أمرٌ طبيعيٌّ ومنطقيٌّ ومفهوم، أن يكون موضوع الانتخابات الأمريكية المقبلة، بعد ستة ايام، في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، هو الشاغل الأساسي الأهم في جدول اعمال واهتمامات الناس، (كل الناس) في طول العالم وعرضه، من رجال السياسة والأمن والإقتصاد والمجتمع والإعلام والفنون، الى رجال الصحة والبيئة، وصولاً الى أكثر الناس بساطة في عالمنا ككل.
ذلك أن من سينتصر في هذه الانتخابات، ليس مجرد «رئيس» وليست أمريكا مجرد «دولة» بالمعنَيَين المتعارف عليهما في الحياة السياسية.
نوضح المعاني المقصودة، واسباب الاهتمام العالمي البالغ بهذه الانتخابات، في النقاط التالية:
1 ـ نظام الحكم في أمريكا هو ما يسمى في مناهج العلوم السياسية، نظام «جمهورية الرئيس» حيث تنتقل السلطة هناك، استنادا الى ما تفرزه صناديق الاقتراع في الانتخابات التي تجري مرة كل أربع سنوات تماما، حتى لو مات الرئيس أثناءها او عزل او اعتزل لأي سبب كان. وهذا بفضل ان الانتخابات اساساً تكون لاثنين: الرئيس ونائب الرئيس. وحتى لو شغر منصب الرئيس من الرئيس نفسه، ولحق بذلك شغور المنصب من نائب الرئيس، فإن المنصب يوكل الى رئيس «مجلس النواب» المكوِّن الثاني للكونغرس الأمريكي.
2 ـ يتولى «الرئيس» هناك بمفرده شرعية «السلطة التنفيذية» (إحدى السلطات الثلاث، مع «السلطة التشريعية» و«السلطة القضائية») ويستعين الرئيس لتنفيذ سياساته وقراراته بـ«إدارة» مكونة من عدد من الاشخاص يحدده هو. بمعنى ان لا وجود لـ«حكومة» في أمريكا، ولا وزراء، بالمعنى المتعارف عليه في العالم، بل هناك، رسمياً، «سكرتير للشؤون الخارجية» مثلا، وليس «وزير خارجية» و«سكرتير لشؤون الدفاع» وليس «وزير دفاع» وهكذا بالنسبة لبقية مشاغل الحكم من المالية والصحة والتعليم والبيئة وكل ما عداها. هذا دون أن نغفل أن الكثيرين في عالم السياسة والإعلام وغيرهما، يطلقون، تجاوزاً، صفة «وزير» على هذا المسؤول الأمريكي او ذاك.
3 ـ من هنا فإن من يحكم أمريكا، ومن سيتم انتخابه بعد ستة ايام، هو أقرب الى كونه «دكتاتوراً» من كونه مجرد رئيس، ولكنه دكتاتور منتخب لفترة محدودة طولها اربع سنوات، (مع حق بانتخابه لفترة حكم اضافية واحدة) وهو بذلك «دكتاتور محكوم بمدة صلاحية محددة».
4 ـ على أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، الا اذا تجاوزنا الحقيقة والواقع العملي، واعتبرنا، مخطئين، أن الولايات المتحدة الأمريكية مجرد «دولة» ونكون عندها قد سرنا، مخطئين، على طريق من ترجم كلمة «state» الى اللغة العربية على انها «ولاية» في حين أن ترجمتها الصحيحة، (في هذا السياق تحديداً) هي «دولة» ونكون بذلك امام «امبراطورية» مكونة من خمسين دولة، لكل واحدة من هذه الدول برلمانها الخاص وحاكمها الخاص وقوانينها الخاصة ايضا، في كل مناحي الحياة العادية، (مثل قوانين الاجهاض وطريقة الاقتراع، ومتاجر بيع الأسلحة وغيرها) ويستثنى من ذلك القضايا السيادية، مثل التمثيل الخارجي وقضايا الجيش والأمن وما شابه ذلك، الموكلة الى من يتم انتخابه. بهذا نكون امام حقيقة ان من ينتصر في الانتخابات الأمريكية، ليس مجرد «رئيس» وليس مجرد «دكتاتور» فقط، بل هو «امبراطور» يحكم خمسين دولة، (واحدة منها، هي كاليفورنيا، مثلاً، تملك سابع او ثامن اكبر اقتصاد في العالم). وبهذا المعنى فإن الدول الخمسين التي تتكون منها «امبراطورية» الولايات/الدول المتحدة الأمريكية، هي التي انتخبت الرئيس/الدكتاتور/الامبراطور الأمريكي. ذلك ان كل واحدة من هذه الدول/الولايات، تنتخب مندوبيها الى مجلس النواب الأمريكي، ومجموع عددهم 435 مندوبا، من بين مرشحي الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، والحزب الذي يفوز بعدد النواب الاكثر، يصوّت باسم الولاية/الدولة، ككل، للرئيس الذي ينتمي للحزب المعني. بهذا فان المواطنين الأمريكيين لا ينتخبون الرئيس الأمريكي بشكل مباشر، لكن دولتهم/ولايتهم هي التي تنتخب الرئيس بشكل مباشر.
