أعداء الأمس لا يمكن أن يكونوا أصدقاء اليوم

حجم الخط
0

يقال إن التاريخ يعيد نفسه، والأحداث التاريخية المتعاقبة تؤيد أن هذه المقولة حقيقية نوعاً ما، فآلاف الحوادث تكررت بشكل يدعو للاستغراب فعلاً.
ولو حاولنا العودة إلى تاريخ العرب السياسي الحديث لرأينا هذه المقولة تتجسد واقعاً لا يمكن إغفاله، فمنذ ما عرف بالثورة العربية الكبرى والأخطاء السياسية تتوالى وتتكرر مفتتةً وطننا العربي، وجاعلة حالنا ينتقل من سيئ إلى أسوأ. بعد الحرب العالمية الأولى لهث العرب وراء الإنكليز والفرنسيين الذين ساعدوهم على التخلص من الحكم العثماني للبلاد العربية. وظن سياسيو العرب حينها أن الدولة العربية ستنشأ وتوحد العرب وتعود بهم إلى مصاف الأمم القوية. تتابعت الأحداث ووقعت بلادنا تحت حكم الانتداب، وتفتت الدولة إلى دول، ونشأت حدود جديدة ما زالت قائمة إلى اليوم، وبات الشعب العربي شعوباً، وباتت الحدود مقدسة لا يجرؤ على انتقادها، ناهيك عن رفضها، أي شخص ،مثقفاً كان أم غير مثقف.
تابع سياسيو العرب لهاثهم وراء الغربيين، فخسروا القدس، وذهبت فلسطين لتقع تحت الاحتلال، وأقيمت فيها الدولة اليهودية.
استمرت إرهاصات السياسات الخاطئة في جميع البلدان العربية التي عانت في جميع الفترات من مشاكل لا تعد ولا تحصى. ولكن المثير للاستغراب أن الأخطاء تتكرر على الرغم من انفصال المسارات عن بعضها، ما يدل على أن هناك مشكلة في التفكير العربي المعاصر ذاته، وفي الظروف الاجتماعية التي أدت إلى نشوء هذا التفكير.
يقول المثل الشعبي: «الشاطر هو الذي يتعلم من أخطاء غيره»، وبهذا المنطق فالعرب ليسوا (شطاراً)، ولا يمتون للشطارة بصلة، فلو أخذنا أخطاء السياسي السوري أو المصري أو المغربي أو أي سياسي عربي آخر لوجدناها هي ذاتها، ولاكتشفنا أن هناك مشكلة في الفهم والإدراك! واللافت أيضاً أن هذا الأمر لا يتعلق برجال الأنظمة فحسب، بل أن الأخطاء تتكرر حتى مع معارضي تلك الأنظمة.
ما قادني إلى هذا الحديث هو تأملي لحال المعارضة السورية اليوم، بشقيها العسكري والسياسي، فالقادة العسكريون الثوريون، الذين يقضون وقتهم في إصدار البيانات عبر (فيسبوك)، لم يفكر أحد منهم بالتعلم من أخطاء العرب القريبة، ولهم في التجربة الفلسطينية مثلا ونموذجاً يمكنهم تلافي الكثير من الأخطاء في ما لو درسوه جيداً. والسياسيون السوريون المعارضون الذين ذهبوا أو سيذهبون، للتفاوض من غير ضمانات، يمتلكون العقلية ذاتها التي كانت لدى المفاوض مع العدو الصهيوني في أوسلو ووقع اتفاقيات لم تحمل في مضمونها أي شيء، ولم تُعِد للشعب الفلسطيني ولو جزءاً قليلاً من حقوقه المسلوبة.
السعيد هو من تعلم من أخطاء غيره، فإن لم يرغب السياسيون بأن يكونوا شطاراً، فبالتأكيد يتمنون أن يكونوا سعداء، وما لم تتغير هذه العقلية التي ترفض البحث والتعلم من أخطاء الماضي فسوف يعودون للوقوع في الأخطاء نفسها. والدرس الأبرز، ربما، الذي على معارضتنا فهمه أن ، ومن المحال أن يتمنى هؤلاء لنا أو لشعوبنا أي خير مهما بلغ من الصغر.
الظروف تفرض نفسها، هذا صحيح، لكن التحرك بضمانات ملموسة كان دائماً أفضل من تصديق وعود شفوية تفقد قيمتها مع ذهاب مطلقها، فلا معنى لأن يعدكم سفير دولة عظمى وبعد أشهر يأتي قرار إقالته، وتبدأون مع خَلَفِه من الصفر!
التعلم من الماضي قد يكون الأساس لبناء استراتيجية مستقبلية لتحقيق الأهداف المنشودة، والضمانات ينتزعها القوي، ومن يعطي لنفسه الأحقية ليكون شريكاً، أما من يرضى لنفسه أن يكون أجيراً مرتهناً فلن يحصل سوى على الكلام.

٭ كاتب سوري

فاضل الحمصي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية