القاهرة ـ «القدس العربي»: لم تسقط الحرب الأمريكية الصهيونية التي تشن على فلسطين أقنعة العديد من الأنظمة فقط، بل أزاحت الاقنعة كذلك عن بعض النخب والشخصيات المؤثرة، التي ظلت تبشر بالسلام المقبل بين العرب والإسرائيليين، وبرعت في نشر الأكاذيب بشأن فوائد التطبيع بالنسبة للشعوب، قبل أن تحل شمس السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتعيد كشف الحقائق. وقامت وزارة الخارجية بإنشاء رابط للتسجيل الإلكتروني، لاستقبال بيانات المواطنين الراغبين في العودة من قطاع غزة بشكل سريع وفعال، ولضمان حصر آلية التسجيل في رابط واحد، يأتي ذلك في إطار تطوير الجهود المبذولة والمستمرة من جانب الدولة المصرية لتسهيل عودة المواطنين المصريين، وأسرهم من قطاع غزة إلى أرض الوطن. وأوضح السفير أحمد أبو زيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أنه فور ورود البيانات، سيتم إعداد كشوف تفصيلية تمهيدا لتسليمها للقائمين على معبر رفح الحدودي من الجانبين المصري والفلسطيني بشكل مباشر، لتسهيل عملية عبورهم من قطاع غزة إلى الأراضى المصرية. وأهابت وزارة الخارجية بالمواطنين المصريين في قطاع غزة قصر قنوات الاتصال والتسجيل من خلال تلك الآلية الجديدة، باعتبارها الوسيلة الوحيدة للعودة لأرض الوطن، وأن أي وسيلة آخرى يتم الحديث عنها من جانب البعض تندرج ضمن أعمال النصب والاحتيال، واستغلال الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع غزة، ولا علاقة للدولة المصرية بها. وأكدت السلطات المصرية حرصها على تأمين خروج المواطنين المصريين وأسرهم من القطاع بشكل آمن يحفظ سلامتهم، في ظل تواصل الحرب التي يشهدها قطاع غزة.
وواصلت لجان الاقتراع على مستوى جميع المحافظات، أعمالها في استقبال الناخبين الراغبين في الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، التي تجرى تحت إشراف قضائي كامل، ووسط متابعة من مختلف منظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام المحلية والدولية، وفقا لما تشير إليه الجهات المختصة. وكان القضاة من رؤساء اللجان الفرعية (لجان الاقتراع) قد استأنفوا العمل في اللجان الانتخابية بعد قيامهم – وبحضور رئيس قوة تأمين كل لجنة ومندوبي المرشحين – بالتأكد من سلامة أقفال الغرف المخصصة لحفظ الأوراق، وكذلك منافذ تلك الغرف، والأختام التي مهرت بها تلك الأقفال بعد وضع الشمع الأحمر عليها.
نظام متهالك
تحللت مؤسساته وقيمه وتقوضت صلاحيته وقدرته على البقاء، هكذا بدت صورة النظام الدولي في اختبار غزة، كما جسدها عبد الله السناوي في “الشروق”: كان العجز شبه مطلق أمام أبشع الجرائم ضد الإنسانية في العصور الحديثة. في غضون أربع سنوات توالت ثلاثة اختبارات كاشفة لمدى تدهوره وعجزه عن الوفاء بمتطلباته. كانت جائحة «كوفيد 19» اختبارا جديا لمدى كفاءة المنظومة الصحية الدولية، وقدرة النظام الدولي على التساند الإنساني في مواجهة الموت الجماعي، أثناء الجائحة ضرب التفكك بنية الاتحاد الأوروبي، الذي عجز عن إبداء الحد الأدنى من التضامن بين أعضائه. في الوقت نفسه لم تبد الولايات المتحدة أي قدر من الاستعداد لمد يد العون للحلفاء المفترضين، ولم يكن هناك أي دور يعتد به للأمم المتحدة. كان ذلك مؤشرا على قرب انهيار النظام الدولي، ثم تعرض النظام الدولي لاختبار ثان في الحرب الأوكرانية. طرح على نطاق واسع سؤال: لمن تؤول قيادته وما طبيعة حسابات وتوازنات القوة فيه؟ لكنه ظل معلقا في فضاء الحرب التي تمددت وأنهكت بتداعياتها العالم كله. لا الولايات المتحدة كسبت رهاناتها على إذلال موسكو ولا روسيا رفعت الرايات البيضاء، رغم العقوبات القاسية التي فرضت على اقتصادها المنهك. في اختبار غزة وجهت رسائل مشابهة لمنع أي طرف إقليمي من «استغلال الوضع» بعد صدمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول. في الاختبارين لم تنجح الولايات المتحدة، رغم ما استثمرته من عناصر قوة فائقة تخطيطا وتمويلا وتسليحا، في حصد ما طلبته من أهداف. في غزة تضررت صورتها في الشرق الأوسط، كما لم يحدث من قبل. كانت تلك خسارة استراتيجية لها تبعات على مصالحها في المنطقة. بقدر مماثل تضررت قيادتها الفعلية للمنظمة الدولية، حيث أبقتها في وضع شلل وعجز.
ستنتهي لكن متى؟
تابع عبد الله السناوي لم يكن لجوء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى استخدام المادة (99) من ميثاقها، التي تخوله تنبيه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين، سوى احتجاج على تعطيل صلاحيات المنظمة الدولية بجميع مؤسساتها في وقف الإبادة الجماعية، أو التخفيف من وطأة المأساة الإنسانية المروعة. الخطوة في ذاتها سابقة تاريخية، والمعنى أن الأمور أفلتت وصلاحيات منظومة الأمم المتحدة تعطلت. أصابع الاتهام نالت الولايات المتحدة قبل أي طرف دولي آخر بحكم قيادتها للنظام الدولي كله. الأفدح انهيار القيم المؤسسة للأمم المتحدة في حفظ الحريات وحقوق الإنسان وضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها. كان استهداف الصحافيين في غزة وجنوب لبنان داعيا إلى غضب حقوقي ومهني واسع، دون أن يكون ممكنا فتح أي تحقيق دولي يحاسب ويردع. وصلت المأساة إلى ذروتها في تعطيل وكالات الأمم المتحدة المتخصصة عن أداء مهامها، خاصة منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة، والمحاكمة الجنائية الدولية. المستشفيات حوصرت وقصفت، وحرب التجويع اتسعت إلى حدود غير مسبوقة، قصفت مكاتب ومدارس «الأونروا»، التي أنشئت خصيصا لغوث اللاجئين الفلسطينيين بعد نكبة (1948)، دون صرخة احتجاج تلوح بإنزال العقاب. بقوة الفيتو الأمريكي ونفوذه، فشل مجلس الأمن، في استصدار قرار يوقف الحرب. رغم ذلك كله، لم تتمكن إسرائيل بعد مرور أكثر من شهرين من إحراز علامة نصر واحدة. لم تنجح في اجتثاث حماس وتحرير الأسرى والرهائن الإسرائيليين بالقوة دون دفع أثمان سياسية باهظة. العالم لم يعد يحتمل تمديدا للحرب، التي أسقطت عشرات آلاف الضحايا المدنيين من قتلى ومصابين ومفقودين تحت الأنقاض. الأعباء السياسية للحرب على غزة نالت من مكانة الولايات المتحدة وفرص جو بايدن في تمديد ولايته لفترة ثانية بانتخابات (2024).
سنلاحقها
الموجع من وجهة نظر سيد علي في “المشهد”، أن كل ما يجري على الهواء من إبادة جماعية في غزة محرم دوليا، ومن وجهة نظر القانون الدولي هي حرب غير قانونية وغير مشروعة، فكيف يجوز للسلطة القائمة بالاحتلال أن تشن حربا على إقليم محتل وسكان محتلين، وبالتالي ليس هناك عذر لأحد بعدم معرفته بتلك المجازر. مسؤولية قادة إسرائيل، وكل من شارك في جرائم الحرب التي ارتكبت ضد المدنيين في قطاع غزة، وجموع الشعب الفلسطيني، نص عليها القانون الدولي الإنساني، وهي قواعد استقرت عليها الأمم، وتوافقت عليها، وعددها 161 قاعدة، تضمن محاكمة إسرائيل أمام الجنائية الدولية، عن جرائم الحرب.. وهي جرائم ثابتة وموثقة، أخصها استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، وأسلحة محرمة دوليا، والتهجير القسري، وقتل المصابين والأسري والعزل، وبالفعل أعلنت المحكمة الجنائية الدولية تقدم خمس دول أعضاء فيها بطلب التحقيق في الهجمات الإسرائيلية على غزة.. وهذه ليست المرة الأولى التي تتلقى فيها المحكمة طلبات للتحقيق في جرائم ارتكبتها إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، خصوصا بعد انضمام دولة فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية في 2015، ما يعني أن الجرائم التي تُرتكب في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، أصبحت ضمن دائرة اختصاص المحكمة. لكن المفارقة أنه رغم كل المعلومات والملفات والدعاوى لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم إسرائيل، التي ارتكبتها خلال حروبها الأخيرة على قطاع غزة، فإن المحكمة لم تُدِنْ إسرائيل، بل لم تصدر أي مذكرة اعتقال بحق أي مسؤول إسرائيلي بمن فيهم نتنياهو. عكس ما أقدمت عليه مع الرئيس الروسي بوتين، في ما لم يتطلب إصدار الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه سوى أسبوعين، بعد أن تقدمت 39 دولة عضوا في المحكمة بطلب التحقيق في الجرائم المرتكَبة داخل أوكرانيا.
ولو بعد حين
هناك “تمييز” لفت الانتباه إليه سيد علي، ما بين حق المقاومة المشروع المرتبط بحق تقرير المصير، والإرهاب المنظم الذي تقوده السلطة القائمة بالاحتلال وعليه تقدمت خمس دول بطلب تحقيق في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة هي الدول الأطراف التي لها أحقية، أما الدول غير الأطراف في هذه الاتفاقية فلا يحق لها الطلب في فتح تحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني.. وبالتالي لا بد للدول العربية والإسلامية من الانضام والتصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حتى نخلق إجماعا دوليا ومؤثرا، وكذلك لا بد للدول العربية من أن تسن تشريعاتها الجزائية لتفعيل مبدأ اختصاص القضاء العالمي، بمعنى الاعتراف باختصاص القضاء العالمي.. وهذا استنادا لنص المادة 146 وكل الدول العربية والإسلامية ودول العالم منضمة إلى اتفاقية جنيف الرابعة، وهذا النص في المادة 146 يلزم الدول بسن تشريعات جزائية لمساءلة وملاحقة جرائم حرب وجرائم من يرتكب إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية بدل من أن نطالب ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وكندا، بأن تحاكم هذا المجرم أو ذاك.. وحتى التعلل بأن تلك المحاكمات لا تنفذ بفعل الفيتو الأمريكي فالقضية تكمن في المجتمع الدولي، وفي الانتقائية وفي المعايير المزدوجة، وضعف وتهميش دور ومبادئ وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الانساني وحقوق الانسان، وهذا ما تم في الجمعية العامة التي اتخذت قرارا استنادا لقرار الاتحاد من أجل السلم بأغلبية 120 دولة لوقف هذه الحرب العدوانية ولم تلتزم به إسرائيل.. فالمشكلة تكمن في آليات تطبيق واحترام القانون الدولي، والقانون الذي يحكم العلاقات الدولية هو قانون القوة، وليس قوة القانون، وبالتالي هذه إشكالية عالمية وهذه دعوة إلى دول العالم من أجل إجبار وإلزام إسرائيل وإلزام الولايات المتحدة الأمريكية باحترام وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وبخلاف ذلك سيسود قانون الغاب في العلاقات الدولية بين الدول، غير أن الأكيد أن إسرائيل ستحاكم وإن طال الزمن، ذلك لأن ما تمارسه جرائم حرب لا تسقط بالتقادم.
تعايش مستحيل
هل يمكن التعايش المشترك بعد حرب ضروس تناثرت فيها الأشلاء والدماء على نحو لا نكاد نعرف له مثيلا في حياتنا المعاصرة؟ هل يمكن بعد أن رأينا جنديا إسرائيليا يتباهى بأنه قتل اثنين بطلقة واحدة عندما أمطر بالرصاص الحي سيدة فلسطينية تحمل جنينا، فأنهى حياتها هي ومن تحمله؟ يتابع الدكتور مصطفى الفقي اسئلته المهمة في “الأهرام”: هل يمكن أن يكون هناك تعايش مشترك بعد قصف المستشفيات على رؤوس المرضى وتدمير المنشآت في عدوانية وإجرام مهما تكن الأسباب والدوافع؟ إسرائيل دولة احتلال مسؤولة بحكم الدعم الأجنبي لها والوقوف الأمريكي المطلق معها، فهل يجوز أن تتورط في مجزرة بهذه الصورة؟ لقد كنا نتصور أن التعايش المشترك قد أصبح ممكنا وتشدق الكثيرون بصلات الدم بين أولاد إبراهيم، الذين يحملون قيم الكتب السماوية ورسالتها الداعية للأخوة والتسامح، والمضي في طريق واحد، لأن الإنسان خليفة الله في الأرض ليعمرها لا ليخربها، ليعيش ويبقى لا ليقتل ويمثل بالجثث ويرتكب الفظائع كما حدث في إقليم غزة خلال الحرب الأخيرة، الجيش الإسرائيلي لم يدرك جيدا أنه عندما أسرف في قتل الأطفال وترويع الآمنين ونشر الرعب وتبني الإرهاب، الذي بدأ منذ عدة عقود بمذبحة (دير ياسين) حتى اليوم عندما كانت عصاباته تهاجم المدنيين بدعوى حقوق مغلوطة وكاذبة لهم في أرض الميعاد، وكأنما يتحمل الفلسطينيون مسؤولية ما جرى لليهود في بلادهم المختلفة نتيجة مواقفهم العنصرية وتطلعاتهم العدوانية، فيكون الثمن هو أن يدفع الشعب الفلسطيني الفاتورة في النهاية.
تحت الأنقاض
واصل الدكتور مصطفى الفقي بث غضبه تنديدا بما تشهده فلسطين من مجازر: أنا مثل غيري من مئات الملايين في أنحاء العالم نشعر بالجزع لما جرى ونأسى لما حدث، ونرى فيه عدوانا على المبادئ الإنسانية والمشاعر المتحضرة، بإزهاق الأرواح البريئة، وتحطيم المدن بالكامل، حتى إننا نظن أن هناك مئات من الضحايا ما زالوا مدفونين تحت أنقاض البنايات في غزة وغيرها.. إنني أطالب مع غيري من ملايين البشر بضرورة تشكيل دائرة خاصة من المحكمة الجنائية الدولية لمعاقبة مجرمي حرب غزة، حتى يفيق ضمير الإنسانية، ويتطلع إلى هواء نقي لا تشوبه رائحة الدماء، ولا تؤرقه جثث الأطفال، وسوف تبقى في ذاكرة الأحياء منهم المشاهد الدامية والأحداث المروعة التي شاهدوها وهم يفقدون آباءهم وأمهاتهم، بل أحيانا كل ذويهم، ويجب أن يكون من اختصاص هذه المحكمة جمع الأدلة والوثائق أمام قضاتها المحايدين، لكى يقولوا كلمة حق في وقت غاب فيه الصدق وشاعت الأكاذيب ومطالبة بعض القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وغيرهما بضرورة مواصلة القتال حتى يتم القضاء على الشعب الفلسطيني، بدعوى تعقب قيادات حماس التي قامت بحركة «طوفان الأقصى» بسبب استمرار الاحتلال والإعدام الميداني للشباب الأعزل، الذي لا يحمل إلا قطع الحجارة ليصوبها نحو جلاديه وهادمي بيوته وقاتلي أطفاله. من المستحيل تصفية القضية الفلسطينية بالنزوح الكبير الذي يشبه نزوح عام 1948 ليحول باقي الفلسطينيين إلى شعب من اللاجئين بشكل مهين لكرامتهم مدمر لهويتهم، بل يجب السعي حثيثا للوصول إلى أفكار جديدة للتسوية العادلة التي لا يدفع ثمنها إلا الفلسطينيون وغيرهم من شعوب المنطقة، خصوصا دول الجوار مصر والأردن ولبنان.
فضيحة الولايات المتحدة
هذه المرة.. فضيحة الولايات المتحدة لا يمكن سترها.. ليس فقط وفق ما يراه جلال عارف في “الأخبار”، لأنها تقف وحدها ضد إرادة العالم بأكمله الذي يدين المذابح الإسرائيلية ويطالب بوقف حرب الإبادة ضد شعب فلسطين فورا وبلا شروط.. وليس فقط لأن الفضيحة الأمريكية في مجلس الأمن تقول للجميع “بمن فيهم الشعب الأمريكي نفسه” إن أمريكا شريك في المذبحة الجماعية مع إسرائيل وليست مجرد داعم للكيان الصهيوني النازي كما كانت دائما. وليس فقط لأن الولايات المتحدة وهي تستخدم “الفيتو” هذه المرة تقول للعالم كله إنها ستواصل قتل شعب فلسطين بأيدي الإرهابيين الإسرائيليين، وستواصل تدمير ما تبقى من وسائل الحياة في غزة والضفة لإجبار الفلسطينيين على النزوح، أو البقاء تحت رحمة قنابل أمريكا ونازية إسرائيل، كل هذه أسباب للعار الأمريكي.. لكن الأخطر هذه المرة أن اجتماع مجلس الأمن جاء بناء على طلب الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش الذي استخدم المادة 99 من ميثاق المنظمة الدولية، لأن ما يحدث في أرض فلسطين من مذابح إسرائيلية يهدد الأمن والسلم العالميين.. وهو الأمر الذي أيده كل أعضاء المجلس بالموافقة على قرار إنهاء الحرب، ما عدا بريطانيا التي امتنعت عن التصويت وأمريكا التي كان قرارها باستخدام “الفيتو” فضيحة دولية لا سابقة لها. وكان بمثابة إعلان رسمي بأن الدولة التي كانت تقود العالم منذ الحرب العالمية الثانية، أصبحت خطرا حقيقيا على النظام العالمي وشريكا في أكبر جريمة ضد الإنسانية منذ سقوط النازية. كان السقوط الأمريكي مخزيا للعديد من الأسباب، ومن بينها تهرب كل المسؤولين الكبار من مواجهة الموقف بعد طلب غوتيريش عقد جلسة مجلس الأمن.. وتركت مندوبة أمريكا في المجلس مقعدها لنائبها ليلقي خطابا لا مثيل لتهافته وهو يردد كلاما من نوع: إن إنهاء الحرب “أو الإبادة الجماعية الإسرائيلية” تزيد خطر الحرب، أو أن اقتراح إنهاء الحرب لم يتحدث عن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، الذي كلف الشعب الفلسطيني حتى الآن أكثر من 17 ألف شهيد، ولو أسعفه الوقت لقال إن الاقتراح بوقف الحرب لم يتحدث عن ارتفاع سعر الدولار، ولم يطمئن الناخبين الأمريكيين بأن صحة بايدن بألف خير.
هادية تكسب
القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى قضاة أو محاكم دولية، لا تحتاج إلى أسانيد وحجج وبراهين لإثبات مَن صاحب الأرض، القضية الفلسطينية كما يجسدها أشرف عزب في “الوفد” ليست صراعا بين طرفين لمعرفة أيهما صاحب الحق ومن المغتصب ومن المعتدي، القضية الفلسطينية صراع لاستراد حق مسروق وكرامة تُنَتهك وأرض تُغتصب على يد قوى عالمية، ولن يتم استرداد هذه الحقوق بدبلوماسية الابتسامات العريضة أو سياسات التفاهمات المشتركة. وبعيدا عن متاهات الساسة ودهاليز السياسة، يمكن تجسيد القضية الفلسطينية في رحلة على ضفاف الأنهار العذبة المرسومة على وجه الشهيدة الحاجة هادية نصار، ثم الذهاب في جولة إلى عالم المستنقعات ورائحتها الكريهة المطبوعة على وجه الرئيس الصهيوني الأمريكي سابقا جو بايدن، كما وصف نفسه. التشابه الوحيد بين الحاجة هادية نصار وجو بايدن هو تاريخ الميلاد، الذي يؤكد أن عمر كل منهما أكبر وأقدم من وجود الكيان المحتل، فالرئيس الصهيوني بايدن تجاوز الثمانين عاما، أما الحاجة هادية فمن مواليد 1944، أي قبل الإعلان الرسمي للعصابات الدولية بزرع عصابة لهم في منطقة الشرق الأوسط باسم إسرائيل، ولتقبل الحاجة هادية اعتذاري الشديد أني قد ذكرتها هنا مع من دعّمَ وشجّعَ الكيان الصهيوني على قتلها. الرحلة إلى تلك الأنهار المرسومة على وجه هادية نصار قبل استشهادها على يد قناص إسرائيلي، وتلك التجاعيد والممرات التي حفرها الزمن على ملامح وجهها المبتسم، تشير إلى أصالة الأرض التي نبتت منها وفيها، وتشير في الوقت ذاته إلى غشاوة العدوان الدولي وقوته الغاشمة الذي تعرضت له. كل خط محفور على وجه تلك السيدة يصرخ أمام العالم ويؤكد أنه صاحب الأرض وصاحب الحق، فتلك السيدة رغم سنوات عمرها التي تجاوزت بداية النكبة مرورا بعمليات الإبادة الجماعية، وصولا إلى محاولات التهجير الوحشية لأهل غزة، تقول بعد إصابتها نتيجة العدوان الإسرائيلي الذي تعرضت له منطقتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي: «إن فلسطين أرضنا، أنا متمسكة بالأرض، بلدي لو شحت عليا مريا وأهلي لو قسيوا عليا حناين».
شاهدة وشهيدة
هادية نصار الشاهدة والشهيدة، كما يصفها أشرف عزب لم تحمل سلاحا، ولم تبنِ نفقا، ولم تخطط لاختراق القبة الحديدية، تلك السيدة لم تصنع طائرة مُسيَّرة تحمل صواريخ «القسام»، ولم تكن قيادة «حمساوية» في عملية طوفان الأقصى، تلك السيدة كانت تحمل معها صورة لفرن خبزت فيه عيشها أكثر من ربع قرن، لذلك كانت رغم شيخوختها خطرا على الكيان المحتل، لأنها شاهد حي على عدالة القضية وبطش المجتمع الدولي، وكانت أشد خطرا لأنها أعلنت رغم ضعفها وإصابتها أنها متمسكة بأرضها وطينها وزيتونها الذي أحرقته إسرائيل. على الضفة الأخرى من تلك الأنهار العذبة، توجد مستنقعات، تظهر الجانب المظلم والظالم لتلك القضية، يعبر عنها وجه الرئيس الصهيوني بايدن، فوجه هذا الرجل ممسوح رغم شيخوخته، ربما يشبه تأثير انفجار القنبلة الذرية التي ألقتها الولايات المتحدة على «هيروشيما» وأتبعتها بأخرى على «ناغازاكي». هذا الوجه يعرف جيدا لهجات القوة ويجيد لغة المصالح، أما لغة الإنسانية فأصبحت طلاسم مركونة على الهامش، لذلك ستجد الكلمات التي تخرج من هذا الفم المرسوم على هذا القناع المتغطرس، تدور حول التأكيد دائما والتباهي أبدا بأنه صهيوني، وأنه مؤيد قوي جدا لإسرائيل منذ أن دخل مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1973، وأن اباه قال له ليس شرطا أن تكون يهوديا، لكي تكون صهيونيا، وأن ابنه متزوج من يهودية، وأنه يحتفل بعيد الفصح، مع تكرار تلك المعاني السابقة من وقت لآخر إذا لزم الأمر خوفا وطمعا من وفي اللوبي الصهيوني.. هذا الوجه الممسوح من تضاريس التاريخ الإنساني لن يشغل باله قتل أطفال رُضَّع ونساء عُزَّل، ولن يؤرق ضميره الميت أن تُهدم بيوت فوق رؤوس أصحابها، ولن يشغل باله اتهامه بكونه شريكا وداعما في عمليات إبادة لشعب بأكمله.
قاتل نعسان
منذ اندلاع الحرب بين الفلسطينيين أصحاب الأرض والحق وتلك العصابة الصهيونية الغاشمة الجبانة، أثبت هذا الجو أنه ليس فقط “جو النعسان” وهو الوصف الذي كان ترامب ينعت به بايدن، بل هو كما قال هشام مبارك في “الوفد” قائد قطيع العميان الذين لا يرون حتى الآن ما ترتكبه تلك العصابة من مجازر، ليته سكت ولم يعلق، لكنه يخرج علينا كل فترة بتصريح غريب مثل إن إدارته لا ترى أن إسرائيل ترتكب أي جرائم في غزة. لم يسمع بايدن لشاهد من أهلها، هو البروفيسور اليهودى نورمان فينكستين وهو يقول، إذا كنت تريد تدمير حماس بسبب ما فعلته في 7 أكتوبر/تشرين الأول، فبهذا المنطق يجب تفكيك الحكومة الإسرائيلية، حيث إنها قامت بعمليات الرصاص المصبوب وعمود السحاب والجرف الصاعد. هذا الجو النعسان قائد قطيع العميان يتجه بالسياسة الأمريكية إلى القاع، بتأييده المطلق لإسرائيل، في الوقت الذي يشاهد العالم كله تلك المجازر التي ترتكبها ضد أشقائنا في غزة، فيخرج مؤكدا أنه ليس هناك ثمة مذابح وأن أمريكا لن تسمح بهزيمة إسرائيل، وأنها لن تتوقف عن مدها بالسلاح. منذ أيام عقد العديد من أعضاء الجاليات العربية والإسلامية العديد من اللقاءات في عدة مدن أمريكية أعلنوا فيها استياءهم الشديد من الموقف الرسمي للولايات المتحدة تجاه حرب غزة، وفي خطوة إيجابية جدا أعلنوا أنهم لن يدعموا بايدن إذا ما فكر في خوض انتخابات الرئاسة لفترة جديدة. تخيل في نيويورك وحدها أكثر من مليون مسلم أمريكي 90%، منهم له حق التصويت، وحتى لو كانت الأرقام لن تؤثر في النتيجة النهائية لكنها رسالة بالغة الدلالة سواء لهذا الجو النعسان أو لغيره ممن يسعون لرئاسة أمريكا. بايدن لن يكون الرئيس القادم لأمريكا لأن عقلاء الحزب الديمقراطي سيقفون له بالمرصاد لمنعه حتى لا يدفع الحزب ثمنا باهظا بسبب الانحياز الأعمى لإسرائيل.
عرس ديمقراطي
ترى لماذ تذكر الكاتب الساخر عبد الغني عجاج في “المشهد”، عند تناوله الانتخابات الرئاسية، عمه الذي توفي قبل نصف قرن؟ كان عمي منصور رحمه الله هو كبيرنا في كل الأفراح أو الأعراس، وهو الذي يقود موكب العائلة إلى منزل العروس التي قرر أحد شباب العائلة الارتباط بها.. وهو الذي ينظم موكب نقل الأثاث إلى منزل الزوجية.. وهو الذي يتصدى لكتابة القائمة وحل أي نزاعات تهدد بتدمير العرس من عينة هل تكتب ملة السرير في القائمة أم لا؟ وهل تكتب الشبكة هدية العريس للعروسة في القائمة أم لا؟ وكانت ديمقراطية العم منصور تتجلى في تحديد مظاهر الاحتفال، فهو الذي يحدد نوع الشربات الذي سيقدم للضيوف، وهل يكون شربات مانجو أم شربات ورد.. ورحمه الله كان يضع الحدود غير المسموح بتخطيها للأغاني والرقصات والزغاريد. لماذا تذكرت عمي منصور الذي انتقل إلى دار الحق منذ نحو نصف قرن؟ ربما لتكرار سماعي كلمة العرس الديمقراطي في الفترة الأخيرة، بمناسبة إجراء الانتخابات الرئاسية للمصريين في الخارج، وتعدد المشاهد الاحتفالية بالعرس من رقص وغناء وتوزيع مشروبات وحلويات. وأنتهز هذه الفرصة لأحيي جهود سفراء وقناصل مصر حول العالم، الذين أشرفوا على هذه الانتخابات واجتهدوا في إظهارها في أبهى وأفضل صورة.. كما أتوجه بكل التحية والتقدير لأعضاء اللجنة العليا للانتخابات وأعضاء الهيئات القضائية من السادة المستشارين الذين سيشرفون على الانتخابات في كل ربوع مصر، على مدار ثلاثة أيام. يبقى أن أوجه التحية لروح أستاذي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الدكتور حامد ربيع، الذي كان يقول لنا إن من مقدمات أي عرس ديمقراطي انتخابي معاملة كل من أرادوا الترشح للانتخابات على قدم المساواة وبعدالة تامة، فلا يجوز وضع العراقيل أمام بعضهم وفرش الطريق بالورود أمام البعض الآخر.
الخبرة تفرق
هناك فارق بين المرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي والمرشحين الثلاثة الآخرين يلقي عليه الضوء سليمان جودة في “المصري اليوم”: الدكتور عبدالسند يمامة، الأستاذ حازم عمر والأستاذ فريد زهران.. وهو فارق طبيعي في حقيقته وليس فارقا مصنوعا. الفارق أن المرشح السيسي خاض استحقاقين رئاسيين من قبل، وعنده بالتالي خبرة في الموضوع، كما أن وراءه تجربة، ولكن المرشحين الثلاثة لم يخوضوا انتخابات رئاسية من قبل، وهذه هي المرة الأولى بالنسبة لهم جميعا، وأظن أن هذا فارق علينا أن نضعه في الاعتبار، وأن نلتفت إليه عند الحديث عن السباق الرئاسي الحالي، أو عند النظر إليه في تقييمه الأخير. ولكن هذا لا يمنع أن الدكتور عبدالسند يختلف عن عمر وعن زهران، ويملك ما لا يملكه الاثنان، لأن الوفد الذي يترشح الرجل باسمه، خاض السباق الرئاسي من قبل، بل إن السباق الذي خاضه كان هو الأول من نوعه في البلد، وكان ذلك عندما دخل الدكتور نعمان جمعة الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الأسبق حسني مبارك في عام 2005، وهذا في حد ذاته يعطى ميزة نسبية لرئيس الوفد، كمرشح أمام الناخب، وهذا أيضا يجعله يخوض السباق بينما وراءه تجربة الدكتور نعمان الانتخابية. وكان فؤاد باشا سراج الدين، الذي تولى رئاسة الوفد عند عودته للحياة السياسية أيام الرئيس السادات، يؤمن بأن على الوفد أن يخوض كل سباق انتخابي يصادفه في طريقه، ولم يكن يفرق بين أن يكون السباق انتخابيا برلمانيا، أو يكون سباقا انتخابيا رئاسيا.. ففي الحالتين هناك سباق على الحزب أن يخوضه، وفي كل الحالات سيكسب الوفد من وجوده في القلب من المعركة، ولا فرق بين أن تدور المعركة على مستوى البرلمان أو على مقعد الرئاسة. أظن أن حظوظ المرشحين الأربعة مختلفة، وأسباب اختلافها كثيرة ومتعددة، ولكن من بينها ما أشرت إليه من حيث مساحة التجربة التي يجلس عليها كل مرشح وهو يخوض هذا السباق.. ولكن المؤكد أن الاقتراع الحالي خطوة في طريق طويل.. خطوة يمكن أن تكون أساسا نبني عليه لاحقا، لأن الشعوب لا تذهب للديمقراطية مرة واحدة، وإنما تتدرب على ذلك وتتأهب، وإذا كانت هذه خطوة فبعدها سوف يكون علينا أن نقطع خطوات مُضافة.
