بمناسبة الذكرى السنوية الثلاثين على انعقاد مؤتمر مدريد، التي صادفت أمس، قال القاضي المتقاعد اليكيم روبنشتاين، الذي ترأس الوفد الإسرائيلي للمسار الأردني – الفلسطيني، إنه “لم يتم إعطاء المكانة المناسبة للمؤتمر، التي تجدر به تاريخياً”. نعم، كان المؤتمر الدولي الأول (والأخير) الذي جلس جلسوا فيه من الممثلين الرسميين الكبار من إسرائيل وسوريا ولبنان ودول الخليج والضيوف من أرجاء العالم. مع ذلك، لم يقربنا المؤتمر من نهاية الاحتلال. حصل على مكانه في التاريخ بفضل إسهامه في إنهاء حكم الليكود، بمساعدة عقوبات الولايات المتحدة التي فرضتها على إسرائيل.
في هذه الفترة التي يتم فيها إطلاق خطة جديدة للبناء في المستوطنات، من اللطيف أن نذكر الثمن الباهظ الذي دفعته حكومة إسحق شامير مقابل رفض تجميد البناء في المناطق أثناء المفاوضات حول مصيرها. وسمي هذا بـ”الرابط” أو “العلاقة”. أدرك الرئيس بوش الأب، عراب مؤتمر مدريد، أن الحكومة الإسرائيلية لا يخطر ببالها التنازل عن أي شبر، فاستغل ضائقتها الاقتصادية على خلفية موجات الهجرة من الاتحاد السوفييتي سابقاً، وطلب من شامير الاختيار بين العشرة مليارات دولار من أموال الضمانات والاستمرار في البناء في المستوطنات.
إن رفض شامير شروط الولايات المتحدة أحدث أزمة في العلاقة مع الإدارة الأمريكية، وعمل على تسريع إعادة الليكود إلى المعارضة. وافقت حكومة إسحق رابين، التي تم تشكيلها بعد انتخابات حزيران 1992 (14 مقعداً للعمل و12 لميرتس)، على تسوية بحسبها يتم خصم أي شيكل يجتاز الخط الأخضر من المساعدات الأمريكية لإسرائيل. للأسف الشديد، لم يطل رابين وقته كي يتمتع بثمار السلام التي بدأت في النضوج في مدريد ومروراً بأوسلو.
بعد ثلاثة عقود و350 ألف مستوطن آخر بعد مؤتمر مدريد، تتوقع إسرائيل أن يتبرع لها دافع الضرائب الأمريكي بالأموال مرة أخرى. تريد حكومة بينيت هذه المرة منحة تبلغ مليار دولار لتجديد مخزون “القبة الحديدية”. فرصة ممتازة لاستعادة رابط 1991. هل تريدون الأموال للقبة الحديدية؟ عليكم إعادة خطط جديدة للبناء إلى الدرج. هل تريدون الإعفاء من تأشيرات الدخول للسياح من إسرائيل؟ عليكم الوفاء بتعهداتكم لبوش الابن وتفكيك جميع البؤر الاستيطانية التي بنيت منذ العام 2001. “إظهار القلق” مثل الذي نشرته وزارة الخارجية الأمريكية في الأسبوع الماضي، يتم استقباله في أوساط الإسرائيليين مثل قصة الكلب الذي عض شخصاً. هكذا أيضاً المعارضة الخفيفة لوزراء حزبي العمل وميرتس.
منذ فترة غير بعيدة، نشرت هذه الصحيفة بأن “حكومة التغيير” معجزة يجب الحفاظ عليها من أي سوء. ولكن المعجزة في السياسة أمر نادر حتى أكثر من معجزة الطبيعة. وأي معجزة لن تنقذنا من كارثة الاستيطان التي ستطارد إسرائيل على مر الأجيال. وذات يوم عندما ينفد الزيت من الجرة ويعود اليمين إلى الحكم، سيطالب وبحق بأن يكتفي جو بايدن بـ “إظهار القلق”. وإذا ابتلعت أحزاب اليسار ضفدع الاستيطان التي يقدمونها لها الآن على طاولة الحكومة، فسيضطر أعضاؤها إلى ملء أفواههم بالمياه عندما يعادون إلى مقاعد المعارضة.
ستتساءلون: ما الذي يريده هذا التطهري؛ هل يريد أن يسقط بايدن الحكومة ويعيد نتنياهو إلى بلفور؟ هذا سؤال جيد. ولكن ما البديل؟ هل يجب على الرئيس الأمريكي أن يظهر للإسرائيليين أن الاستيطان ممكن بدون إزعاج، وفي الوقت نفسه الحصول على أموال العم سام؟ وأن تقوم الولايات المتحدة بتعليم اليهود بأن فرض نظام الأبرتهايد مسموح في أرض إسرائيل، وفي الوقت نفسه الحصول على الدعم من زعيمة العالم الحر، شريطة ألا يكون عازف الناي الذي يقودنا إلى الهاوية هو شخص آخر غير بنيامين نتنياهو؟
بقلم: عكيفا الدار
هآرتس 31/10/2021