بيروت – «القدس العربي» : خلال التزامها بمقتضيات الحجر المنزلي، حولت أميمة الخليل بيتها إلى استوديو وأطلقت صوتها، وراحت تسجل الفيديوهات، أغنت صفحتها الفيسبوكية ولم تنقطع عن متابعيها. اختارت لهذه المشاركة عنوان «تسليت بالبيت». تنوعت اطلالاتها الغنائية بين فيروزيات أثيرة لديها، وأخرى من اغنياتها الخاصة مع مرسيل خليفة، بدءاً من عصفور، إلى الشيخ إمام وقليل من التراث. شاركها في بعض الأغنيات أداء لونا محمد وأحمد الخير، وعزف هاني سبليني البيانو، وكان للغناء دون آلات حصة كبيرة. الفيديو كليب جذب أميمة فاجتهدت لتقديمه. كانت فيديوهات مركبة بتقطيع جيد وصور معبرة لبعض الأغنيات، وأخرى ظهرت فيها وحيدة معتمدة على آلتها الخاصة والطيعة.
في نشاط أميمة الخليل خلال الحجر برزت محطات مميزة كعضويتها ضمن مجموعة نسائية اسمها «نساء ضد الحرب». وفي ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية 13 نيسان/أبريل كان للمجموعة فيلم تضمن شهادات مصورة ومن بينها واحدة لأميمة، التي استعانت بخبرتها في الفيديو كليب فتولت تنسيقه.
برزت في هذا الفيلم المتوافر على يوتيوب صور من أرشيف الزميل جمال السعيدي لمراحل عدة من الحرب.
والمحطة الثانية واللافتة فكراً وموقفاً من أميمة تمثلت في أغنية «شيد قصورك» للشاعر أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام. الشعارات التي اختارتها أميمة للفيديو كليب من إنتفاضة 17 تشرين أول/أكتوبر واضحة ومعبرة كمثل «يسقط رأس المال».
كبُرت أميمة الخليل، نضجت تجربتها الفنية وتنوعت، لكنها في البال عبر حضورها الأول مع مرسيل خليفة، الذي قدّمها في أسطوانة جميلة شعراً ولحناً من ألفها إلى يائها بعنوان «عالحدود». ومن بين أغنيات تلك الأسطوانة اختارت «نامي نامي يا زغيرة»، من كلمات بطرس روحانا، و«عصفور» من كلمات نبيل هادي. ففي الأولى غنت «لأطفال تعايشوا مع نكبتهم». وفي الثانية تساءلت «من منا الحر ومن السجين»؟ كل هذا يتواجد على صفحتها عبر فيسبوك وعلى قناتها الخاصة على يوتيوب.
نسألها توصيف الإختلاف بصوتها بين البدايات، حين غنت إسطوانة «عالحدود» والآن؟ تقول ببساطة: لم يعد صوتي متعاطفاً مع العصفور الموجوع فقط، بل بات يفكر في كيفية تعاطف آخر لا يعرف حكايته معه. وهذا ما يتطلب مساراً معيناً في خياراتي واطلالاتي وتعبيري الغنائي وفي يومياتي. نحن في مرحلة صعبة من تاريخ البشرية، وهناك الملايين لا سقف يحميهم، وفوق ذلك باتوا أكثر عرضة للكوارث.
لماذا أميمة عبر منصات التواصل الإجتماعي؟ تقول: خلال الحجر المنزلي تساءلت عن كيفية حضوري إلى جانب الذين يتابعوني عبر تلك المنصات. حرّضني العديد من الأصدقاء للبدء، لكن القرار استلزم وقتاً كي يتحقق. لازمتني عدة أغنيات وبعضها ألحّ بقوة ومنها «ساعدني يا نبع الينابيع» للسيدة فيروز من مسرحية «جبال الصوّان». غنيتها وسجلتها ونالت رواجاً كبيراً، وهذا شكل عامل تشجيع للمتابعة. كانت بحوزتي الكثير من المواد والصور وجدت مناسباً أن يتعرف إليها الناس، فقدمتها فيديو كليب عبر تطبيق سهل جداً. وتعاملت بصبر مع صعوبة مواءمة الصور في ما بينها لونا وشكلاً، ومع النص.
وماذا عن إختيارك لعبارة «تسليت بالبيت»؟ تقول: طال زمن المكوث في البيت، وبات مستحيلاً تواصل الغياب دون إنتاج أي جديد. وهكذا تواجدت في المكان الذي اتقن العمل من خلاله وهو صوتي.
والجديد يتمثل فه بالفيديوهات، التي صممتها لأغنيات معروفة من البعض وغير معروفة من آخرين، ساعدتني الصور التي في حوزتي لإنجازها. وهكذا ولدت فكرة «تسليت بالبيت» وكُسِر الغياب.
ما الذي يحتم الإختيارات الغنائية الجميلة والمعبرة بخاصة «شيد قصورك»؟ تجيب أميمة: ليس لي أن أكون خارج الواقع. هي اختيارات نابعة من مشاعري، ومن موقفي من المشاكل التي نواجهها في لبنان، ومن الكارثة التي أنزلتها الطبيعة على البشرية جمعاء. كل هذا يحتّم إختياراتي مضاف إليها حالتي النفسية. أختار الأغنيات من وحي يومياتي، فقد أرغب بمناجاة الله. وقد أرى ضرورة لإعادة تغذية الثورة، كما في أغنية «شيد قصورك» للشيخ إمام بمناسبة الأول من أيار/مايو. وقد أرغب في الغناء للصغار كما «عصفور ونامي يا زغيري». أو لحبيبي في «طريق النحل». وفي أحيان أغني لإبني البعيد عني وكل منا يحجر نفسه في بلد واللقاء المقبل، غير واضح المعالم. وتستطرد: بالمناسبة نعد نشيداً للثورة من كلمات جرمانوس جرمانوس ولحن أحمد الخير. أحمد فنان شاب من لبنان يتميز بصوت جميل، وأرغب في تقديمه بالتعاون مع هاني سبليني. إنه موهبة تستحق الدعم.
وهل كان الاختيار من ريبرتوار فيروز سهلا؟ تقول: كثافة ريبرتوار فيروز تسهّل الاختيار، والكثافة نفسها تصعّبه. تشكل فيروز صوت الحنين والحياة بكل ما فيها. وكما سبق القول حالتي النفسية هي التي تحدد خياراتي الغنائية. في الحجر ومع الوحدة بات أحدنا يستمع كثيراً لصوته الخاص ولضميره. بكل هذه البساطة عبّرت عن نفسي.