تونس – “القدس العربي” : لفتت لاعبة التنس التونسية المحترفة أنس جابر الأنظار في الآونة الأخيرة بعد نجاحها الباهر في التغلب على أعتى لاعبات هذه الرياضة التي ليس للعرب فيها تقاليد ولا حتى الأفارقة، إذا استثنينا لاعبي جنوب إفريقيا من أصول بريطانية وهولندية، وذلك في دورات هامة على غرار دورة أستراليا المفتوحة ودورة الولايات المتحدة المفتوحة وغيرها. ولعل اللافت هو أن أنس جابر تونسية لحما ودما ولدت في مدينة قصر هلال من ولاية المنستير بمنطقة الساحل التونسي ونشأت وترعرعت في تونس وتعلمت فيها أبجديات رياضة كرة المضرب وشاركت في مختلف دوراتها، ومن الخضراء كانت انطلاقتها نحو العالمية أسوة بمواطنها مالك الجزيري الذي تقدم بدوره في تصنيف الرجال، وأكد علو كعب التونسيين في هذه الرياضة وريادتهم عربيا وإفريقيا وبلوغهم العالمية رغم الظروف الإستثنائية التي يعيشها البلد.
والحقيقة أن المطلع على مسيرة أنس جابر في عالم كرة المضرب لا يستغرب من نجاحاتها التي تتحقق اليوم وتنبئ بالمزيد في قادم الدورات باعتبارها في نسق تصاعدي وتحدوها عزيمة فولاذية للنجاح وتدارك ما فات، خاصة وقد كانت تستحق الأفضل لولا الإصابات ولولا انسحابها في وقت سابق من دورتين تفاديا للتباري مع لاعبات من الكيان الصهيوني. حيث انسحبت أنس مرتين وتفادت اللعب ضد إسرائيليتين وهو ما كلفها العقوبة من الإتحاد الدولي لهذه الرياضة وأثرّ سلبا على مسيرتها، و بسبب كثرة الإصابات أيضا خرجت اللاعبة التونسية في وقت ما من التصنيف الدولي، لكنها تعود هذه المرة وتتبارى مع لاعبة إسرائيلية وتنتصر عليها، لكن انتصارها لم يفرح كثيرا التونسيين وخلق جدلا واسعا واتهمها البعض بالتطبيع وشنت عليها حملة شعواء.
لقد اعتبرت فئة من التونسيين أن منافسة الصهاينة رياضيا والإنتصار عليهم على غرار ما فعلت أنس جابر ليس تطبيعا، وأن الإنسحاب من أمامهم مثلما فعلت أنس جابر أيضا في وقت سابق، هو ضرب من ضروب الجبن وعدم الثقة بالنفس والقدرات. وهو يوحي للرأي العام الدولي أن العرب ضعفاء ولا قدرة لهم على المنافسة، كما أن الإنسحاب، بنظر هؤلاء، يعطي الفرصة للصهاينة للنجاح والتقدم وتحقيق نتائج إيجابية من دون تعب. في حين يعتبر شق آخر من التونسيين أن ما قامت به أنس جابر مؤخرا هو تطبيع مع الكيان الصهيوني حتى وإن انتصرت على اللاعبة الإسرائيلية، وبالتالي وجب التصدي إلى هذه الممارسات التطبيعية التي تجعل الكيان الصهيوني يحظى بالإعتراف رياضيا ويستغل هذه المنافسات لتسويق نفسه ككيان طبيعي ينافس الأمم بشكل طبيعي في ميدان عرف بأنه للتحابب والتقارب بين الشعوب.
ويشار إلى أن أنس جابر لفتت أنظار التونسيين منذ بداياتها و تنبأوا لها بمستقبل باهر، ربما أفضل بكثير مما تحققه اليوم، ناهيك أنها وصلت إلى نهائي بطولة فرنسا المفتوحة رولان غاروس للناشئين وهي واحدة من الدورات الأربعة الكبرى وذلك سنة 2010. ثم فازت بهذه الدورة في فئة الناشئين سنة 2011 لتصبح أول لاعبة عربية وشمال إفريقية تفوز بواحدة من الدورات الكبرى. وفي بطولة الولايات المتحدة المفتوحة للناشئين في نفس العام وصلت أنس في الزوجي إلى الدور ربع النهائي وفي الفردي وصلت إلى الدور نصف النهائي بفوزها على ريزا أوزاكي وإرينا خروماشيفا وأوجيني بوشار وكارولين غارسيا، ثم انهزمت أمام يوليا بوتينتسيفا.
وعموما فازت أنس إلى حد الآن بأحد عشر لقبا فرديا، وبلقب وحيد في الزوجي، وهي تحتل اليوم المرتبة 39 عالميا ومرشحة للوصول إلى العشرة الأوائل بالنظر إلى النسق التصاعدي للاعبة التونسية. وكانت عودة أنس الحقيقية من الباب الكبير سنة 2018 بعد سنوات عجاف من الإصابات والإنسحابات، فقد وصلت إلى نهائي كأس الكرملين في روسيا، لتصبح أول لاعبة عربية تصل إلى النهائي في بطولات اتحاد لاعبات التنس المحترفات وذلك بعد فوزها بثلاث تصفيات وأربع مباريات في الأدوار الرئيسية، وهزمت في هذه الدورة المهمة المصنفة رقم 8 سلون ستيفنز والمصنفة رقم 12 أناستازيا سيفاستوفا.
وفي هذه السنة شاركت أنس جابر في بطولة أستراليا المفتوحة ونجحت في الوصول إلى الدور ربع النهائي لأول مرة بعد سلسلة من الإنتصارات على كبيرات هذه اللعبة، وبذلك أصبحت أول لاعبة عربية تصل لربع نهائي بطولة من البطولات الأربعة الكبرى. ولعل ما يميز أنس جابر على كثيرات في عالم التنس الاحترافي هو علو كعبها في مختلف الميادين، سواء تعلق الأمر بالأرضية الترابية أو بالعشب أو بغيره، وذلك خلافا للاعبات كثيرات لا يبدعن إلا في صنف وحيد من الميادين.
وينتظر جمهور رياضة كرة المضرب في تونس أن تكون سنة 2020 سنة انطلاقة أنس جابر الحقيقية ومواطنها مالك الجزيري لتتموقع إبنة مدينة قصر هلال بين اللاعبات العشرة الأوائل على مستوى العالم. ولتتألق في الدورات الأربع الكبرى على وجه الخصوص، خاصة وقد شاهدها التونسيون عن كثب وآمنوا بقدراتها في دورة تونس المفتوحة التي سبق لأنس أن فازت بها على أرضها وبتشجيع من جماهيرها وبحضور لاعبات منافسات من مستوى عال من مختلف أنحاء العالم.