رواية «أشياء تتداعى» في سطور
تبتدئ رواية «أشياء تتداعى» للكاتب شينوا أتشيبي بالإشادة بإحراز «أوكونكو» شهرة واسعة بتغلبه على الملقب «الهر أمالينز». بعدها، يستحضر أوكونكو مراحل من حياة أبيه وبعض خصاله، إذ اتسم بالجبن وكثرة الاستدانة وحب الترحال، بخلاف أوكونكو، الذي حظي بسمعة محترمة باعتباره أعظم مصارع في القرى التسع، لذلك، تم اختياره للاعتناء بالصبي «إيكيميفونا» بعد واقعة قتل «مباينو» لفتاة من «أوموففيا». كانت تقاليد العشيرة تقضي بالاختيار بين الحرب، أو تقديم صبي وعذراء، وتم الاختيار الثاني.
يجيء إيكيميفونا ويتأقلم مع مُجمع أوكونكو ويصير واحدا من أبنائه، ويحل «أسبوع السلام»، يخرقه أوكونكو بضرب زوجته وتعنيف أبنائه، يهجم الجراد على أومووفيا، ويُرسَل إيكيميفونا مع مجموعة من الرجال، يُقتل، تمرض ابنته إيزينما بالحمى. بعدها، تعرض الرواية بعض المعتقدات الخاصة بتلك العشائر، وظهور الأرواح التسع، وطرقها في تسوية الخلافات. وفي هذا السياق، تذهب الكاهنة «تشيلو» بابنة أوكونكو إلى الكهف، لتعود بها بعد ذلك إلى المجمع. ينخرط الجميع في الغناء والرقص احتفاء بـ«أوري»، يعلن المنادي أن المحارب العظيم «إيزيودو» قد مات، ولأن طقوس الدفن في العشيرة كانت لها خصوصيتها، فقد أُطلقت البنادق وقرعت الطبول، فنجم عن ذلك موت ابن الفقيد، إثر انفجار بندقية أوكونكو، وهو ما أدى إلى نفي هذا الأخير إلى عشيرة «مباتنا»، حيث أهل أمه، مع ما رافق ذلك من تهديم كوخه وقتل حيواناته، وتدمير مخزن غلاله لتحقيق عدالة ربة الأرض. استقبل أوكونكو هناك استقبالا حارا، لكن اليأس وهوس الرجوع إلى عشيرته ظلا يلازمانه، وبعد زيارة صديقه «أوبيريكا» يخبره أن عشيرة «أبامي» تم محوها من طرف الرجال البيض، وهو الشيء الذي استدعى من الوحي تحذيرهم من أن البيض سيدمرون باقي العشائر.
وصل المبشرون إلى أومووفيا وشرعوا في بناء كنيسة، وسرعان ما انزعج زعماء العشيرة من ذلك. أحدث الدين الجديد اضطرابا في «مباتنا»، ووصفت كاهنة أجبالا الإيمان الجديد بالكلب المسعور. اكتسب المبشرون أتباعا جدد، واستمروا في عملية التبشير بالإنجيل، وتمت دعوة سكان» مباتنا» لعبادة الرب الحقيقي، بدل تلك الأوثان والآلهة المزيفة التي يعبدونها. عقدت اجتماعات، وتقرر نبذ المسيحيين وطردهم، لكن موت «أوكوكي» أبطأ ذلك. اقترب انتهاء السبع سنين على نفي أوكونكو، استعد للعودة، استشاط غضبا بعدما علم أن ابنه «نووي» قد التحق بالدين الجديد، لكن ما زاد الطين بلة، إقدام البيض على بناء محكمة ومقاضاة أهل مباتنا. كان يقدم تلك العملية مجموعة من السعاة الذين دعوا بـ«الكوتما» أو «عجيزة العبيد» بتعبير عشيرة مباتنا، وكان يرأسهم مفوض الشرطة. وتبعا لذلك، تداعت العشيرة، بفعل تغلغل الرجل الأبيض، وهو ما عبرت عنه عبارات كثيرة في الرواية.
شمل التداعي الأهل والعادات والتقاليد، لينتهي بمحاولات إحلال الدين الجديد محل دين العشائر التسع، ولم يعد لعودة أوكونكو من المنفى أي تأثير، خاصة بعد انصراف الناس إلى الدين والمؤسسات الجديدة التي تم إحداثها.
