انتقاما لمقتل 3 من جنودها: أمريكا تضرب 3 دول عربية!

الولايات المتحدة تنتقم لثلاثة من قتلاها وإسرائيل، بضرب ثلاث دول عربية هي العراق وسوريا واليمن، معلنة بوقاحة أن هذه الضربات ما هي إلا مجرد البداية، وأن من حقها أن تختار متى تنتقم، وأين تنتقم وممن تنتقم، وإلى متى يطول الانتقام. فماذا إذن إذا أردنا تطبيق المعيار نفسه على حق 30 ألف فلسطيني مدني بريء استشهدوا حتى الآن، في الانتقام من قاتليهم، الذين سرقوا منهم حق الحياة، ويتّموا أولادهم، ودمروا مساكنهم، وما زالوا يفعلون؟ إذا كان من حق إسرائيل أن تقتل 30 ألف فلسطيني أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، ومن حق الولايات المتحدة أن تقتل من تشاء وتدمر ما تشاء، في ثلاث دول عربية هي العراق وسوريا واليمن، انتقاما لمقتل ثلاثة من جنودها، ودعما لحرب إسرائيل في إبادة الفلسطينيين، فإن من حق الذين ظُلِموا أن يدافعوا عن أنفسهم بكل الطرق، وفي كل مكان، انتقاما من ظالميهم. ولهذا فإن الضربات التي تتلقاها القوات والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط لن تتوقف، من سوريا إلى العراق ولبنان واليمن وفلسطين.

الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تتجه منذ منتصف العقد الماضي إلى زيادة الاعتماد على إسرائيل عسكريا واستراتيجيا، لتعويض تخفيض وجودها العسكري هناك

لن يتوقف أنصار الله في اليمن عن ضرب السفن الأمريكية والإسرائيلية ومصالحهما في البحر الأحمر، ولن تتوقف قوات المقاومة الشعبية في العراق وسوريا عن استهداف القواعد العسكرية الأمريكية، ولن يتوقف حزب الله عن ضرب إسرائيل، ولن تتوقف المقاومة الفلسطينية عن استنزاف الجيش الإسرائيلي في غزة، الذي وقع في مصيدة حرب المدن، كما يظهر حاليا في غزة ودير البلح وخان يونس ورفح. وتكون الولايات المتحدة واهمة إذا اعتقدت أنها يمكن ان تحقق الردع باستخدام أشد الأسلحة فتكا، مثل القنابل زنة طن (2000 رطل) من المتفجرات، وصواريخ «توماهوك»، وقاذفات القنابل «B-1» الاستراتيجية، وكل طائرات وسفن وصواريخ المجموعة القتالية لحاملة الطائرات أيزنهاور، إضافة إلى مقاتلات وقاذفات وقطع بحرية بريطانية. لقد أسقطت المقاومة الفلسطينية قوة الردع الإسرائيلية، وها هي أيضا تسقط قوة الردع الأمريكية في المنطقة.

صفات الحرب القذرة

وحتى إذا نظرنا إلى العدوان الأمريكي على العراق وسوريا على أنه دفاع عن النفس، وإلى عدوانها على اليمن على أنه دفاع عن حرية مرور السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، فإنها في الحالين تدافع عن إسرائيل، وعن تمكينها من الهيمنة الإقليمية، والمحافظة على تفوقها العسكري النوعي الساحق، وعن تثبيت استراتيجية الردع التي انهارت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وقد اكتسب العدوان الأمريكي أربع صفات أساسية تضعه في خانة الحروب القذرة عبر التاريخ. الصفة الأولى هي أنه عدوان لا يتناسب أبدا مع حجم الخسارة التي تعرضت لها القوة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، فهو من الناحية العسكرية disproportionate قياسا إلى واقعة مقتل جنودها الثلاثة. الصفة الثانية هي أن العدوان الأمريكي لا يميز بين من تتهمهم بالضلوع في واقعة مقتل جنودها، وغيرهم، إنه اذن عدوان يعم ولا يخص indiscriminate يضرب أماكن مختلفة في أكثر من دولة، وليس موجها إلى المقصودين بالمسؤولية عن مقتل جنودها، كما زعمت. الصفة الثالثة التي يتصف بها العدوان الأمريكي هي أنه استفزازي provocative من شأنه أن يولد ردود فعل عكسية ضد الوجود العسكري للولايات المتحدة في المنطقة وضد سياستها بشكل عام. أما الصفة الرابعة فهي أن هذا العدوان هو عمل انتقامي retaliatory يمثل تحولا عن القانون الدولي، وابتعادا عن مبدأ حل النزاعات بالطرق السلمية واللجوء إلى قواعد ومعايير النظام الدولي، التي تدعي الولايات المتحدة انها تدافع عنه وتطالب العالم الالتزام به. إن الطابع الانتقامي للحرب، يكشف أيضا أن الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية متماسكة للشرق الأوسط، وأن هذه الحرب قد تستمر بلا نهاية، مثلها مثل كل الحروب التي تخوضها منذ نهاية الحرب الباردة. ويكفي انها حاربت طالبان في أفغانستان لمدة 20 عاما، ثم انسحبت وسلمت الحكم إلى طالبان! هذه الصفات الأربع للحرب القذرة التي تفرضها الولايات المتحدة على الشرق الأوسط، إذا احتذت بها كل دولة تستطيع فعلها والإفلات بها، من دون عقاب، فإن العالم كله سينقلب إلى غابة يعيش فيها وحوش غير آدميين. فهل هكذا تضرب الولايات المتحدة المثل للعالم؟ أم أنها تسن لنفسها سنة وتطالب غيرها باحترام قواعد القانون الدولي الذي تدوسه بأحذية قذرة؟ أم أنها تحذو في ذلك حذو إسرائيل التي تتصف حربها على الفلسطينيين في غزة بتلك الصفات الأربع وأكثر؟ الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط تتجه منذ منتصف العقد الماضي إلى زيادة الاعتماد على إسرائيل عسكريا واستراتيجيا، لتعويض تخفيض وجودها العسكري. لكن تسليم إسرائيل مفاتيح القيادة الإقليمية يرتبط أيضا بشروط إسرائيلية، منها ضمان التفوق العسكري الساحق، وقيام الولايات المتحدة بتسهيل دمج إسرائيل في المنطقة وهيمنتها عليها. وتقول إسرائيل إن حاجة أمريكا إلى دورها إقليميا زادت بسبب ما تصفه بنزعة إيران لتوسيع مجالات نفوذها، وهو ما يضر بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية. كما تقول أيضا إن شروطها لقيادة المنطقة أصبحت أقرب إلى التحقق بفضل ثلاثة عوامل جديدة، الأول هو أنها انضمت إلى منطقة عمليات القيادة العسكرية المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط CENTCOM. والثاني هو «اتفاقيات إبراهيم» التي قامت على أساس مبدأ «السلام مقابل السلام»، ما يتيح لها مجالات حيويا لإقامة وتوسيع علاقات استراتيجية مع الدول العربية، من دون أي شروط متعلقة بالقضية الفلسطينية. أما العامل الثالث لتمكين النفوذ الإسرائيلي إقليميا، فيتمثل في «التطبيع» المرتقب مع المملكة السعودية، وهو الطموح الذي تعمل الولايات المتحدة على جعله أمرا واقعا في أقرب وقت ممكن.