عانى شعب فلسطين كثيراً، من سياسات الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، ومن أعضاء إدارته. وأسوأ ما في سياسات ترامب هو فجاجتها ودونيتها وسطحيتها، من نقل السفارة إلى القدس، إلى اعترافه بها «عاصمة لإسرائيل»
5 ـ السلطة التشريعية الأمريكية، «الكونغرس» مكون من 535 مندوباً، موزعين على مجلسين: مجلس الشيوخ، (100 عضو) ومجلس النواب، (435 عضواً)؛ حيث لكل واحدة من الولايات/الدول الأمريكية الخمسين، (بغض النظر عن عدد سكانها) عضوان في مجلس الشيوخ، ويتم انتخاب كل واحد منهم لفترة ست سنوات، ويجري انتخاب نحو ثلثهم، (ونقول «نحو ثلثهم» لان العدد 100 لا ينقسم لثلاثة اثلاث متساوية) كل سنتين، في حين ان مقاعد مجلس النواب الـ435، يتوزعوون على مجموع الولايات/الدول بشكل مطّرد مع عدد السكان في كل واحدة منها، استنادا لنتائج عملية الاحصاء السكاني التي تجري عادة كل عشر سنوات، بحيث تحتل كاليفورنيا 55 مقعدا، لأنها الأكثر سكاناً، في حين تشغل العديد من الولايات/الدول الصغيرة مقعدين، وبعضها ثلاثة مقاعد فقط. (ويمكن أن نسجل هنا وجود ستة مندوبين اضافيين في مجلس النواب، أحدهم يمثل العاصمة الفيدرالية، واشنطن، لكنهم لا يملكون حق التصويت).
6 ـالى جانب هذه الحقائق عن الانتخابات في أمريكا، وعن تركيبتها وتعقيداتها، فإن الولايات المتحدة هي القوة العظمى (ولا اقول «العظيمة») الاولى في العالم من نواحي كثيرة اساسية: القوة العسكرية والاقتصادية والإعلامية والتطور العلمي وغير ذلك الكثير. وهي، بهذا المعنى، ذات تأثير بالغ، (وحاسم في بعض الاحيان) على كل دول وشعوب العالم.
7 ـ ثم، ماذا عن فلسطين والانتخابات الأمريكية؟.
لقد عانى شعب فلسطين كثيراً، بل وكثيراًجداً، من سياسات الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب، ومن اعضاء ادارته. واسوأ ما في سياسات ترامب هو فجاجتها ودونيتها وسطحيتها، من نقل السفارة إلى القدس، إلى اعترافه بها «عاصمة لإسرائيل» (دون أن ننسى أنه لم يعلن او يتحدث بشكل واضح عن حدود هذه «القدس» وإن كان قد برر خطوته الاستفزازية هذه، والتي تشكل خروجا على الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة، بوجود أربعة مواقع فيها، هي مقرات الرئيس الإسرائيلي، والحكومة، والكنيست (البرلمان) والمحكمة العليا، وجميعها في «القدس الغربية»)؛ مروراً بإغلاق القنصلية الأمريكية في «القدس العربية» واغلاق ممثلية فلسطين في واشنطن؛ ووقف الدعم المالي للأونروا؛ ووقف الدعم المالي حتى للمستشفيات الفلسطينية؛ وإعلان «صفقة القرن» التي صاغها الثلاثي: نتنياهو وكوشنر وفريدمان؛ وتحريض إسرائيل لضم مساحات شاسعة من «اراضي الدولة الفلسطينية» الى ما هو داخل «الخط الاخضر» لسنة 1949؛ وابتزاز عدد من الدول العربية للاعتراف و«التطبيع» مع إسرائيل.
على أن كل تصرفات الرئيس/الدكتاتور/الإمبراطور ترامب، لم تنجح، (ولن تنجح) في زحزحة الشرعية الفلسطينية، (ومعها الاغلبية الأشبه بما يكون إجماعا فلسطينياً) ولو قيد انملة، عن التمسك بحقوق شعبنا الطبيعية والمشروعة، في تقرير مصيره، ممثلا بالاستقلال، والتحرر، واقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة، وعاصمتها «القدس العربية».
ترامب، وإدارته، عملوا ما هو ابعد ما يكون عن المنطقي، والمقبول، والمتعارف عليه، لـ«فك العزلة» عن إسرائيل في محيطها (!!) العربي. لكن النتيجة الحقيقية هي إدخال أمريكا الى ما يشبه العزلة عن كامل دول وشعوب العالم الحر.
تحضرني، في هذا السياق، كلمات شاعرنا الفلسطيني الراحل، أحمد دحبور: «من أجلِ فنجان شايٍ، ودفترٍ وطوابع // لا بد لي من قلاعٍ، وعسكرٍ، ومدافع» !!. لا بد، إن لم يرحل ترامب، (غير مأسوف عليه) بعد ستة ايام، عن البيت الأبيض/الاسود الأمريكي، لا لإعادة الاعتبار لـ«الكفاح المسلّح» و«العمل الفدائي» الإنساني المشروع فقط، بل للتطلع الى جيل فلسطيني جديد، يستلم ويحمل راية النضال الوطني الفعلي العملي، من جيلنا، الذي لم يبخل على نفسه، ولا على شعبه الفلسطيني، ولا على امته العربية المجيدة، (نعم: المجيدة) من تقديم التضحيات على مذبح هيكل التحرر والانعتاق والاستقلال.
كاتب فلسطيني
إذا لم تتم إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية، فذلك معناه أن هناك اقتناعا أمريكيا (شعب ومؤسسات و دولة عميقة…) بأن ٤ سنوات إضافية من حكم ترامب ستكون مضرة وغير مستحبة وسيستثقلها الداخل والخارج.
الحزب الجمهوري و الديمقراطية وجهان لعملة واحدة و هي مصلحة أمريكا فوق كل اعتبار يعني أن الاخلاق و العاطفة مفقودة تماما في سياستها لا الداخلية أو الخارجية أفلا تتفكرون تاريخ أمريكا بداية من الهنود الحمر . حرب الفيتنام . قنبلة هيروشيما .
ربما أن العالم الذي يتم التبشير بتشكله بعد انجلاء عاصفة الغبار التي خلفها كورونا ، هو المعطى الذي لا يجعل من ترامب رجل المرحلة المقبلة…وليس كونه لم يدر بشكل جيد أزمة الوباء داخليا…
الغريب أنه على رأس كل عشر سنوات لابد أن يطرأ حدث يشغل، أو ربما قد يقلب العالم مدة العقد الموالي كله أو أكثر…
قيام دولة إسرائيل في فلسطين … و زوال الأمبراطورية الأمريكية .
جاء في الجزء الثاني من كتاب وجهة “وجهة العالم الإسلامي” الذي كتبه المفكر الجزائري مالك بن نبي في 1951 عن قرب سقوط الحضارة الغربية و أمريكا، وبقي هذا الكتاب في الظّل حتى صدر سنة 2012 حيث حث فيه مالك بن نبي العالم العربي و الإسلامي على إرساء أسس مقومات الصحوة الحضارية من أجل الإقلاع و إعادة بعث الحضارة الإسلامية السابقة ؛غير أننا نلاحظ التفوق الصيني الآن بارزاً على أرض الواقع و ليس العربي الإسلامي ؛ والسبب في إنهيار الحضارة الغربية والأمريكية هو التخلي عن الإلتزامات الأخلاقية كما حدث في وعد بلفور وإستغلال الصراعات والنزاعات العسكرية لبيع و تجريب الأسلحة ،و تقديم الربح الاقتصادي على الحاجات الإنسانية ،و التشجيع على العنف في المجتمع . يقوم مالك بن نبي بتشريح الحضارة الغربية تشريحاً دقيقاً ، ثم يضيف قائلاً بأن اليهود هم عقل الحضارة الأوروربية وروحها . ووصول اليهود إليها كشخصية مستقلة هو الحدث الرئيسي في تاريخ أوروبا ، فتأثيرهم على المجتمع الأوروبي و الأمريكي بالمال و العلم (روتشيلد ، هنري برغسون ، فرويد، أنريه موروا …إلخ) كان واضحاً،، بل إن الإنتاج الفكري لليهود هو الذي صنع الهوية الفعلية لأوروبا وأمريكا.
يتبع …
و بعد وعد بلفور بدأت هجرة اليهود من أوروبا وأمريكا إلى فلسطين ، فماذا يبقى في أمريكا إذا سحب اليهود أموالهم وعقولهم منها ؟ ستنهار البني التحتية و الفوقية بكل تأكيد .. لهذا أكّد مالك بن نبي على أن “قيام دولة إسرائيل في فلسطين… بداية مؤشر انهيار الحضارة الغربية”. لكن هناك سؤال أهم من هذا ،، فهل تستطيع إسرائيل تحمّل ذلك الزخم المالي و الإقتصادي و الصناعي في فلسطين ،، في أرض ليست أرضها ؟!.