أصدقاؤنا الذين يضروننا

حجم الخط
0

إنه أكبر اجتماع لكارهي اسرائيل، شارك فيه نحو من 15 ألف نائب، والضرر الذي يوقعه باسرائيل من وجهة نظر تاريخية قد يكون أكبر مما أحدثته ايران حتى الآن. فهو يعقد في كل سنة ويكون الزمن فيه كأنما يكف عن الجريان، ويوجد فيه نفس الهتاف والافعال الجوفاء والتصفيق لكل رئيس حكومة اسرائيلي مهما تكن سياسته. وقد أخذ العالم حوله يتغير لكن الامر كأنما لا يتعلق بهم. بل إن اسرائيل تتغير لكن لا في نظرهم. فهي هنا تستحق فقط الهتاف الآلي الأعمى منذ كانت.
إنهم هنا يهتفون للزعيم الصالح المُنعم فقط كما كانت الحال في مؤتمرات مشابهة في رومانيا نيكولاي تشاوتشيسكو. فأهلا وسهلا بكم الى بوخارست في واشنطن، والى كرملين يهود الولايات المتحدة، واستقبلوا مؤتمر الايباك السنوي وهي جماعة الضغط الموالية لاسرائيل في الولايات المتحدة. يستطيع بنيامين نتنياهو هنا فقط أن يستمر على التلويح بحيله الدعائية القديمة البغيضة وأن يحظى بقاعة كاملة تقوم على قدميها. ‘أنا جئتكم برسالة من القدس الموحدة الى الأبد’ هتاف وتصفيق؛ وانشأت اسرائيل مستشفى ميدانيا للجرحى السوريين، وزاره نتنياهو بل تحدث الى سوري هتاف وتصفيق؛ والعالم كله يطرق باب اسرائيل التي هي الأفضل في العالم تصفيق؛ لن نتخلى أبدا عن أمن اسرائيل رعد في القاعة. إن الـ بي.دي.إس هي بي.إس، وتحظى هذه السخافة ايضا بالاطراء برغم أن نتنياهو أفرد للـ بي.دي.إس جزءا كبيرا من خطبته وما كانت منظمة المقاطعة لتتوقع هدية أكبر من هذه.
جلست وراء نتنياهو أول أمس شابة امريكية قامت تهتف له في كل مرة قام الجميع فيها. ونظرت الى وجهها المبهم قائلا في نفسي لماذا قامت لتهتف، بالضبط؟ هل لاستمرار الاحتلال؟ أم لضعضعة الديمقراطية الاسرائيلية؟ أم لمظاهر العنصرية التي أخذت تكثر فيها؟ ‘أنا مؤيدة لاسرائيل أنا الايباك’، يقول شعار المنظمة، هل هي مؤيدة لاسرائيل؟ يزعم منتقدو المنظمة أنها تعمل احيانا مخالفة مصالح الولايات المتحدة، وهي تعمل ايضا مخالفة مصالح اسرائيل. صحيح أنها أجازت ذات مرة قرارا في مجلس النواب الامريكي يبارك اسرائيل بعد اربعين سنة من حرب الايام الستة. وقد حاولت ايضا أن تمنع تسليح السعودية بطائرات ‘الايواكس’ وبكل سلاح آخر لكل دولة عربية. وقد وقع 259 عضوا في مجلس النواب و79 سناتورا بمبادرة من المنظمة على رسالة دعت الى عدم منح السلطة الفلسطينية مساعدة مالية. برافو أيتها الايباك وطوبى لليمين المحافظ من يهود امريكا. لكن كان يجب على اسرائيل أن تقول منذ زمن: لا، شكرا. فليس كل تأييد صارخ مدمر بأخطائه هو إظهار للصداقة. فالصداقة والاهتمام يكون معناهما احيانا انتقادا. لكن ذلك لن يحدث في مدرسة الايباك.
إنهم يعدون الجمهور بأن قوة هذه المنظمة أخذت تُستنفد، لكن الحال على الارض لا تبدو كذلك لأننا يمكن أن نرى ما الذي يحدث لعضو من مجلس النواب الامريكي يتجرأ على انتقاد اسرائيل. فالايباك ما زالت موجودة مع جيش ناجع من الوسطاء المؤثرين وهي ثاني جماعة ضغط من جهة التأثير بعد جماعة ضغط منتجي السلاح الخفيف واسرائيل هي التي يجب أن تكون في توتر. فجماعة الضغط هذه لا ترجو الخير مثل جماعة ضغط السلاح بالضبط. وقد أثرت في سياسة الولايات المتحدة فهي من العوامل التي بعثت الولايات المتحدة على الاستمرار على الانفاق على الاحتلال وتأييد كل الخطوات العنيفة الاسرائيلية وعدم استعمال القوة لصد غريزة توسعها.
لو أن الايباك كانت عندها صداقة حقيقية لاسرائيل لوجب عليها منذ زمن أن تكف عن الهتاف وأن تبدأ الهمس؛ الهمس في مسامع رئيس الوزراء أن شيئا ما سيئا يحدث للدولة التي تحبها المنظمة جدا. وأن شيئا سيئا يحدث في امريكا ايضا التي بدأت تضيق ذرعا بالرفض الاسرائيلي. إن الصديق غير الحقيقي لمدمن المخدرات يعطيه مالا ويزيد في العطاء كي يشتري لنفسه مخدرات اخرى، ويشكره المدمن. أما الصديق الحق فانه يرسله للفطام فيغضب المدمن. إن مدمنة الاحتلال تحتاج الى صديق حقيقي يرسلها للفطام. وقد اختارت الايباك والولايات المتحدة على إثرها الخيار الاول الى الآن وهو الخيار المعادي لاسرائيل بصورة سافرة.

هآرتس 6/3/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية