بغداد-“القدس العربي”:تواجه الأوضاع الأمنية والعسكرية في العراق، مخاطر جدية في هذه المرحلة، سواء في تصاعد احتمال عودة تنظيم “داعش” إلى المناطق التي كانت تحت سيطرته قبل الإعلان عن نهايته عام 2017 أو وجود حراك سياسي لإضعاف المؤسسة العسكرية الأولى (الجيش) من خلال زج الفصائل المسلحة فيها، وتوقع هيمنة قادة الميليشيات عليها وفقدانها القدرة على مواجهة التحديات، أو في وقوع العراق في دائرة تداعيات النزاع الإرهاب الأمريكي.
ورغم تأكيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، أن “الدولة مسيطرة على الأمن، وان الإرهاب قد انحسر” ومع إعلان القوات المسلحة انطلاق عملية عسكرية كبيرة في ثلاث محافظات (نينوى والأنبار وصلاح الدين) لتطهير الحدود مع سوريا ومنع تسلل عناصر تنظيم “داعش” منها، إلا ان تصاعد العمليات الإرهابية للتنظيم في عدة مناطق من العراق، جدد المخاوف من صواب توقعات الخبراء العسكريين العراقيين والتقارير الأمريكية، من عودة محتملة للتنظيم في العراق بعد إعادة ترتيب عناصره وأساليب عمله، مستغلا الثغرات الأمنية والجيوب الكثيرة المنتشرة في المناطق الواسعة خارج سيطرة القوات المسلحة.
ويقارن المطلعون، الظروف الحالية بظروف نشوء التنظيم عام 2014 التي كانت سائدة في المحافظات (السنية) والتي سهلت سيطرته عليها، والتي أبرزها انشغال القوى السياسية بالصراع على المصالح والمنافع وايهام القادة العسكريين للحكومة بسيطرتهم على الأوضاع الأمنية، وانتشار مشاعر الظلم والتهميش بين سكان تلك المناطق إضافة إلى التدخل الإقليمي، وهي عوامل تبدو مشتركة بين الأمس واليوم.
وأبدى العديد من العسكريين والمحللين، خشيتهم من ان عمليات ملاحقة عناصر التنظيم وتمشيط المناطق التي تنفذها القوات المسلحة في العديد من المناطق المتوترة، قد تشكل عملية استنزاف لتلك القوات وخاصة انها مستمرة منذ الإعلان عن القضاء على التنظيم عام 2017 بدون تحقيق نتائج حاسمة تتناسب مع الجهود المبذولة، حيث تقتصر في الغالب على العثور على مقرات مؤقتة وبعض المعدات العسكرية التي تركها التنظيم واعتقال مشتبه بهم من السكان المحليين، بينما تفر عناصر التنظيم من مناطقها قبل تقدم القوات إليها، كما تواصل خلاياه النائمة في المدن والنواحي، تنفيذ ضربات وتفجيرات هنا وهناك، بهدف إثبات وجوده وزعزعة أمن المدن المحررة من سيطرته، حيث شنت عناصر التنظيم هذا الأسبوع، هجمات على مواقع القوات المسلحة والمدنيين في الفلوجة وكركوك وديالى وأطراف نينوى، أسفرت عن مقتل وإصابة العديد منهم.
وفي وقت تخوض فيه المؤسسة العسكرية معاركها مع الإرهاب، فان قوى سياسية شيعية متنفذة، تمضي في تمكين الفصائل المسلحة التابعة لها، من إحكام السيطرة على مقاليد أعرق وأهم مؤسسة عسكرية في البلد، عبر سيناريو بدأ منذ عام 2003 آخره قرار ضم فصائل الحشد إلى الجيش العراقي، بينما تعارض فصائل أخرى مرتبطة بالحرس الثوري حل نفسها والتخلي عن ارتباطاتها الخارجية.
وقد أقر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، برفض بعض فصائل الحشد، حل نفسها والالتحاق بالقوات المسلحة، مبررا ذلك بالقول: “سنعطيهم فرصة أخرى للدخول أو تسليم السلاح” معززا بذلك المخاوف من عدم قدرة الحكومة على فرض إرادتها على قادة بعض الفصائل التي تستقوي بقدرتها التسليحية الكبيرة والدعم الخارجي المعروف. وفي مؤشر مقلق للعراقيين، فقد انتشرت في شوارع المدن، لافتات تحمل شعارات وصور للحشد وعليها عبارة “الحشد باق”. وتعتبر فصائل مثل “كتائب حزب الله” العراقية، و”كتائب سيد الشهداء” و”النجباء” و”الخراساني” و”أنصار الله الأوفياء” و”سرايا الجهاد” و”سرايا عاشوراء” وميليشيات أخرى، انها ضمن خانة “فصائل المقاومة الإسلامية” ولا تخضع لـ”الحشد” وتصر على الاحتفاظ باستقلاليتها وأسلحتها الثقيلة ومعسكراتها، بعيدا عن المؤسسة العسكرية الرسمية.
وإضافة إلى رفض تنفيذ قرار حل الحشد، فقد ظهرت مؤشرات أخرى على تمرد الفصائل منها قيام فصيل معروف، بمهاجمة بيت رئيس الوقف الشيعي علاء الموسوي في تحد للحكومة والمرجعية الشيعية معا، واضطرار السلطات إلى اطلاق سراح مقتحمي سفارة البحرين نتيجة ضغوط فصائل مسلحة رغم إعلان عبد المهدي احالتهم إلى المحكمة، أضافة إلى شن قوى شيعية، حملة لتسقيط قائد عمليات الأنبار محمود الفلاحي بعد تسريب تسجيلات مفبركة عن تقديمه معلومات عن مواقع الحشد إلى الأمريكان، وهو الأمر الذي عارضه سياسيو وحكومة وأهالي الأنبار واعتبروه استهدافا جديدا لرموز وطنية من المكون السني دافعت عن المحافظة ضد الإرهاب ولكنها رفضت الخضوع لفصائل الميليشيات.
وليس بعيدا، تجري تطورات مريبة في محافظة كركوك النفطية شمال العراق عبر سعي الحزبين الكرديين الحاكمين في الإقليم، لإعادة المحافظة إلى سيطرتهما بكل الطرق والوسائل، عبر الضغوط المحلية والدولية، وسط اتهامات من قوى عربية وتركمانية، بمسؤولية الحزبين عن سلسلة تفجيرات في المحافظة بهدف خلخلة الوضع الأمني وإعادة البيشمركه إليها.
وبالتزامن مع هذه التطورات والتحديات، تواصل حكومة بغداد جهودها في الدفاع عن جارتها حكومة طهران لافشال العقوبات الأمريكية عليها، حيث أعلنت وزارة الخارجية العراقية، خلال مشاركتها في اجتماع الوكالة الدولية للطاقة الخاص بالاتفاق النووي “إن التخلي عن الاتفاق النووي يمكن أن يكون كارثيا على الجوار بأكمله”.
وهكذا تبدو خريطة المشهد الأمني في العراق، غير مطمئنة وتحفل بالكثير من الألغام التي قد تنفجر في أي لحظة وتغير وضع الاستقرار الهش الذي لن يصمد أمام هذه التحديات، وبالتالي عودة أوضاع الفوضى السائدة في عام 2003.