حماية إسرائيل وتمكينها

تعتبر استراتيجية الردع العسكري، أهم مقومات القوة الإسرائيلية الإقليمية، لكن نجاح المقاومة الفلسطينية في إسقاط تلك الاستراتيجية جعل الولايات المتحدة أيضا تشعر بخيبة أمل شديدة، لأنها كانت تعتبر أن قدرة إسرائيل على الردع، تمنح القوات الأمريكية مساحة واسعة لتركيز مجهودها الاستراتيجي في جبهتي آسيا والمحيط الهادي ضد الصين، وفي أوروبا ضد روسيا. هذا يعني أن أمريكا تطمح إلى أن تكون إسرائيل هي أداتها الرئيسية للردع في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق تدور منذ عام 2018 مناقشات جادة في واشنطن وتل أبيب بشأن إقامة تحالف عسكري بين الجانبين. وعلى الرغم من أن المجلس اليهودي العالمي ودوائر اللوبي الصهيوني – الأمريكي داخل الكونغرس تدعم هذا التحالف، فإن هناك تباينا في وجهات النظر بشأن الهيكل الذي يمكن أن يتجلى فيه هذا التحالف، والآليات التي يمكن أن يعتمد عليها. أحدث وجهات النظر في هذا الموضوع جاءت في وثيقة أصدرها المجلس اليهودي للأمن القومي في أمريكا (JINSA) في سبتمبر/أيلول الماضي، أي قبل عملية طوفان الأقصى بأسابيع قليلة، لشرح دواعي ضرورة تحول العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة من «شريك» إلى «حليف». وجاء في هذه الورقة أن السبب الجوهري وراء التحالف العسكري المطلوب بينهما، هو إضافة طبقة أخرى من طبقات الردع إلى المكانة الاستراتيجية لإسرائيل، وإلى مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما يجعل هذا التحالف العسكري خط الدفاع الأخير لكل منهما في المنطقة. ولا يقوم هذا التحالف على أساس مبدأ «الاعتداء على واحد هو اعتداء على الكل» وهو المبدأ الذي تنص عليه المادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلنطي، ولكنه يغطي مجالات محددة بدقة مثل الوقوف ضد استخدام أسلحة الدمار الشامل أو التهديد بها، أو مواجهة عدوان مسلح واسع النطاق تقوم به قوة إقليمية، أو تحالف قوى عالمية من خارج الإقليم، أو هجوم يؤدي إلى تهديد خطوط الاتصالات والمواصلات الحيوية في المنطقة، بحرا أو جوا، أو أي هجوم من شأنه إضعاف التفوق العسكري النوعي الإسرائيلي، إضافة إلى التزام كل من الطرفين بالاستجابة لأي طلب عاجل بالتدخل، من دون أن يتضمن ذلك أي التزام أمريكي بإنزال جنود على الأرض للمشاركة في قتال. وتتضمن أهداف التحالف العسكري أيضا حماية المصالح الاستراتيجية والاقتصادية لكل من الطرفين. وتتضمن فوائد التحالف العسكري الأمريكي الإسرائيلي ما يلي: توفير قوة ردع كافية لإنهاء الصراعات وبناء مقومات الاستقرار في الشرق الأوسط، و تعزيز مصداقية الولايات المتحدة، وتنسيق توجهات السياسة الخارجية لكل من البلدين في ما يتعلق بتحديد الأولويات على المستوى العالمي، وتمكين إسرائيل استراتيجيا، وتعزيز قدرات كل من الولايات المتحدة وإسرائيل عالميا، وتحصين العلاقات بينهما من التقلبات السياسية. نجاح هذا التحالف العسكري يقلل فرص وصول الصين إلى أوروبا بحرا، ويفتح الباب لطرد روسيا من البحر المتوسط.
كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية