم في اريئيل الذي يسافر للعمل في تل أبيب يضطر الى التحرك في قافلة مدرعة. والمقيم في معاليه ادوميم الذي يسافر الى قضاء الوقت في القدس أن يضطر الى الصلاة الا تصعد سيارته على عبوة.
البديل، الذي هو ضم 300 ألف فلسطيني، يضيف على الفور مئات الاف الاسماء الى قائمة متلقي مخصصات التأمين الوطني، قائمة المستحقين للسكن العام في وزارة الاسكان وقائمة المنتظرين لتقويم الاسنان في صناديق المرضى.
بالطبع، الضم الواسع لسكان فقراء لن يمس بنا فقط اقتصاديا بل وأيضا يقربنا خطوة اخرى نحو رؤيا الدولة ثنائية القومية، مثلما يمكن أن نفهم هذه الايام من مثال اوكرانيا.
ان محادثات السلام بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية هي قصة باعثة على التثاؤب، مسلسل من الازمات المصطنعة واستعراض العضلات عديم المعنى (وكأن تحرير بضع عشرات من السجناء يغير الصورة في شيء وكأن ثمة فارق جوهري بين فلسطيني ولد في نابلس وفلسطيني ولد في شرقي القدس.)
من جهة اخرى، مثلما في قصيدة ايهود بناي، ‘كيف ينتهي هذا في النهاية؟ الكل يعرف’ بان اسرائيل لا يمكنها ان تبتلع مئات الاف الفلسطينيين. حتى لو كان هؤلاء تواقين للحصول على جواز سفر اسرائيلي (وهم غير تواقين) فاننا لا نريد أن نعطيهم اياه.
لقد تعلمنا من التاريخ بان الدولة ثنائية القومية هي وصفة للشلل في افضل الاحوال حين يدور الحديث عن شعوب مؤدبة مثل البالميين والهولونيين في بلجيكيا ووصفة للانفجار في الحالة الاكثر جودة، حين يكون الامر يتعلق بقوميات ساخنة المزاج مثل الاتراك واليونانيين في قبرص. لشدة الاسف، نحن ننتمي بشكل واضح الى الحالية الثانية.
خسارة أننا نواصل الايمان باسطورة الكتل ونرفض الفهم بانه بعد أن ينتهي شد الحبل والطلقات ستبقى من المشروع الاستيطاني الضخم في السيناريو الاكثر تفاؤلا بضعة أحياء في اورانيت والكنا وتلال منعزل في غوش عصيون.

‘ بروفيسور في الاعلام في جامعة اريئيل
معاريف/الموقع 28/4/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية