أنطولوجيا منوعة حول قصص مغربية مكتوبة باللغة الإسبانية، صادرة عن دار النشر الإسبانية بورت روايال في مدينة غرناطة، كان قد أشرف على إعداد هذا الكتاب قيد حياته الأديب الإسباني الراحل خاثنتو لوبث كورخي صديق الأديب المغربي المأسوف عليه الراحل محمد الصباغ.
الأديب كورخي سبق له أن أصدر أنطولوجيا مماثلة عن موضوع «المغرب في الشعر الإسباني المعاصر» منذ بضع سنوات في مدريد إبان وجودي فيها، حيث كان قد طلب مني مراجعة العديد من نصوصها التي كانت قد كُتبت أصلاً باللغة العربية ثم نقلت إلى اللغة الإسبانية.
التأثير العربي في الأدب الإسباني
يقول الناقد الإسباني أنخيل باسانتا معلقاً عن هذه الأنطولوجيا: «إن الحضور العربي في الأدب الإسباني حقيقة بدهية واضحة في مختلف العصور والعهود، ونرى هذا التأثير في أغراض وقوالب أدبية إسبانية متنوعة، سواء في القصة أو الشعر أو المسرح أو الرواية، في تاريخ الأدب الإسباني على امتداد مراحله، بل إن هذه التأثيرات العربية القوية أصبحت تظهر بجلاء في أعمال بعض الكتاب الإسبان الكبار الذين يحظون بشهرة عالمية واسعة ويحتلون مكانة مهمة في تاريخ الإبداع الأدبي الإسباني على اختلاف أغراضه بدءاً بعصر النهضة ووصولاً إلى يومنا الحاضر».
ويؤكد الناقد الإسباني في السياق ذاته: «وهكذا نجد هذا التأثير لدى الكاتب الإسباني المعروف أثيبريستي دى هيتا والاسم الحقيقي لهذا الكاتب الذي ينحدر أصله من مدينة «وادي الحجارة» هو خوان رويث، وقد اشتهر بمؤلفه الوحيد والفريد الذي يحمل عنواناً يناسب العصر الذي عاش فيه وهو: «كتاب الحب الطيب» ( El libro del buen amor) الذي نُشر عام 1330 ونال شهرةً واسعة ليس فى بلده إسبانيا وحسب، بل في مختلف البلدان الأوروبية كذلك، إذ ما زال النقاد يعتبرونه من أهم الأعمال الأدبية الإبداعية التي كُتبت فى القرون الوسطى، وعلى وجه التحديد فى القرن الرابع عشر الميلادي، كما نجد هذا التأثير كذلك لدى شيخ الروائيين الإسبان ميغيل دي سيرفانتس (صاحب أشهر رواية في اللغة الإسبانية) وهي «دون كيخوته دي لا مانشا» الذي أصبح اليوم الرمز البارز للآداب الإسبانية في مختلف العصور، ونجد هذا التأثير بوضوح كذلك عند الكاتب الكناري مولداً، والمدريدي نشأةً الروائي بينيتو بيريت غالروس، ولدى الشاعر الأندلسي الذائع الصيت فيدريكو غارسيا لوركا، ولدى الكاتبيْن الإسبانيين خوسيه رامون سيندر، وخوان جويتيسولو وعند آخرين وهم كثُر.
المغرب في الآداب الإسبانية
ويضيف الكاتب الإسباني أنخيل باسانتا: «إن المغرب باعتباره من أقرب البلدان العربية من إسبانيا تاريخياً وجغرافياً، كان له دائماً حضور مكثف في الآداب الإسبانية، ومن ثم تلك القوة والخصوبة في العلاقات الثقافية المغربية ـ الإسبانية، الضاربة في القدم، حيث يقدم لنا كل ذلك حقلاً خصباً، ومجالاً ثرياً للدراسة والبحث والتقصي والمتابعة، خاصة لهؤلاء الذين ظلوا مشدودين إلى هذا البلد في النصف الثاني من القرن العشرين الفارط، ومن بين هؤلاء نجد اسم الكاتب الإسباني خاثنتو لوبت كورخي وهو الشاعر الرقيق، والباحث المدقق المولود في مدينة مليلية (شمالي المغرب) الذي يستحق كل احترام نظراً لما قام به في هذا المجال، خاصة في حقبة الخمسينيات من القرن المنصرم في مدينة تطوان، حيث كان يعمل في ذلك الإبان مديراً لمجلات (إسبانية ـ مغربية).
مجلات إسبانية ـ عربية
كانت هذه المجلات قد شكلت منبراً مهماً لنخبة من الكتّاب والمبدعين والشعراء والمترجمين، الذين كانت لديهم اهتمامات خاصة بالأدب الإسباني والمغربي على حد سواء، مثل الأدباء محمد العربي الخطابي، ومحمد الصباغ، وعبد السلام البقالي، وعبد اللطيف الخطيب وسواهم، رحمهم الله، ونذكر من هذه المجلات مجلتيْ «المُعتمد» التي كانت تصدرها صديقة الكاتب كورخي الأديبة الإسبانية ترينا ميركادير في مدينة العرائش المغربية، ومجلة «كتامة» التي كان يصدرها ويشرف عليها خاثنتو لوبث كورخي في حاضرة تطوان، وكلتا المجلتين شكلتا سبقاً عظيماً لم نر له مثيلاً ولا نظيراً فى العالم العربي حتى اليوم، إذ كانتا تصدران فى آنٍ واحدٍ فى ذلك الأوان ـ مناصفةً – باللغتين العربية والإسبانية. وكان آخر نتاج لهذا الباحث قبل رحيله هذه الأنطولوجيا التي حصرها بشكل خاص في القصة المغربية المكتوبة أصلا باللغة الإسبانية، من طرف كتاب مغاربة كانوا يجيدون الكتابة والتأليف بهذه اللغة إجادةً تامة، علماً أنه كان قد أصدر قبل ذلك كتابه الذي يحمل عنوان: «المغرب في الشعر الإسباني المعاصر».
وأنطولوجيا القصص المغربية المكتوبة باللغة الإسبانية، تضم بين دفتيْها 30 قصة مكتوبة بأقلام كتاب إسبان و7 قصص بأقلام كتّاب مغاربة يكتبون باللغة الإسبانية، والنصوص المنتقاة كانت قد نُشرت في فترات زمانية متباعدة انطلاقاً من الخمسينيات حتى التسعينيات من القرن الفارط، ومن الأسماء الأدبية التي أدرجت في هذه الأنطولوجيا (إسبانية ومغربية): نجد: فرانسيسكو ألكالدي، مانويل ألونسو، خوسيه لوريتي دياث، كارمن مارتين، دُورَا باكايكووا وترينا مركارير، ومن الكتاب المغاربة نجد: عبد اللطيف الخطيب، محمد العربي الخطابي، ومحمد التمسماني، ومحمد شقور، والعربي الحرثي، وعبد القادر الورياشي، ومحمد بويسف الركاب وآخرين.
قصص مستوحاة من الواقع
وتعالج هذه القصص أغراضاً، ومضامين ومواضيعَ مغربية متباينة، مستقاة ومستوحاة من صميم الواقع المغربي المُعاش في مختلف ميادينه، ومجالاته، وشخصياته، وأجوائه، وعاداته، وتقاليده، وتاريخه، ونضاله من أجل الحرية، والإنعتاق والاستقلال. وقد أدرج خاثنتو لوبث كورخي هؤلاء الكتّاب في كتابه بشكل زمني متسلسل حسب ميلاد كل منهم، حيث يقدم لنا هذا التطور الزمني الملموس نوعية التقنية الفنية المُستعملة في كتابة هذه القصص مع رصد شامل لمراحل تطور المجتمع المغربي في هذه الفترات الزمانية المتباعدة، خاصة التغيير الهائل الذي شهدته المدن والحواضر المغربية، والتطور الملموس الذي عرفته قراه، وقبائله، ومداشره، وبواديه في منتصف القرن العشرين المنصرم.
كاتب من المغرب
الأدب والفنون بأنواعها تعتبر من الكماليات للأسف في البلدان المتخلفة , مع العلم أننا لو بسطنا نظرنا لرأينا جميع الدول المتقدمة علوما وتكنولوجيا متقدمة كذلك ثقافيا وفنيا, تجد كتابا وسينمائيين ورجال مسرح عالميين قادمين من دول لايفوق تعداد سكانها بضع ملايين نسمة, لكنها دولا تعيش الرفاهية والازدهار الفني والثقافي بالموازاة مع العلمي والتقني.