مصر تنتخب
الإقبال الكبير في الانتخابات الرئاسية في الساعات الأولى من اليوم الأول، اعتبره كرم جبر في “الأخبار” بمثابة تفويض شعبي واسع النطاق لرئيس مصر، أن يتخذ من القرارات والإجراءات ما يحفظ أمن مصر واستقرارها، ويسير قدما في طريق التنمية والبناء، ومواجهة التحديات التي تمر بها البلاد. الشعب قبل أسابيع نزل بالملايين من أجل مصر وأمنها القومي ورفض كل مؤامرات التهجير، وتصفية القضية الفلسطينية. وعلاقة ذلك بالانتخابات الرئاسية وثيقة، بعد أن سيطرت أحداث غزة على المشاعر الوطنية حتى بلغت ذروتها، وتحكمت في رؤى المصريين واختيارهم، ولا أحد يستطيع أن يضع حدا فاصلا بين المشاعر الوطنية وبطاقة الانتخابات. والإقبال هو تفويض جديد للرئيس للاستمرار في السياسات الحازمة والقوية تجاه الحفاظ على أمن مصر واستقرارها وتعظيم هويتها الوطنية، وإعلاء شأن الخيار الديمقراطي، كبديل وحيد لاختيار رئيس البلاد، وعدم السماح بتكرار تجارب الفوضى التي تدفع البلاد ثمنها حتى الآن. الإقبال الكبير يؤكد الرغبة في تدعيم الاستقرار السياسي، فلا تنمية ولا تقدم دون استقرار، وعكست الانتخابات حالة الأمن والهدوء والطمأنينة لدى المصريين وهم يدلون بأصواتهم في سهولة ويسر، دون تدخلات من أحد. والإقبال يعكس آمال وطموح ومتطلبات المصريين من الرئيس، وفي صدارتها استمرار المشروعات الكبرى، وفي صدارتها «حياة كريمة» التي تغير شكل الحياة في الريف المصري، وتمنح نصف سكان مصر على الأقل حقوقا كانوا محرومين منها من قبل. والملاحظة الجديرة بالاهتمام هي ازدحام اللجان الانتخابية بالشباب والنساء على وجه الخصوص.. الشباب الذي يتطلع إلى استمرار تمكينه وفتح الآفاق الواسعة أمام الطموح والأمل والتطلع إلى الحياة، والنساء لأن مصر بيتهن الكبير، والمرأة هي أكثر من يعرف قيمة البيت الذي يحميها خلف جدرانه، ويوفر لها أمن الحياة. والشباب لهم المستقبل، والانتخابات هي التي تفرش الطريق إلى المستقبل، وتحقق عدالة الفرص في العمل والسكن، وكلما تحقق لهم ذلك، زاد حبهم للوطن والدفاع عنه. المرأة المصرية صارت نموذجا للصبر والتضحية في كل الأوقات والميادين، وتحملت عن طيب خاطر فاتورة الإصلاحات الاقتصادية، وأعظم من ذلك أمهات الشهداء، اللائي يعتبرن أوسمة فخر وعزة فوق صدر الوطن. الإقبال الكبير يعكس الرغبة الحقيقية في رفع الكرامة الوطنية عاليا، وعبرت عن ذلك الأغاني الحماسية أمام اللجان، وتفاعل الناس معها، فهي جزء من الرصيد الحي لبطولات ومعارك خاضتها البلاد وخرجت منها عالية الرأس.