أمام قنوات الشرعية: «مصر الآن».. أم «مكملين»؟!

حجم الخط
13

فلما كانت الذكرى الرابعة للثورة المصرية، اجتاحني فيروس أنفلونزا كافر لا ملة له ولا دين، ألزمني الفراش، لتكون فرصة لمشاهدة القنوات التي تدافع عن الشرعية، وقد افتقدت اللواء أركان حرب «عبد العاطي»، صاحب اختراع مواجهة الفيروسات بالكفتة، فلو تم السماح بتداول اختراعه، لتمكنت من مواجهة هذا الفيروس اللعين، بما يمكني من مغادرة هذه الفضائيات إلى «روتانا سينما»، وقد انتهت مدة حدادها على الملك السعودي الراحل، بمرور ثلاثة أيام!
يقال إن الحداد ثلاثة، وقد أعلنت الأردن الحداد بما يتفق والتقاليد العربية، أربعين يوماً، وفي مسقط رأسي بالصعيد، كان العزاء ثلاثة أيام، أما الحداد فأربعون يوماً للجيران، وقد يصل لعام كامل بالنسبة لذويه، ومدة الحداد هنا يقررها عمر الفقيد، فإن كان شاباً امتدت لحول كامل، وإن قد عاصر الحملة الفرنسية فأربعين، تلبس النساء فيها الأسود، ويطلق الرجال لحاهم، ويمنع أكل اللحوم، ونصب الأفراح، وفتح التلفزيون والراديو. وهذه تقاليد انتهت الآن، فقد صار الفقيد يشيع لمثواه الأخير، ويعود المشيعون لمشاهدة «الفيلم العربي»!
وما بين الثلاثة أيام والأربعين يوماً والسنة، جاء عبد الفتاح السيسي بدين جديد، وقرر أن الحداد على روح «حكيم العرب»، سبعة أيام، بما يؤكد أن الرجل مستشرق هبط على عالمنا العربي، فليس واعياً بعاداته وتقاليده، وهذا ما يفسر خروجه على تقاليد المجتمع المصري، في تقديس الموت، فيطلق قواته للاعتداء على من يشيعون ضحايا حكمه، وبات الأمر يحتاج لبحث في علم الاجتماع ليرصد أثر الانقلاب على منظومة القيم! ما علينا، فحتى بعد أن انتهت مدة حداد «روتانا سينما وأخواتها»، لم يكن بمقدوري الذهاب إليها بعد أن داهمني الفيروس سابق الذكر في غيبة من «الجنرال المفدى عبد العاطي». واختراعه، كما هو معروف، سيمكننا من مطاردة الفيروسات «بيت بيت.. زنقة زنقة»، ويكفي أن يضع كل بلد «إصبع كفتة» على حدوده حتى تغادر الفيروسات إلى بلاد الفرنجة، التي لن تأخذ باختراع «عبد العاطي» لعدم إيمان ساكنيها بقدرة العقل العربي على مواجهة التحديات!
افتقدت «الجزيرة مباشر مصر» في هذه الذكرى، التي كان يمكن للمرء أن يتابعها فيقف على حقيقة الأوضاع، ومهما قالوا عن عدم مهنية القناة، فقد كان الخبر الذي تبثه له مصداقية، وكانت الصور التي تنقلها للحراك الثوري، تشير إلى زخمه أو محدوديته. وكان علي أن أعوض فقدها، بقنوات الشرعية الأربع، فجعلتها متتابعة على جهاز التلفزيون في هذا اليوم: «مصر الآن»، فـ «الشرق»، فـ «رابعة»، ثم «مكملين»، لم أكن بحاجة إلى معلقين في هذه الأيام، كان ما يعنيني هو «الخبر»، وهي قنوات تشبه قنوات الثورة المضادة، لافتقادها للتحليل، ربما لأن التحليل في ظل هذه الحرب المستعرة ليس له «زبون». الفضائيات التي تتبني قضية الشرعية، تبث إرسالها من تركيا، وهناك يوجد تنوع غير موجود في الدوحة، من تيارات وشخصيات ضد الانقلاب، ومع ذلك، فعدد قليل هو الذي يخرج من أستوديو لأستوديو، على نحو يمكن لمرابط مثلي، يتنقل بين هذه القنوات أن يقف على أسماء الضيوف على سبيل الحصر. وقد تلقيت اتصالات هاتفية من أكثر من قناة، لم أتمكن من الرد عليها، لهذا الفيروس الذي داهمني و»اللواء عبد العاطي» بين ظهرانينا.

