ألون بنكاس
الدعم الأمريكي متعدد الأبعاد لإسرائيل منذ 7 تشرين الأول يعد ضخماً: فرشة سياسية ومظلة واستشارة عسكرية ومساعدة مادية كبيرة وتعاطف. ولكنه دعم إلى جانب صورته الإيجابية، لم يمنح بدون شروط وقيود، وتقترب النقطة التي تشخص فيها الولايات المتحدة ابتعاداً في المصالح بينها وبين إسرائيل؛ فقد تتغير ديناميكية الدعم وطبيعة التعاون.
من بين الأمور التي قالها الرئيس الأمريكي بايدن في الشهر الماضي، الأهم منها جميعاً من ناحية استراتيجية، لم تكن تصريحات حبه الصادق لإسرائيل، بل وصفه لما يحدث في العالم كجزء من “تحرك طبقات التكتون” الذي يحدث بين حين وآخر، ويخلق خطوط فصل بين تحالفات مختلفة. هذا يؤثر على رؤية “اليوم التالي” للولايات المتحدة، في حين أنه من غير الواضح لها ما هي رؤية إسرائيل لذلك.
الزيارة الثالثة لوزير الخارجية الأمريكي إلى إسرائيل منذ 7 تشرين الأول، الجمعة الماضي، والمحادثات شبه اليومية بين بايدن ونتنياهو، وقدوم حاملة الطائرات دوايت آيزنهاور إلى الشرق الأوسط، والانضمام لحاملة الطائرات جيرالد فورد، والنقاشات في الكونغرس حول رزمة المساعدة التي تبلغ 14.3 مليار دولار… كل ذلك يخلق انطباعاً متراكماً بأن الدعم الأمريكي لإسرائيل بقي على حاله.
في شهادته في لجنة التخصيص في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، وأثناء زيارته لإسرائيل وفي اللقاء الذي جرى أمس في عمان مع وزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر والإمارات وقطر وممثل اللجنة التنفيذية في م.ت.ف، تحدث بلينكن بالفعل عن الحاجة إلى هدنة إنسانية. ولكنه ذكر بوضوح بأنه لا إمكانية لاستمرار حكم حماس في غزة. لذا، لا يوجد أي طلب أو أي نصيحة أمريكية حاليا لوقف إطلاق النار. عودة إلى الوضع الراهن، أي إلى واقع ما قبل 7 تشرين الأول، والحفاظ على ما تبقى من القدرات الحكومية في يد حماس، أمر غير وارد في الحسبان.
الهدف الأمريكي الأكبر هو منع التصعيد الذي قد يورط الولايات المتحدة في حرب. كان خوف أمريكا الأول أنه لنتنياهو مصلحة في التصعيد، الذي من خلال سلسلة أحداث سيؤدي إلى هجوم أمريكي ضد إيران. درجة ثقة الولايات المتحدة بنتنياهو وقراراته متدنية جداً، لكن هذا الخوف تبدد في هذه المرحلة. ترى الولايات المتحدة أن ما يردع إيران و”حزب الله” هو حاملات الطائرات وليس الجيش الإسرائيلي.
لقد احتل مكان الخوف من التصعيد انتقاداً آخر، وهو أن إسرائيل لا تملك هدفاً سياسياً محدداً وواضحاً، تشتق منه عملية عسكرية واسعة. لا توجد مشكلة للولايات المتحدة، عملية أو سياسية أو أخلاقية، مع رد إسرائيل. هناك أسئلة لم تتم الإجابة عليها، مثل: كيف ترى إسرائيل “اليوم التالي”؟ من الذي سيملأ فراغ الحكم في غزة؟ التقويض العسكري لحماس أمر مرغوب فيه، وكذا تصفية قدراتها الحكومية، ولكن ماذا بعد؟ هذه الأسئلة لم يحصل بايدن وبلينكن ومستشار الأمن القومي الأمريكي ورئيس الـ سي.آي.ايه على أي إجابة عليها.
دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ما زال كبيراً. الساحة السياسية والإعلامية الداخلية في أمريكا بدأت تزعج بايدن. ورغم أن الانتخابات ستكون بعد سنة، 5 تشرين الثاني 2024، هذا وقت سياسي كبير جداً، ورغم أن انتخابات الولايات المتحدة لم تهمها المواضيع الخارجية، ولكن بايدن بات معنياً بالوصول إليها، والولايات المتحدة متورطة بشكل كبير في درجة قوة مختلفة ولكنها خطيرة، في حربين هما أوكرانيا وغزة، وربما خلال تصعيد في لبنان ومع إيران التي قد تورط الولايات المتحدة بصورة نشطة.
حظي بايدن بدعم وتقدير وشعبية حول وقوفه إلى جانب أوكرانيا وتعزيز الناتو وإدارة الأزمة أمام روسيا. ثمة دعم مشابه أعطي له حول دعمه لإسرائيل في الأسبوع الأول بعد 7 تشرين الأول. ولكن الشرق الأوسط يعد تحدياً مختلفا؛ فهو مستنقع وحل لا أفضليات أو إنجازات فيه، الذي تريد الولايات المتحدة التصديق بأنها انفصلت عنه. إذا كان الانتقاد حول استمرار دعم أوكرانيا هو من الجانب الشعبوي الجمهوري، فإن انتقاد بايدن يأتي من حزبه هو نفسه في مسألة الحرب في غزة.
بايدن غير قلق سياسياً من تصريحات عنيفة ومتوقعة من قبل رشيدة طليب، العضوة في مجلس النواب، وهي من أصل فلسطيني من ولاية متشيغان. في الفيلم الذي نشرته طليب، قالت إن الرئيس “يؤيد إبادة شعب”، وأعلنت بثقة بأن “المواطنين الأمريكيين لن ينسوا ذلك في 2024”. التهديدات العبثية لا تؤثر على بايدن وعلى معظم الحزب، لكن صداها يدوي بشكل خطير في أوساط جزء من المصوتين للحزب.
للسيدة طليب تاريخ غني من التصريحات المتطرفة والمختلف عليها. لم تكلف نفسها عناء فحص تعريف “إبادة شعب”. في أعقاب الحرب العالمية الثانية وكارثة يهود أوروبا، اتخذت المنظمة الجديدة التي قامت للتو، الأمم المتحدة، قرار 260 في الجمعية العمومية الذي يعرف إبادة الشعب: هي جريمة دولية تشمل “خطوات تتم بهدف إبادة بصورة كلية أو جزئية، لمجموعة قومية أو عرقية أو دينية”. العمليات الإسرائيلية في قطاع غزة حتى بالنسبة لمن ينتقدها، لا تقترب من تعريف إبادة الشعب، سواء من ناحية النية أو الفعل، ولا من خلال التخطيط.
المستشارون السياسيون ومديرو حملة بايدن الانتخابية يقلقون من الضرر المتراكم في أوساط المصوتين الديمقراطيين الشباب الذين ترتبط خيبة أملهم وغضبهم بقضايا داخلية وليست خارجية. ولكن وقوفه إلى جانب إسرائيل يخلق بالنسبة لهم التماهي مع الفلسطينيين. في الاستطلاعات التي جرت منذ بداية الحرب في غزة، يظهر هناك انخفاض كبير، 11 في المئة في المتوسط، في تأييد بايدن في أوساط الفئة العمرية 18 – 25، التي تتناسب مع درجة الدعم المتدنية لإسرائيل. المشكلة المحتملة هي أن تراكم الغضب من بايدن سيؤدي إلى عدم التصويت في ولايتين رئيسيتين، وسكنسون، حيث مجموعة كبيرة للطلاب، وميتشغان حيث العدد الأكبر للعرب في أمريكا – ربما أيضاً بنسلفانيا وإريزونا وجورجيا. طريقة الانتخابات المشوهة في الولايات المتحدة هي التي تمكن بايدن من الفوز بأغلبية 5 ملايين، وأن يخسر الانتخابات بسبب 3 ولايات من بين الـ 5. هذا ما حدث لهيلاري كلينتون في 2016.
الولايات المتحدة، خلافاً لإسرائيل، تحدد الخطوط الأساسية “لليوم التالي” – ترى نظاماً دولياً في غزة أو قوة متعددة الجنسيات. الواقع في غزة سيتوسع إلى الضفة الغربية وإسرائيل، وسيطلب منها التعاون في اليوم التالي. مشكوك فيه أن يطلب من هذه الحكومة، بل من الحكومة التي ستأتي بعدها. تم جر الولايات المتحدة رغم أنفها للانشغال بغزة، من خلال التزامها بإسرائيل. ولكن سيتبين قريباً أن هناك فجوة كبيرة في الرؤية بخصوص نفس “اليوم التالي”.
هآرتس 5/11/2023