أسطورة غزة ستقهر الغزاة

حجم الخط
0

لا شك في أن الأهالي والسكان المدنيين في غزة يسجلون صموداً أسطورياً بعد أربعة أشهر من أعنف حرب يشنها الإسرائيليون في تاريخهم، ولا شك في أن حسابات دوائر صنع القرار في إسرائيل والدول الحليفة لتل أبيب، لم تكن تتوقع مثل هذا الصمود والجَلَد، الذي أفشل بكل تأكيد الكثير من الأهداف الإسرائيلية، وفي مقدمتها التهجير الذي كان يريد الاحتلال تنفيذه في القطاع.
الأهداف المعلنة التي وضعتها إسرائيل لهذه الحرب قبل أربعة شهور، لم يتحقق منها شيء، ولم ينجح الاحتلال في الوصول إلى أي مما يريد في غزة، ولا يبدو أن الإسرائيليين يستطيعون المضي طويلاً في هذه الحرب، خاصة مع التحول الكبير في الموقف الأمريكي، الذي أصبح واضحاً بأنه ضد سيناريو الحرب الطويلة، وباتت واشنطن تضغط من أجل تطويق التدهور في المنطقة ومنع نشوب حرب إقليمية شاملة قد تؤدي الى تغييرات استراتيجية ليست في مصلحة الأمريكيين، ولا الإسرائيليين ولا حلفائهم.

الفلسطينيون لا يُمكن أن يقبلوا بأن يتم الإملاء عليهم من الخارج، ولن يقبلوا بعملية تهجير جديدة، ولا بأي تغيير في غزة يلبي مطالب الاحتلال ويحقق له طموحاته

وبعد أربعة شهور من الحرب على غزة، اتضحت صورة السياسة التي استخدمها الإسرائيليون خلال الحرب بشكل ليس فيه أي شك، وهذه السياسة قامت على تعمد استهداف المدنيين والنساء والأطفال والمدارس والمستشفيات، واستخدموا التجويع كسياسة ممنهجة وسلاح في هذه الحرب، بل إن هذه الحرب سجلت رقماً قياسياً تاريخياً في أعداد ضحاياها من النساء والأطفال، إذ لم يسبق أن شهد البشرُ من قبل حرباً أكثر من ثلثي ضحاياها هم من النساء والأطفال، بينما الثلث الثالث أغلبهم من المدنيين غير المقاتلين، الذين لا علاقة لهم بالصراع! هذا الاستهداف الإسرائيلي لكل ما هو مدني وآمن، بما في ذلك المخيمات والمدارس والمستشفيات والمساجد وسيارات الإسعاف، ليس له إلا تفسير واحد، وهو أن الإسرائيليين لجأوا إلى سياسة «العقاب الجماعي»، وأرادوا تحويل قطاع غزة إلى جحيم، على أمل أن ينفجر القطاع في وجه حركة حماس، ولذلك حاول الاحتلال ويحاول منذ اليوم الأول للحرب نشر فكرة واحدة وهي، أن ما يجري في غزة هو نتيجة لما فعلته حركة حماس وليس نتيجة لعدوان الاحتلال، وبين الحين والآخر كانوا يلقون المنشورات التي توهم السكان بأن خلاصهم من هذا الجحيم، يمكن أن يتم بإفشاء مكان يحيى السنوار (قائد حماس في غزة) وتسليمه، ومن ثم ينتهي كل شيء. وفي مرحلة من مراحل الحرب عمد الإسرائيليون إلى جمع أعداد من الرجال والشباب المدنيين، وتعريتهم وإيهام الناس بأن هؤلاء هم مقاتلو حركة حماس، وأنهم استسلموا ورفعوا راياتهم البيضاء، ليتبين سريعاً بأن تلك المشاهد لم تكن سوى تمثيلية، وأن من ظهروا فيها هم «الغلابة» من المدنيين، الذين كانوا في المدارس والمخيمات ومراكز الإيواء، واختفى الحديثُ عنهم مع فشل المحاولة الإسرائيلية للعمل على تفتيت صفوف المقاتلين من الداخل، أو تأليب الناس ضدهم أو دفع الغزيين للانتفاض عليهم. والحقيقة أن كل ما كان يرمي له الإسرائيليون من هذه الحرب فشل فشلاً ذريعاً، كما أنَّ أربعة شهور من نزيف الدم المتواصل والمجازر اليومية البشعة لم تدفع رجلاً واحداً في غزة إلى تقديم أية معلومات عن حماس، أو قادتها لإسرائيل، فضلاً عن أن جيش الاحتلال لم ينجح في شق صفوف المقاتلين، بل ما نراه يؤكد أنهم ازدادوا إصراراً على الصمود والقتال، كما لم ينجح الإسرائيليون في استرداد ولو رهينة واحدة من الذين ذهبوا لاستعادتهم.
ما يفعله الإسرائيليون في غزة فعلوه في لبنان سنة 1982، وآنذاك مسحوا بيروت بأكملها وارتكبوا فيها من المجازر ما لم يرتكبه آخرون في أي مكان آخر، وعلى الرغم من أنهم نجحوا حينها في إبعاد منظمة التحرير والمقاتلين الفلسطينيين من لبنان، لكنهم لم ينجحوا مطلقاً في القضاء على المنظمة، ولا في القضاء على المقاومة، بدليل أن الانتفاضة الفلسطينية الأولى اندلعت في عام 1987، وبعدها بسنوات قليلة اضطر الإسرائيليون للاعتراف بمنظمة التحرير، التي فشلوا في تصفيتها والقضاء عليها. في غزة صمد الفلسطينيون على الرغم من الجوع والعطش والبرد ونزيف الدم المستمر والمجازر الوحشية التي لا يستوعبها العقل ولا المنطق، وأفشلوا بالفعل المشروع الإسرائيلي، وهذا دليل على أنه من المؤكد أن الفلسطينيين لا يُمكن أن يقبلوا بأن يتم الإملاء عليهم من الخارج، ولا يُمكن أن يقبلوا بعملية تهجير جديدة، ولا بأي تغيير في غزة يلبي مطالب الاحتلال ويحقق له طموحاته.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية