برلين ـ”القدس العربي”: قد يكون العام المقبل على ألمانيا عام التغيير السياسي، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة التغيير نحو الأفضل، فالأحزاب الألمانية تريد تفادي تنظيم انتخابات في 2019 لأسباب عدة أبرزها، التخوف من نجاح يحققه اليمين الشعبوي ما يعني المزيد من الصلاحيات والقوانين المناهضة لأوروبا والهجرة. ويرى مراقبون أن الرئيس الألماني يفضل مخرجا بدون التوجه إلى صناديق الاقتراع، علما أنه يتحمل مسؤولية الدعوة إلى انتخابات جديدة، حسب الدستور. كما ستحصل في الخريف المقبل ثلاثة انتخابات برلمانية شرق ألمانيا وجب على الحزب المسيحي الديمقراطي بوجه الخصوص تجاوزها.
ما جرى من تغيرات كبيرة في عام 2018 في ألمانيا مهد لهذا الأمر، رغم أن ميركل تخلت عن رئاسة حزبها، بعد انتخابات ولايتي بافاريا وهيسن المحبطة للغاية، وهو ما يعد واحدا من أبرز الأمور السياسية التي شهدتها ألمانيا في هذا العام. إلا أن المستشارة متمسكة بإنهاء ولايتها الرابعة والأخيرة عام 2021.
وقد تكون ميركل، التي صنّفتها مجلة “فوربس” من جديد المرأة الأقوى في العالم، قد منحت فترة سماح. لأن الكثير من العقبات تبقى قائمة حتى العام 2021 ويمكن أن تضع حداً سابقاً لأوانه للائتلاف الحكومي الضعيف الذي شكلته مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وتعرض لاضطرابات بشكل شبه مستمر جراء أزمات.
ومن أبرز الأمور التي أثارت جدلا في ألمانيا، قرار إقالة رئيس حماية الدستور “الاستخبارات الألمانية” هانز يورغ ماسن، من منصبه واعتبر البعض القرار بمثابة ترقية خاصة أن راتبه سوف يزداد بشكل كبير عما كان عليه، ورأى بعض الساسة أن القرار بمثابة فضيحة سياسية بعد تهم بتواطئه مع اليمين المتطرف.
يذكر أن ماسن اقيل بسبب تصريحات مثيرة للجدل عن أبعاد أعمال شغب معادية للأجانب شهدتها مدينة كمنيتس شرقي ألمانيا، حيث شكك في مصداقية مقطع فيديو يظهر فيه ملاحقة أجانب خلال هذه الأحداث.
وشهد عام 2018 قضية مقتل خاشقجي، ولعل ألمانيا كانت من أول الدول الأوروبية التي قامت بتوقيع عقوبات ضد السعودية. فقررت برلين وقف جميع صادرات الأسلحة للرياض على خلفية مقتل خاشقجي على أيدي سعوديين في القنصلية السعودية في إسطنبول. وأشارت وزارة الاقتصاد في بيان، إلى أن قرار مجلس الوزراء يفرض حظرا على تقديم تراخيص جديدة لتصدير الأسلحة إلى الرياض، كما يوقف سريان التراخيص التي تم منحها سابقا. فيما شمل القرار أيضا إعداد قائمة سياسية سوداء لمسؤولين سعوديين لمنعهم من دخول الأراضي الألمانية، وهو ما يعد أول إجراء أوروبي ملموس للبدء بعقوبات ضد الحكومة السعودية.
وكانت برلين أعلنت عزمها التحرك من أجل إقناع دول أخرى في الاتحاد الأوروبي بالاقتداء بها، ولكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رفض المبادرة الألمانية.
فصل رسام كاريكاتير
في منتصف أيار/مايو الماضي قامت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” المحافظة بفصل أحد موظفيها بتهمة معاداة السامية. وطبقا لبيان هيئة التحرير فإن رسام الكاريكاتير ديتر هانيتش، نشر رسما معاديا للسامية وهو ما أثار حفيظة الصحيفة الألمانية.
وأوضحت إدارة الصحيفة أن هناك خلافات بينها وبين الرسام حول الرسومات المعادية للسامية. والرسام يعمل منذ فترة طويلة في الصحيفة إلا أن الخلاف تفاقم على ما يبدوا بعد تمسك كل طرف بمطالبه.
زيارة أمير قطر لألمانيا
في الخامس من أيلول/سبتمبر وصل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى العاصمة الألمانية برلين، في زيارة عمل امتلأ جدولها بلقاءات مع الرئيس الألماني فرانك شتاينماير والمستشارة أنغيلا ميركل وعدد من كبار المسؤولين. زيارة أمير دولة قطر لألمانيا حازت على اهتمام سياسي واقتصادي غير مسبوق، إذ نجح الأمير في جذب اهتمام رجال المال والأعمال للاستثمار في دولة قطر، لا سيما بعد إعلانه عن فتح جامعة ألمانية تشرف عليها جامعة ميونيخ التقنية في قطر، وشكره برلين لوقوفها بجانب قطر في الأزمة الخليجية ما جعل الصحف ووسائل الإعلام الألمانية تعنون صفحاتها الأولى بأخبار الزيارة ونتائجها وتعلق على خطط التعاون بين البلدين في قطاع التعليم على وجه الخصوص، حيث من المقرر بناء جامعة في العاصمة القطرية الدوحة وفقا للمعايير الألمانية، كما تعتزم شركة السكك الحديدية الألمانية “دويتشه بان” تعزيز نشاطها في قطر، وتعتزم شركات ألمانية وقطرية تأسيس “وحدة مهام” لتحسين التعاون بينها.
اردوغان في ألمانيا
في أيلول/سبتمبر الماضي أنهى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان زيارة دولة إلى ألمانيا بتدشين مسجد كبير في كولونيا، وسط تظاهرات مناهضة وتدابير أمنية مشددة. ودشن الرئيس التركي برفقة زوجته بعد ظهر السبت المسجد الذي يعتبر من أكبر مساجد أوروبا، وتم بناؤه بتمويل من اتحاد الأعمال التركي الإسلامي القريب من السلطات التركية.
وحاول اردوغان خلال الزيارة طي صفحة عامين من التوتر مع برلين، وأشاد بحصيلة الزيارة “المثمرة جدا” بعد “التوترات الأخيرة” وذلك في خطاب ألقاه في مسجد كولونيا.
ودعا في كولونيا أوروبا إلى مكافحة “إرهابيي” حزب العمال الكردستاني وأنصار المعارض فتح الله غولن، الذي قال انه لا يجب ان “يجد أي ملاذ” في هذه القارة.
ولم تكد زيارة الرئيس التركي لألمانيا تشرف على نهايتها حتى احتدم الجدل من جديد حول الوضعية القانونية والدور السياسي الذي يلعبه الاتحاد التركي-الإسلامي للشؤون الدينية “ديتيب”.
و”ديتيب” هو أكبر اتحاد مساجد في ألمانيا. ويضم نحو 800.000 عضو، وله روابط قوية مع تركيا. وتقر الخدمة العلمية للبرلمان الألماني أن “ديتيب اعتمادا على النظام الأساسي مرتبط بالرئاسة الحكومية للشؤون الدينية في تركيا في أنقرة (ديانات)”. والأئمة الأتراك الذين ينتدبون إلى مساجد ديتيب يتلقون راتبا من القنصليات التركية طوال فترة إقامتهم، و”ديانات” هي التي تحدد الخطوط العريضة الدينية لهذه المساجد.
ميركل وبريكست
قد يكون الثلث الأخير من 2018 تم استنزافه في مفاوضات بريكست وتفاصيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث نجحا في الوصول إلى اتفاق يحدد الخطوط العريضة على كيفية الخروج خلال الأعوام المقبلة وذلك بعد مفاوضات ماراثونية استمرت لأشهر طويلة بين بروكسل ولندن. المستشارة الألمانية علقت على إعلان الوصول إلى اتفاق أن “الشيطان يكمن في تفاصيل هذا الاتفاق”.