حسنا يقر وزير الداخلية الأردني بوجود ترهل ونمط من التسيب الإداري علنا في إقليم العقبة الذي استقل إداريا وبقانون خاص عن السلطات البيروقراطية لأغراض استثمارية قبل نحو عقدين في إطار تطوير البنية الاقتصادية والحضارية في ثغر الأردن الباسم أو الميناء الوحيد في البلاد.
احتاج الأمر لكارثتين على الأقل حتى يطل على المواطنين وزير للداخلية في الحكومة ليتحدث عن الترهل والتسيب وليس عن الكسل والتقصير، وإن كان التقصير هو الأخ الشقيق للترهل الإداري فيما الكسل قريب بالدم لكل أنواع التسيب.
واحتاج الأمر لمشكلتين فعلا من حجم كبير لكي يقر مسؤولون بوجود مشكلة في الإدارة العامة للمؤسسات الأردنية لم أسمع منذ سنين أي مسؤول أردني ينفيها أصلا. لكن هذه المشكلة اليوم في المدينة التي فصلت إداريا تقريبا، وكان يفترض أن تشبه مدنا عالمية على شواطئ البحار أو في المناطق الحرة.
للتذكير فقط لا بد من الإشارة إلى أن العقبة عندما سلخناها إداريا قبل عقدين كنا نسمع كبارنا في ذلك الوقت يتحدثون عن سنغافورة وعن دبي وعن أحدث المدن العصرية الحرة، لنكتشف جميعا اليوم بأن الترهل موجود والكسل بالجملة. لا بل خجل وزير الداخلية من تسمية الأشياء كما هي في الحقيقة لأن الحقيقة تقول بأن الفساد الإداري موجود، وهو فساد لم يبدأ إطلاقا من عند حادثة تسرب الغاز السام الأخيرة ولم ينته عند حادثة مأساوية أخرى عندما توفى الله نخبة من عمال الصوامع وشهداء لقمة العيش.
ذلك المرض والعضال يلازمنا على المستوى الإداري منذ عقود وهو مرض تبدأ عوارضه لجميع المسؤولين من عند طريقة اختيار كبار الموظفين، حيث لا يريد أي مسؤول وفي أي وقت الاعتراف بأن الخلل يبدأ مع آليات الاختيار قبل أي اعتبار آخر، فقد دفع الأردنيون ثمنا غاليا حتى تأتي تلك اللحظة التي يقر فيها على شاشة التلفزيون وزير داخلية بأن حادثة ما بسبب الترهل الإداري أدت إلى مقتل سبعة أردنيين وخمسة عمال أجانب مغتربين أبرياء خلافا لإصابة المئات وبينهم 50 على الأقل من رجال الأمن والدفاع المدني.
كنا نحتاج لإقرارات من هذا النوع قبل أن يتحول فساد الإدارة وبصراحة نقولها فساد التعيينات والاختيارات إلى ماكينة تفتك بحياة الأردنيين الأبرياء أحيانا.
الدم البريء الذي سال على أرصفة ميناء العقبة يحتاج لمقاربة وطنية أكبر وأضخم وأعمق، ومن غير المعقول أن تتخذ إجراءات فقط ضد ميدانيين من الحجم المتوسط أو الصغير، فيما يعفى كبار موظفي السلطة أو غيرهم ولو من باب المسؤولية الأدبية عن متابعه التفاصيل.
الفساد الإداري موجود، وهو فساد لم يبدأ إطلاقا من عند حادثة تسرب الغاز السام الأخيرة ولم ينته عند حادثة مأساوية أخرى عندما توفى الله نخبة من عمال الصوامع وشهداء لقمة العيش
مجددا لا خير فينا إن لم نقلها.. القصة تبدأ بالتعيينات الخاطئة، وينبغي أن تكتمل عندها والتحقيقات يفترض أن لا تقف عند حدود ما حصل مع سلك التحميل على الرافعة التي سقطت منها حاوية الغاز السام لأن ما حصل هو أفدح من ذلك وبدأ أصلا قبل حصول الحادث.
جميع الأردنيين يعلمون الطريقة التي تدار فيها شؤونهم وآلية اختيار الموظفين والمدراء الميدانيين من طبقة الكبار تحديدا بالعادة، حيث الاعتماد على الولاء والمحاصصة والمنطقة والجهة والعشيرة فيما يعتبر السياق والإطار المهني العنصر الأخير عند اختيار الموظفين الكبار.
تلك حقيقة يعرفها الجميع اليوم، فالكفاءة آخر المعطيات ولا تؤخذ بالاعتبار مع المهنية.
مقولة «الولاء أهم من المهنية» ثمة من نظر علينا كأردنيين فيها مطولا باسم الوطنية باعتبارها تسبق الولاء، وهذا ما يفعله الولاء الخالي من المهنية والدسم الحقيقي وخبرة الاشتباك البيروقراطي حيث حوادث يفترض أن لا تحصل أصلا، بحكم بساطتها وحجمها ومستوى الإهمال الذي يرتبط بها تؤدي إلى خسارة في الأرواح البشرية خلافا لخسائر الاقتصاد.
وفي الوقت الذي سقط فيه الأبرياء بعد حادث التسمم الأخير في العقبة، لا أحد يبلغنا في الرأي العام بعد من وكيف يدفع ثمن فاتورة السمعة السيئة التي تراكمت الآن لميناء العقبة والخسائر الاقتصادية الناتجة عن ذلك لأن أحدا ما في السلطة يحجم حتى الآن عن الاعتراف بأن اختيارات للوظائف العليا هي الأزمة بذريعة إنقاذ ما تبقى من سمعة الإدارة البيروقراطية الأردنية.
هذه المرة لا نحتاج لإنقاذ سمعة الإدارة التي كنا نفاخر فيها الجميع بل لإنقاذ أرواحنا من تراكم عثرات وسلبيات وقصور حلقات الإدارة.
وزير بارز في الحكومة أبلغني شخصيا بأن دول الخليج العربي، التي ساهم أردنيون في بنائها وتعليم أولادها، تفوقت علينا الآن في الإدارة وفي كل الميادين وبسرعة عجيبة. وأغلب الظن أن مثل هذا التفوق ينبغي أن يدرس من حيث الأعماق والخلفيات علنا نفعل ما يفعله الآخرون ولو مرة واحدة من الذين دربناهم وعلمناهم في الماضي بدلا من الوقوف على أطلال الإدارة والبيروقراط الأردني مع أننا نسجل للحكومة جرأتها وتحديدا لوزير الداخلية في إعلان الترهل والقصور وتجنب القاعدة المتوارثة التي تقول «الأردني لا يتحدث علنا عن خطئه».
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
لم يأت بجديد وزير الداخلية. السؤال الذي كان المفروض ان يجيبة الوزير هو ما العمل الان و ليس قول ما هو اصلاً معلوم.
*بدون (تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب).. سنبقى كمن يدفن رأسه في الرمال
وكمن يحرث البحر.
حمى الله الأردن من الأشرار والفاسدين والحمدلله رب العالمين على كل حال.
الادارة في حاجة الى تشبيب
سيتم تكريس نفس النهج عبر تسمية مدير جديد للميناء من النخب التي تدير البلد وعمره لا يتجاوز ال 22 عاما ..انتظر وسترى حجم البلوى التي يواجهها الأردنيين
طبعا فساد التعيينات للواسطات والتدخلات. واكبر مثال تعيين ابو قديس وزيرا وتعيينه ٦ رؤساء جامعات دون منافسه فقط بسبب الواسطه وقيس على ذلك