الدعوة لقائمة «النور»

لم أكن من قبل أشاهد هذه الفضائيات بتركيز، لا سيما»مكملين» و»مصر الآن» التي لا تزال تضع علي شاشتها عبارة «البث التجريبي»، وعلى «رابعة» أتابع برنامج «ذكريات معتقل»، وما يقدمه الشيخ محمد عبد المقصود، ودروس الدكتور محمد الصغير، وهو «بلدياتي» ونائب دائرتي الشرعي، ولم تكن لي به صلة قبل الانقلاب، لكن جمعنا عبد الفتاح السيسي في بلاد المهجر، وإن كنت قد دعوت لانتخاب قائمته الانتخابية، على قاعدة المضطر!
فعندما كانت الدعوة بعد الثورة لضرورة، أن تصطف القوى الثورية في مواجهة الفلول في قائمة واحدة، قيل إنها ستضم 44 حزباً انتهت إلى 14 حزب، وبعد أن سمعت من الكلام ما أطربني، عن أنني سأكون في هذه القائمة في موقع متقدم، وقبل إغلاق باب الترشيح بيومين، تعرضت لمقلب إخواني يتمثل في استبعادي من الترشيح. وكان لا بد من تصرف رداً للاعتبار، ولم يكن مقبولاً والناس تريد انتخاب الإسلاميين في أول انتخابات حرة، أن أقول لهم اتركوا قائمة الإخوان وانتخبوا الشركة القابضة للأحزاب لصاحبها نجيب ساويرس، فإذا أردت أن تطاع فأمر بما هو مستطاع، فكانت دعوتي لقائمة «النور»، التي كانت تجمعاً للقوى السلفية بتنويعاتها المختلفة، وكان على رأسها الدكتور الصغير، وقد أسعدني أن تفوز قائمة «النور» على قائمة الإخوان، فالأولى نجح لها خمسة نواب، والثانية فاز لها ثلاثة مرشحين فقط.. وتنفست حينئذ الصعداء!
دنيا، ففي النهاية اجتمع الإخوان وضحاياهم في صعيد واحد، وجمعهم الهم الواحد، والمصير المشترك، بعد أن قام قائد الجيش المتمرد بإنزال على القصر الرئاسي، وأعادنا بعد ثورة عظيمة وسلطة ذقنا معها ولأول مرة طعم الحرية، إلى حكم عضوض، لا مكان فيه لمعارض ولو بشطر مقال كما يفعل بلال فضل، الذي يهاجم مرسي في طول مقالاته وفي آخر سطرين يغمز السيسي، ومع ذلك تم منعه من الكتابة، وقد قرأنا للروائي علاء الأسواني وهو يعبر عن ألمه من استباحة سمعة المعارضين في عهد السيسي، مع أنه هو القائل أن السيسي هو أعظم قائد عسكري بعد أيزنهاور.. الآن وقد عصيت قبل؟!