ازدادت الأوضاع تأزما، لاسيما بعد توجه الأرواح الهائجة «الإيجوو جو» إلى الكنيسة وتهديمها، علاوة على اعتقال الرجال الستة، وكان من بينهم أوكونكو الذي لم يستسغ تعامل مفوض الشرطة ورجاله. أُطلق سراح الرجال، لكن أوكونكو توعد بالانتقام من الرجل الأبيض، فقطع رأس رئيس السعاة. وصل مفوض الشرطة، قاده أوبيريكا إلى الشجرة، حيث كان جسد أوكونكو يتدلى منها، وقد استدعي الرجال البيض لحمله ودفنه، بدلا منهم تطبيقا لتقاليد العشيرة. وقد صورت الرواية في مقطع أخير دال، أن مفوض الشرطة، يعتزم بعد إحلال الحضارة في أنحاء مختلفة من افريقيا كتابة كتاب عن أوكونكو، وقد اختار له عنوان «تهدئة القبال البدائية في حوض النيجر السفلي».
«أشياء تتداعى» من الترغيب إلى الترهيب وبداية التداعي
بداية التداعي
شكل ظهور الرجل الأبيض في عشيرة «أباما» الحدث الأبرز الذي سرعان ما سيخلخل مسار الرواية، التي لم تعد تستحضر أمجاد أوكونكو حتى بعد عودته من المنفى الإجباري، بعد خطئه الجسيم. يقول السارد على لسان أوبيريكا: «في موسم الزرع الماضي، ظهر رجل أبيض في عشيرتهم». ونظرا لسلطة المعتقد الديني في العشيرة، وبعد تشاور مع الوحي، تم التنبؤ بأن الأبيض مبعث قلق. وبالتالي، تم قتله وتقييد «حصانه الحديدي» إلى شجرتهم خوفا من هربه لاستدعاء أصدقائه. إن تنبؤ الوحي بما قد يقدم عليه الرجال البيض، سيجد تفسيره في مستقبل الرواية، إذ بعد حصول المبشرين على قطعة أرضية بنوا كنيسة ومحكمة. وبالتالي، كان الرجل الأبيض المقتول بمثابة رسول أول لـ«استطلاع» العشيرة في أفق التغلغل فيها تمهيدا للتداعي، الذي يعني في سياقنا التصدع والضعف والانهيار. ولعل ذلك ما يبرزه قول أوبيريكا صديق أوكونكو: «نسيت أن أخبركم عن أمر قاله الوحي. قال إن رجالا بيضا آخرين، كانوا في الطريق إليهم. وأن الرجل الأول كان رسولهم المؤقت لاستطلاع المنطقة. وهكذا قتلوه».
إن الصورة التي تم تشييدها عن البيض ــ قبل تغلغلهم في العشيرة ــ تتسم بعدم الارتياح والخوف من تغطرس ذلك المستطلع الجديد المتوغل/ المتغول الذي أقدم على إبادة عشيرة «أبامي» بأكملها.
ب ـ أشياء تتداعى
شكل وصول المبشرين إلى أومووفيا والبدء في بناء كنيسة، بعد حصولهم على قطعة أرضية من العشيرة، بداية التواجد الفعلي الذي سيمهد لبداية أشكال التداعي ـ بما هو تصدع وتشقق وانهيار ـ واستمرار التغلغل. ومن مظاهر ذلك: دعوة المبشرين الجدد عشيرة «مباتنا» لاعتناق الدين الجديد، وترك دينهم القديم. إنها دعوة هادئة، ابتدأت بالترغيب وانتهت بالترهيب، بدءا بشنق الرجل الذي قام بقتل المبشر الأبيض، مرورا بجلد أوكونكو، وانتهاء بمقاضاة العشيرة. يقول السيد كيابا: «لقد بنينا الآن كنيسة، ونريدكم أن تأتوا جميعا في اليوم السابع من الأسبوع لعبادة الرب الحقيقي». في هذا السياق، لم تجد العشيرة سوى المقاومة، غير أن سرعة تغلغل الدين الجديد، أسهم في تعميق الصراع بين العشيرة والكنيسة. وفي هذا السياق، بذل المبشرون قصارى جهدهم لاستقطاب أتباع جدد، فتم استقبال المنبوذين، وأنشأ المبشر الأبيض مدرسة لتعليم الفتيان المسيحيين القراءة والكتابة، وخلخلة معتقدات العشيرة. يقول السيد كيابا: «قالوا أيضا إنني سأموت إذا بنيت كنيستي على هذه الأرض. هل مت؟ قالوا إنني سأموت إذا رعيت التوائم، وها أنا ما أزال حيا. إن الوثنيين لا ينطقون إلا بالباطل. كلمة الرب وحدها هي الصادقة».
تأسيسا على ما سبق، يمكن تتبع وجهات النظر حول الدين الجديد، وأولاها وجهة نظر المسيحيين أنفسهم، الذين اعتبروا دينهم دينا ينبغي اتباعه، وبالموازاة مع ذلك، اعتبار دين العشيرة دينا زائفا، ولعل ذلك ما يزكيه قول المبشر الأبيض جوابا عن سؤال شيخ من العشيرة: «جميع الآلهة التي سميتها ليست آلهة أبدا. إنها آلهة خداع تأمركم بقتل رفاقكم وإهلاك أطفال أبرياء. هناك إله واحد حقيقي، وله ملك الأرض والسماء وأنت وأنا ونحن جميعا». وتبعا لذلك، اعتبر المبشرون البيض أن إحلال الدين الجديد، وتثبيت دعائمه ضرورة ملحة، وهو ما تعكسه وجهة نظر السيد براون والقسيس سميث؛ فإن كان الأول قد شيد مدرسة ومستشفى صغير في أوموفيا لاستقطاب أتباع جدد، فإن الثاني سن قوانين جديدة وعدّل أخرى. في المقابل، نتلمس وجهة نظر أوكونكو، التي لا تختلف عن وجهة نظر عشيرتي مباتنا وأوموفيا على حد سواء، ولئن تبدو بداية تأقلم العشيرتين مع الوضع الجديد، إلا أن أوكونكو ظل متشبثا بقراراته، خاصة بعد إحساسه بأن عشيرته أوموفيا بدأت تتداعى. يقول السارد: «أحس أوكونكو بحزن عميق. ولم يكن مجرد حزن شخصي، بل انتابه الأسى على العشيرة، التي شاهدها تتمزق وتتداعى».
لقد شمل التداعي الأهل والعادات والتقاليد، لينتهي بمحاولات إحلال الدين الجديد محل دين العشائر التسع، ولم يعد لعودة أوكونكو من المنفى أي تأثير، خاصة بعد انصراف الناس إلى الدين والمؤسسات الجديدة التي تم إحداثها. ورغم أنه حاول استرداد مكانته في العشيرة من خلال اقتراح قتل المبشرين وطردهم، إلا أن العشيرة وقتئذ كانت تتصدع يوما بعد يوم. ولم تسفر أشكال المقاومة إلا عن «تفاوض» بين زعماء أوموفيا ـ بمن فيهم أوكونكو ـ ومفوض الشرطة ـ المرفوق بالسعاة ـ الذي أصبح يتمتع بسلطة حقيقية داخل العشيرة. يقول المفوض: «لقد جئنا بإرادة مسالمة لكم ولقومكم من أجل إسعادكم. إذا أساء أحد معاملتكم فسنأتي لإنقاذكم، لكننا لن نسمح لكم بإساءة معاملة الآخرين. لدينا محكمة حيث ننظر في القضايا ونقيم العدل».
إن التفاوض المُدَبر الذي انتهى باعتقال الرجال الستة، ومن ضمنهم أوكونكو، سرعان ما أكد ما أشار إليه وحي عشيرة مباتنا، من أن البيض سيجهزون على المكان. بعد اجتماع رجال أوموفيا، وأداء الغرامة، تم إطلاق سراح الرجال الذين تم تقييدهم وتعنيفهم. يقول السارد: «لكنهم لاحظوا الخطوط الطويلة على ظهر أوكونكو حيث مزق سوط السجان اللحم». ويبدو أن تفكير أوكونكو في الانتقام نابع أساسا من إحساسه بالظلم، الذي تعرض له في محكمة الرجل الأبيض، وتلك المعاملة القاسية التي ترسخت في ذهنه. أضف إلى ذلك استمرار تداعي العشيرة، خاصة بعد تدخل الرجل الأبيض في خصوصياتها. وبالتالي، لم يجد أوكونكو من خيار سوى الانتحار، خاصة بعدما اتضح له تلاشي كل شيء. يقول أوبيريكا: «ذلك الرجل كان واحدا من أعظم الرجال في أوموفيا. لقد دفعتموه إلى قتل نفسه، وسيدفن الآن ككلب».
إجمالا، يمكن القول إن مظاهر تداعي العشيرة عديدة، غير أننا حصرناها في الاضطرابات التي أحدثها مجيء الرجل الأبيض، الذي ابتدأ بـ«الاستطلاع» وانتهى بـ«التغلغل» الذي سرعان ما غير مسار ومصير العشائر، ومن بينها: مباتنا وأوموفيا. وقد شمل التداعي، خلخلة العادات والتقاليد والطقوس والمعتقد الديني. ولعل ذلك ما يصوره بإيجاز بليغ المقطع الآتي: «الرجل الأبيض. جاء بهدوء وسلام بدينه، فضحكنا على حماقته وسمحنا له بالبقاء. والآن اســــتمال إخواننا، ولم تعد عشيرتنا قادرة على التصرف كرجل واحد. لقد وضع سكينا على الأشياء التي تشد أواصرنا فتداعينا».
٭ باحث من المغرب