كان عدد جنود الجيش الامريكي قبيل الحرب العالمية الثانية أقل من 175 ألفا، وكان مدرجا في مكان ما بين جيشي المكسيك وبلغاريا. بل كان جيش الولايات المتحدة في بداية 1941 صغيرا نسبيا. وكان سلاح الجو الامريكي يعتبر فكاهة اذا قيس باسلحة الجو في المانيا وبريطانيا وروسيا واليابان. وتغير الوضع تغيرا أساسيا فقط بعد حادثة بيرل هاربر واعلان الحرب الالماني في نهاية 1941. إن هذه المعطيات التاريخية تصبح ذات معنى واقعي في ضوء استقرار رأي الرئيس براك اوباما ووزير دفاعه هيغل على تقليص حجم الجيش الامريكي الى ما كان عليه عشية الحرب العالمية الثانية، والتقليص كذلك في قدرة سلاح الجو الهجومية. إن ذكرى الحرب العالمية الثانية تثير سؤال هل القصد الى مقدار القوات التي كانت في بدء سنة 1941 حينما كان عدد جنود الجيش أقل من 200 ألف أم الى ما كان في نهايتها. وجواب وزير الدفاع هيغل في الوسط، أي أن الجيش الامريكي سيُقلص الى 450 ألف جندي وهذا لا يكفي لنشاط واسع النطاق في عدة جبهات اذا احتيج اليه. وقد تكلم ‘رجل رفيع المستوى من وزارة الدفاع الامريكية’ كما عُرف في وسائل الاعلام قائلا إنه ‘لا يمكن أن توجد وزارة دفاع كبيرة حينما لا توجد حروب كبيرة’، وهو ما يشهد شهادة واضحة على تصور الادارة الحالية لدور امريكا باعتبارها القوة العظمى العالمية أو كما اعتادوا أن يصفوها في الماضي ‘شرطي العالم’. تعلمون أن صورة واحدة تساوي ألف كلمة، وإن الرسم الكاريكاتوري الساخر الذي نشر مؤخرا في النسخة الدولية من صحيفة ‘نيويورك تايمز’، وهي صحيفة تؤيد ادارة اوباما على نحو عام، يقول كل شيء في الحقيقة: فقد جلس الرئيس مع مستشاريه حول المائدة في البيت الابيض، ولاحظ أحدهم أن تهديد الارهاب أخذ يزداد وزعم آخر أنه لا يمكن الاعتماد على بوتين، وأثار ثالث تهديد كوريا الشمالية، ورابع تهديد الذرة الايرانية وما أشبه. الى أن سأل أحد المستشارين الرئيس آخر الامر: ‘ماذا يجب علينا أن نفعل اذا؟’ فأجاب الرئيس وعلى شفتيه ابتسامة رضى واسعة: ‘أن نقلص الجيش’. إن التعليل الرئيس عند الادارة لقرار تقليص الجيش متصل بالضرورات الاقتصادية والميزانية للولايات المتحدة وينبغي عدم الاستخفاف بذلك لكن هذا يثير بالطبع اسئلة تتعلق بترتيب أولويات الادارة، وتتعلق كذلك وبقدر لا يقل عن ذلك برؤية الادارة الحالية لمكانة امريكا في الخريطة العالمية، وهناك تفسير آخر للتقليص المخطط له وهو أن صورة الحرب قد تغيرت (وهذا صحيح) وأنه يفضل أن يكون لامريكا في المستقبل ‘جيش صغير ذكي’. ونحن نعرف هذه المقولة عندنا، لكن المشكلة هي أن نتيجتها العملية تكون احيانا أن الجيش يكون صغيرا حقا لكنه لا يكون بالضرورة ذكيا جدا. في السنوات بين الحربين العالميتين مال اكثر الامريكيين الى التمايز الذي كان التعبير عنه طموحا الى عدم التورط في مغامرات وراء البحر وهو البحر أو المحيطات اذا شئنا الدقة التي منحتهم المنعة من العدوان من الخارج. من المبالغ فيه أن نقول إن امريكا اليوم عادت الى تلك الايام، لكن يبدو احيانا أن بقايا هذه العقلية غير غائبة تماما عن خطوط تفكير متخذي القرارات الحاليين في واشنطن. ‘الحرب في سوريا فظيعة’، قالت سوزان رايس، مستشارة الامن القومي للرئيس في مقابلة تلفزيونية، لكن ‘التدخل البري ليس من المصلحة الامريكية’. ويلاحظ ريتشارد كوهين، وهو محلل رفيع في صحيفة ‘واشنطن بوست’، على ذلك أن العالم يراقب انطواء القوة الامريكية وكل ما ينبع من ذلك. في هذا السياق، يجب على اسرائيل وحليفات امريكا الاخرى في الشرق الاوسط أن تسأل نفسها ما هي التاثيرات المحتملة للسياسة الامنية الامريكية في الشأن الايراني؟ وهل ما زال الخيار العسكري الذي تذكره الادارة حينا بعد حين، ذا صلة بالواقع؟ إن الجواب من جهة موضوعية هو أنه برغم التقليص المخطط له للقدرة العسكرية الامريكية، سيبقى لها تفوق عسكري مطلق على ايران ولهذا سيكون التقدير الذي يواجه الرئيس اوباما هل يعمل أو لا يعمل عسكريا، سيكون سياسيا واراديا لا عسكريا.