بغداد ـ «القدس العربي»: أقرّ الأمين العام السابق لمجلس الوزراء العراقي، مهدي العلاق، أن حجم الدمار في محافظة نينوى، جرّاء الحرب ضد «الدولة الإسلامية»، كبير جداً، وفيما كشف عن وجود 71 مقبرة جماعية لضحايا التنظيم في هذه المدينة وحدها، أشار إلى أن نحو مليون و500 ألف نازحٍ لم يتمكنوا من العودة إلى مدنهم، حتى الآن.
وشغل العلاق منصبه لمدة خمس سنوات (2014 ـ 2019) قبل أن يخلفه حميد الغزّي، محافظ ذي قار السابق، والذي ينتمي للتيار الصدري، الثلاثاء الماضي.
وفي آخر ظهور إعلامي للعلاق، قال في لقاء موسّع لـ«القدس العربي»، إن «الأمانة العامة هي الذراع التنفيذي لمجلس الوزراء، ولها جانبان أساسيان في العمل، الأول ما يسبق قرارات مجلس الوزراء، والثاني ما يلي إصدار القرارات»، مبيناً أن «الوزارات مرتبطة بكيان مجلس الوزراء، وتعقد اجتماعات دورية أسبوعية، فضلاً عن الاجتماعات الأخرى التي تعقدها اللجان القطاعية المتخصصة. كل ذلك هو صلب عمل الأمانة العامة لمجلس الوزراء التي تتولى إعداد بعض القرارات وتتابع إصدارها وتنفيذها».
وأضاف: «الأمانة تعدّ حلقة وصل بين رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، وجميع الجهات غير المرتبطة بوزارة، بالإضافة إلى بعض القضايا الأخرى مثل خلية إدارة الأزمات، ولجنة الحكومة الإلكترونية، ولجنة دعم الاستقرار الدولي»، مشيراً إلى أن «منذ عام 2003 حيث كان عمل الأمانة العامة لمجلس الوزراء مرتبكاً، وبدأ ينضج شيئاً فشيئاً، حتى أصبحت الأمانة مؤسسة رصينة».
وعلى الرغم من ذلك، غير أن العلاق أقرّ بوجود مشكلة كبيرة في قضية الاستثمار وملف الإعمار، كاشفاً عن «شكاوى من القطاع الخاص والمستثمرين في التلكؤ والبيروقراطية العالية والفساد وغيرها من الأمور، لذلك، فإن الأمانة عملت خلال السنوات الماضية على عقد سلسلة ندوات وورش ومؤتمرات مع رجال الأعمال والمستثمرين، وكان خلال كل اجتماع تصدر عدة توصيات وترفع إلى رئاسة الوزراء لاتخاذ قرارات بشأنها.
لا أدعي أننا حسمنا كل الإشكالات لكن القطاع الخاص يعترف باتخاذ قرارات مهمة من بينها دفع المستحقات وإلغاء الفوائد المترتبة على مبالغ لم تستطع الحكومة من الإيفاء بالتزاماتها تجاه القطاع الخاص، ناهيك عن التسهيلات الأخيرة بشأن منح سمات الدخول للمستثمرين».
الضغوط السياسية
وعن الضغوط السياسية التي تعرض لها العلاق إبان فترة توليه المنصب، أوضح قائلاً: «أنا مستقل لكن مهني (يحمل شهادة الدكتوراه في الاحصاء)، وأدعم جميع الأحزاب التي تكون توجهاتها باتجاه تحقيق الواجب والتطور والتنمية في البلاد.
أنا منفتح على الجميع ولم أعان من هذا الموضوع (ضغوطات)»، منوهاً أن «من الطبيعي لحكومة تضم العديد من التيارات والتشكيلات السياسية، أن تكون هناك تعددية في وجهات النظر منطلقة من رؤية وفلسفة الحزب أو التيار، ولا بد أن تؤخذ بنظر الاعتبار».
وتحدث عن تأخر جهود إعمار مدينة الموصل بعد مرور نحو عامين على تحريرها من سيطرة تنظيم «الدولة»، قائلاً: «مستوى الدمار كبير جداً، وفي مؤتمر الكويت (لإعمار العراق جرى في شباط/ فبراير 2018)، كانت تقديراتنا بشأن قيمة الأضرار التي لحقت بالمدن المدمّرة أنها تبلغ نحو 88 مليار دولار. هذا رقم كبير جداً ولا تستطيع أكثر الدول قدرة مالية أن تغطي الاحتياجات على مدى 2 ـ 3 سنوات».
وأضاف: «محافظة نينوى وقع عليها العبء الأكبر من الخسائر. نحو ربع المبلغ (22 مليار دولار) يتعلق بحجم خسائر المدينة في البنى التحتية، والأغلى من ذلك أرواح المواطنين الأبرياء والإعاقات التي حصلت»، مشيراً إلى أن «عملية الفصل بين مشاريع دعم الاستقرار (المرحلة الأولى) وإعادة الإعمار (المرحلة الثانية)، استطعنا أن نشجع نسبة كبيرة من النازحين إلى العودة لمناطق سكنهم».
وأكمل: «في التقرير الذي قدمناه للمؤتمر حينها، أشرنا إلى القطاعات الأكثر تضرراً. هناك مشاريع استراتيجية استهدفت قبل أي مشروع آخر، بهدف إيقاع أكبر نسبة من الخسائر، فضلاً عن تعطيل الخدمات الأساسية، كمصفى بيجي ومشاريع صناعية أخرى»، لافتاً إلى أن «هناك إمعانا من قبل تنظيم الدولة في أن يدمّر أكبر ما يستطيع من البنى التحتية».
وتابع: «مستوى الدمار في نينوى كان كبيراً جداً، لا سيما في المدينة القديمة»، مبيناً أن «مفهوم دعم الاستقرار جاء بالتعاون مع الأمم المتحدة والفريق الأممي الذي يتلقى دعمه المالي من الدول المانحة في التحالف الدولي. هذه الدول وفرت لنا إمكانات لإعادة خدمات يمكن إنجازها بشكل سريع وبكلف ليست كبيرة لكنها تشجّع على عودة النازحين، مثل تأهيل بعض مشاريع الماء التي كانت تحتاج إلى 10 ـ 20 ملايين دينار (نحو 18 ألف دولار)، لكن تأهيلها سيشجع سكان القرى والنواحي إلى العودة السريعة». ووفق العلاق «تم التركيز خلال السنتين الماضيتين على مشاريع دعم الاستقرار»، منوهاً أن «هذه المشاريع لم تنجز فقط من خلال فريق الدعم الدولي، بل مناصفة مع الحكومة العراقية. مشاريع بقيمة نحو 900 مليون دولار أنجزت من قبل الفريق الدولي، يقابلها أيضاً مشاريع أنجزتها الحكومة».
وكشف عن «عودة 60 ـ 70٪ من النازحين إلى مناطقهم. لا يمكن للعائلات أن تعود من دون توفير الحد الأدنى من الخدمات»، موضحاً أن «المأوى ما يزال يمثل مشكلة كبيرة. بعض المناطق كانت نسبة الدمار فيها قليلة، مثلا الأضرار التي حصلت في قطاع السكن في مدينة الفلوجة أقل بكثير من نضيره في الرمادي، بكون إن معركة تحرير الرمادي استغرقت كثيراً».
«الضرر الأكبر»
وأقر أن «الضرر الأكبر في قطاع السكن كان في الجانب الأيمن من مدينة الموصل. سرعة حسم العمليات في الجانب الأيسر من المدينة لم تعطي فرصة للعدو للتدمير، لذلك ترى الآن أن الحياة اعتيادية في أيسر الموصل بنسبة 90 ـ 95٪، خلافاً للجانب الأيمن». وأضاف: «قطاع الطاقة يعد من أكثر القطاعات تضرراً جراء الحرب ضد داعش، وكذلك البنى التحتية، ومن ثم قطاع السكن، لا سيما في محافظة نينوى».
وعرّج أيضاً لعدد المقابر الجماعية في نينوى، مشيراً إلى إن هناك 71 مقبرة جماعية (لضحايا التنظيم) منتشرة في نينوى.
88 مليار دولار قيمة الأضرار في المدن التي شهدت معارك… ومشاريع الطاقة الأكثر تأثراً
هناك عمل دقيق للكشف عنها»، مبيناً إنه «خلال هذا العام ستكتمل عملية فتح جميع هذه المقابر في نينوى والمحافظات الأخرى».
وتابع: «هناك مقابر جماعية غير مكتشفة تعود لحقبة النظام السابق»، مؤكداً «استمرار العمل في الكشف عن المقابر الجماعية ليس في المناطق المحررة فقط بل في جميع المناطق. هناك عشوائية في إخفاء المقابر، لذلك تحتاج إلى وقت كبير».
وعن مدى تأثير انتشار الألغام في الجانب الأيمن الموصل، على جهود إعمار المدينة، أوضح أن «من غير الممكن رفع الأنقاض أو إعادة تأهيل المدينة من دون أن تتحقق بنسبة 100٪، أن المنطقة نظيفة بيئياً من الألغام والمتفجرات»، مؤكداً: «لدينا دعم في هذا الجانب من صندوق دعم الاستقرار، وهناك شركات تعمل غير إن الموضوع ما يزال بطيئاً بسبب قلة التخصيصات».
وتحدث أيضاً عن مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق قائلاً، إن «المؤتمر عقد في شباط/ فبراير 2018، أي قبل شهرين من بدأ الحملة الانتخابية»، لافتاً إلى أن «عند عودتنا إلى بغداد، كان هناك مقترح من رئيس الوزراء السابق (حيدر العبادي) أن نعقد اجتماعا فوريا للدول التي أعلنت عن التزاماتها ـ نحو 70 جهة قدمت تعهدات بقيمة 31 مليار دولار ـ وعقدنا اجتماعات مع دول أو منظمات دولية، وتم توزيع استمارة خاصة بمتابعة ذلك. قسم من الدول والمنظمات استجابت لملء الاستمارة بهدف تحويلها إلى التزام دولي. الدول عندما تقدم تعهدات لا بد أن تأخذ بنظر الاعتبار الوضع السياسي ومن هو رئيس الوزراء، ربما بعض الدول لديها تحفظات. لهذا السبب تم أخذ وقت كبير».
وتابع: «نسبة استجابة الدول لملء الاستمارة ليست كبيرة جداً. غالبية التعهدات هي قروض، ونتيجة للمديونية العالية للدولة والعجز الكبير بسبب انخفاض أسعار النفط، ليس بمقدورها الموافقة على جميع القروض»، مشيراً في الوقت عيّنه إلى أن «عدد النازحين الكلي في جميع المحافظات بلغ خمسة ملايين ونصف المليون نازح.
هذه الأرقام لا يمكن ضبطها بشكل دقيق بسبب الحراك، فهناك من نزح من نينوى واستقر في أربيل أو في إحدى المحافظات الجنوبية واستقر هناك. لا يمكن أن نجبره على العودة لكنه بالنهاية يعدّ ضمن النازحين».
الالاف من المختطفين من المدنيين تم اختطافهم من قبل الحشد الإيراني واتهامهم وتلفيق أن داعش قتلهم