‘ثلاث سنوات من الفوضى السلطوية، السياسية والاقتصادية مرت على مصر منذ الاطاحة بحسني مبارك. وعلى مدى هذه الفترة لم ينجح أحد في تثبيت مكانته كزعيم الدولة الاكبر والاهم في العالم العربي. فقد هرع زعماء ومدعون بالتاج الى مركز المنصة واختفوا. احد منهم لم يتمتع بالشرعية الجماهيرية والدولية الحقيقية. وفي الاشهر الاخيرة تصعد وتنمو صورة الزعيم الاول لمصر بعد الثورة. فالجنرال السيسي ثبت الحكم، والثقة التي يحظى بها تغطي الطبقات والقطاعات. وباستثناء جيوب من المقاومة في اوساط الاخوان المسلمين الذين لا يزالون يعيشون الصدمة المطلقة لا يبدو أن احدا ما يمكنه أو هو معني بتحدي حكمه. في وسائل الاعلام وفي اوساط الجمهور المصري تتعاظم تعابير التقدير للسيسي. النساء يشترينَ منامات تعلوها صوره، الشكولاته مع صورته تباع في الشوارع، ومقالات في الصحف تمجد قدرته القيادية. هذا الاجماع لا يمكن أن يعلق فقط بتأثير الجيش والحكم على هيئات الصحافة المصرية. فوسائل الاعلام المصرية تفهم ما يدركه كل مواطن في الشارع المصري بشكل غريزي: الزعيم الذي تاقت له الجماهير منذ عزل مبارك موجود. من يقف ضده يقف ضد الشعب. ‘الجمهور المصري تعب وقلق. السنوات الثلاثة الاخيرة تركت آثارها عليه. فمطلب الحرية الديمقراطية حل محله التطلع الاكثر اتساعا المتعلق بالعيش اليومي. الشعب معني بزعيم قادر على أن يعيد المجتمع المصري الى الحياة، لتستقر الساحة السياسية الهشة ويعود الاقتصاد الى الحركة من جديد. ‘لقد نجح السيسي في أن يقيم استقرار الحكم من جديد على ساقيه الجيش والتأييد الشعبي. 98.1 في المئة من المقترعين صادقوا على الدستور الجديد في الاستفتاء الشعبي الاخير. واثبتوا بانه لم يتبقَ شيء من المعارض للسيسي. لا يهم اذا كان قرر التنافس على الرئاسة ام لا؛ فكل مرشح آخر ينتخب سيكون متعلقا به تماما. على الادارة الامريكية أن تستوعب درس الاشهر الاخيرة. لا يمكن مواصلة تفسير مطالب الشعب المصري بمفاهيم غربية. جماهير المصريين الذين خرجوا للتظاهر غضبا على مبارك وحكمه المطلق هم نفسهم الذين يهتفون للسيسي اليوم. فالاستقرار والامن الشخصي اهم لهم بقدر لا يقل عن الشعارات الرومانسية عن الحرية والديمقراطية. فكلما سارع الامريكيون الى قبول الحكم الجدد والتعاطي معه باحترام، يكون افضل. اسرائيل هي الاخرى عليها أن تواصل نهج الاحترام والحذر. على الحكومة أن تلطف الدعوات الحماسية في ضوء الشرخ بين السيسي وحماس. السيسي يقود سياسة مصالح وحساب منفعي وبارد. وكلما تحمست اسرائيل اكثر من المواجهة بينه وبين حماس، فانها تقرب موعد ترتيب العلاقات بينهما. فبعد أن تتعلم حماس مكانها وتحترم الحكم الجديد، يمكن للسيسي أيضا ان يتساوم معها. ومثلما في كل خطوة للامير المصري الجديد، يدور الحديث عن استراتيجية، وليس عن ايديولوجيا.