مراسلون بأسماء مستعارة

المهم، فبعد مشاهدة متأنية، أعتقد أن «مصر الآن»، و»مكملين» كانتا اكتشافاً، حيث قامتا بمحاولة ملأ الفراغ الذي تركته «الجزيرة مباشر مصر»، من خلال الحرص على نقل ما تيسر من هذه المظاهرات على الشاشة. وقلت لزميل في «مكملين» أنهما بالترتيب «مصر الآن»، و»مكملين» لكنه اعترض، وكان رأيه العكس، وبرأيه أيضاً أن هذا هو يوم البث الحقيقي لـ «مصر الآن»، فاحتشدوا له، في حين أن هذا هو أداؤهم الطبيعي في «مكملين»! ولم يتوقف الأمر على مجرد نقل صور المظاهرات، ولكن كان يتم الاتصال بمراسلين ميدانيين، ومنهم من له عندي من اسمه مصداقية، من خلال متابعتي لهم في «الجزيرة مباشر مصر»، واعلم أن الأسماء التي يقدمون بها مستعارة، فسلطة الانقلاب لا يمكن أن تتسامح أبداً مع من ينقلون الحقيقة للناس، وأعلم أن أصعب شئ على الصحافي ألا ينسب عمله له، وقديماً كنا نقول أن أضعف شئ في الصحيفة هو المقال المنشور على أنه رأيها، لأن كاتبه لا يوقعه باسمه. لكن هؤلاء الزملاء قد يجدون عوضاً في أنهم أصحاب رسالة.
للعلم، أنه ليس للإخوان سوى قناة «مصر الآن»، لكن إعلام الانقلاب يقول إن الإخوان يملكونها جميعاً، بما فيها قناة «الشرق»، الذي يوصف صاحبها بأنه زعيم إخواني، ولأننا في زمن «نامت فيه القوالب وقامت فيه أنصافها» فقد استمعت «لأنثى العوكش» قبل كتابة هذه السطور، وهي تقول إن «الشرق هي قناة الخرفان»، مع أن بين صاحب «الشرق» والإخوان ود مفقود!
ولا أعرف ما إذا كان هذا الكلام يقال لنقص في المعلومات، أم بهدف الإيعاز للداخل والخارج، بأن المعركة بين مصر والجماعة. وفي الأيام الأولى للانقلاب وفي برنامج تلفزيوني قال أحدهم عني أنني إخواني، واعترفت بأنني المرشد. وفي أحد البرامج في فضائيات الثورة المضادة، وجدوا أنه ليس من اللائق أن يقولوا أن العميد طارق الجوهري من الإخوان، وهو ضابط سابق في الداخلية، لأن معنى هذا أن الجماعة نجحت في اختراق الشرطة، فقالوا أنه لم يكن من الإخوان لكنه الآن انضم إليهم!

المناضلة ماهينور

أعجبني أن «مصر الآن» تقدم ضمن فيديوهاتها المناضلة «ماهينور المصري» وهي تهتف من داخل القفص: «عمر السجن ما غير فكرة». و»ماهينور» خرجت تهتف من قبل ضد حكم الرئيس محمد مرسي، ولأنها صادقة مع نفسها فقد خرجت تتظاهر ضد حكم العسكر، ليتم سجنها، وعندما اضطر الانقلاب للإفراج عنها، لم تخضع بالقول، فقد أعلنت في استقامة نفتقدها: «القضاء المسيس أخرجني لتحسين صورة النظام».. حيث حرمت الانقلاب حتى من المتاجرة بالإفراج عنها.
وعندما نفر مناضلو الغبراء محتشدين ضد مقتل المناضلة اليسارية «شيماء الصباغ» فقط، كانت «ماهينور المصري» تهتف باسم «شيماء» و»سندس أبو بكر» معاً، والأخيرة قتلها النظام الانقلابي أيضاً في مظاهرات المطرية، لكن لأن «سندس» خرجت تهتف باسم الشرعية، فلم تجد من يبكيها من الطرف الآخر، الذي يتعامل مع الشهداء بالتجزئة، بيد أن «ماهينور» كانت تعبيراً عن ثورة يناير.. «سندس» و»شيماء» و»ماهينور» من الإسكندرية، المحافظة الأشجع في مواجهة الانقلاب العسكري. لقد فقد بعل السيدة لميس الحديدي اتزانه، وقال إنهم سيجعلون أعالي البلد سافلها إن عاد مرسي للحكم، فاته، أنه لن يتمكن من ذلك حينها، لأنه سيغادر الأستوديو على «توك توك» كالذي شاهدنا عليه القذافي بعد أن هتف: «دار دار .. زنقة زنقة».

صحافي من مصر
[email protected]

سليم عزوز

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو محمد-فلسطين:

    كل الاحترام والتقدير أستاذ سليم … مقالاتك رائعه دائما وأبدا

  2. يقول ابو عمر +مصر:

    حمدا لله على سلامتك فقد افتقدناك وافتقدنه اسلوبك السهل الذى يصل الى الهدف من اقصر طريق ولاتحزن على عدم ظهور عبده كفتة فانه لن يظهر مرة اخرى بعدما اهان مصر وجعلها دولة تعيش فى عصر الظلمات وهو سمة عصر جديد ولكن العيب مش عليه العيب على الذى اظهره على الشعب كانه ابو قراط العصر

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية