في العام 1991 شنت قوات تحالف دولي، بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، ما سمي حينها بـ»حرب تحرير الكويت» على قوات صدام حسين التي كانت احتلت الكويت في شهر آب/اغسطس من عام 1990. نجح التحالف في طرد المحتل العراقي، خلال فترة قصيرة، وتابع تقدمه شمالاً داخل الأراضي العراقية. بتشجيع من الولايات المتحدة، كانت المعارضة الشيعية في الجنوب قد أطلقت انتفاضتها على نظام صدام حسين، فجاء توغل القوات الامريكية في مناطق الانتفاضة بمثابة الدعم المباشر لتلك المعارضة للمضي قدماً إلى هدفها المتمثل بإسقاط النظام.
لكن الرئيس الامريكي جورج بوش (الأب) أمر بإيقاف تقدم قواته، فجأةً، بعدما باتت قريبة من العاصمة بغداد. فقد كان الهدف من الحرب الامريكية، في إطار التحالف الذي تقوده، هو تحرير الكويت. وقد تحقق. أما إسقاط نظام صدام، الذي بدا داني القطاف، فلم يكن ضمن سلة الأهداف. وهكذا انسحبت القوات الغازية من جنوب العراق تاركةً سكان الجنوب لقمة سائغة لوحشية صدام حسين الذي قتل ودمر كما يفعل بشار الأسد بالسوريين اليوم منذ أربع سنوات.
في ردها على رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو الذي تشترط حكومته استهداف نظام بشار الكيماوي شرطاً للمشاركة التركية في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، قالت الناطقة باسم الخارجية الامريكية جين بساكي: هدفنا هو تنظيم داعش، لا نظام الأسد!
كذلك اتضح الأمر بعد ضرب نظام بشار لغوطة دمشق بالسلاح الكيماوي. فبعدما بذل الرئيس أوباما ووزير الخارجية كيري جهوداً مضنية لإقناع الكونغرس بضربة محدودة لنظام الأسد عقاباً له على استخدامه السلاح الكيماوي ضد الشعب، من غير الشعور بالحاجة إلى استئذان مجلس الأمن الذي أغلقه الروس والصينيون في وجه أي قرار دولي بمجرد إدانة الأسد على فظائعه، ومع إعلان موسكو، برغم ذلك، أنها لن تقاتل دفاعاً عن نظام الأسد.. أوقف أوباما العملية برمتها حين جاءه العرض الروسي بتسليم الأسد لسلاحه الكيماوي. كم يشبه هذا القرار قرار جورج بوش بوقف زحف قواته نحو بغداد لإسقاط الطاغية العراقي.
وكما فهم صدام، حينذاك، القرار الامريكي على أنه تفويض له بارتكاب المجازر بحق سكان الجنوب، كما لو كان ذلك جائزة ترضية له على إخراجه الذليل من الكويت، فهم الجزار السوري إلغاء الضربة الامريكية ضده مقابل تسليمه سلاحه الكيماوي، تفويضاً أميركياً له بقتل ما تبقى من السوريين بجميع الأسلحة ما عدا الكيماوي، فانهالت على حلب وحدها آلاف البراميل المتفجرة التي أفرغت شرقي حلب الخارج عن سيطرته من سكانه.
وها هي الولايات المتحدة تعاود الكرة للمرة الثالثة اليوم بالقول إن هدفها من الحرب الراهنة هي داعش وحدها، وإنها غير مهتمة بإسقاط النظام المتهالك.
النظام الذي أخذ على حين غرة حين بدأ القصف الجوي داخل الأراضي السورية بواسطة طائرات أميركية وعربية، بعدما اقتصر قبل ذلك على مواقع داعش في العراق، رحب بهذا الاختراق لـ»سيادته» العزيزة عليه، وقال على لسان وزير خارجيته وليد المعلم: «إن أي عدوان على سوريا يجب أن يتم التنسيق بشأنه مع السلطات السورية»! في إقرار منه بأن النظام يمارس «العدوان» على سوريا ويطالب تلك الدول التي طالما اتهمها بدعم الإرهابيين بـ»التنسيق» معه في هذا العدوان!
كان لداعمي النظام الإيرانيين واللبنانيين رأي آخر، فوقفوا ضد التحالف ما إن بدأت غاراته على الأراضي السورية، بسبب استبعاد نظام الأسد، بعد إيران، من صفوف التحالف. وهكذا اضطر الإيرانيون لإرسال مبعوثهم شمخاني إلى دمشق لمعاتبة واليهم على الشام على ترحيبه بضربات التحالف على مواقع داعش داخل الأراضي السورية. فتغيرت، منذئذٍ، لغة الأسد وإعلامه المقاوم بصدد التحالف، فقالوا إن داعمي الإرهاب لا يمكن أن يكافحوه، وإن للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أهدافاً أخرى خبيثة، بدلالة أن دول التحالف أعلنت عن نيتها في تدريب 5000 مقاتل من «المعارضة المعتدلة» (وهؤلاء إرهابيون في عرف نظام دمشق) لملء الفراغ الذي سينجم عن تحجيم داعش والقضاء عليه في المناطق التي يسيطر عليها حالياً.
الواقع أن الانخراط العسكري الامريكي المفاجئ في المنطقة، وباستراتيجية غامضة أو مرتبكة لا تحدد أهدافاً واضحة وقابلة للتحقيق ولا مدىً زمنياً محدداً، قد أربك جميع القوى الفاعلة في المنطقة. فمصر السيسي تريد من التحالف محاربة جماعة الإخوان المسلمين أيضاً كما يفهم من تصريحات مسؤولي النظام. فيما تريد تركيا محاربة الفصائل المسلحة الكردية الدائرة في فلك حزب العمال الكردستاني، وإسقاط نظام الأسد، فيما تطالب المعارضة الكردية في تركيا حكومة داوود أوغلو بالتدخل العسكري في بلدة كوباني لمصلحة قوات حماية الشعب الكردية المدافعة عن البلدة، وترفض المعارضة العلمانية أي مشاركة تركية في الحرب بدعوى أن هدف الحكومة الإسلامية من مشاركة مماثلة هو إسقاط نظام الأسد. أما المعارضة السورية الممثلة في «الائتلاف» وقيادة هيئة أركان الجيش الحر، فهي تشكو من عدم استشارة الامريكيين لها بشأن حرب التحالف على تنظيم داعش.
في غضون ذلك يستمر التفارق بين المحورين السعودي – الفرنسي ـ المصري والقطري ـ التركي بشأن سوريا وغيرها من مشكلات الإقليم، بموازاة صراع شيعي ـ سني يمتد من بغداد إلى بيروت إلى صنعاء، في إطار التناقضات التي تعتمل صفوف التحالف الدولي العريض الذي أطلقته واشنطن لمحاربة داعش، فيما تواصل طمأنة جزار دمشق على أنه لن يكون هدفاً لعمليات التحالف داخل سوريا. وهكذا تكرر الولايات المتحدة الخطأ الذي ارتكبته إدارة بوش في العراق في 1991، وخطأ إدارة أوباما نفسها حين ألغت الضربة العقابية لنظام الأسد الكيماوي العام الماضي.
لكن التاريخ لن يكرر نفسه. فلا الحرب على داعش يمكن أن تحقق هدفها المعلن بالقضاء على دولة البغدادي، ولا نظام دمشق الكيماوي يملك من القوة والامكانات ما يمكن أن يساعده على الصمود سنوات إضافية هي العمر الافتراضي للحرب الامريكية كما يقول أركان الإدارة.
٭ كاتب سوري
بكر صدقي
انها نظرية الاحتواء يا أستاذ بكر
فهم لا يريدون خسارة النظام السوري لأنه لا يوجد بديل عنه
وكذلك لا يريدون للسنة القيادة لا بالعراق ولا بسوريا ولا بلبنان
الأمريكان والصفويين متحالفين لآخر المشوار
ولا حول ولا قوة الا بالله