أنغريد جونكر (1933 ـ 1965) شاعرة لم تُمتع بشبابها. عاشت حياة عاصفة بين أم رحلت وهي في العاشرة من عمرها، وأب عنصري كان رئيس لجنة الرقابة في برلمان افريقيا الجنوبية. وقد جرت حياتها على هذا النحو، حتى بعد زواجها، فقادتها بعد غراميات غير قليلة، ورحلات إلى أوروبا؛ إلى الانتحار غرقا. على أن ما يعنينا ونحن نستحضر ذكراها اليوم، في خضم العنصرية المستجدة، أنها كانت صوتا صارخا في وجه التمييز العنصري في جنوب افريقيا، مع كتاب وشعراء مرموقين مثل أندري برنك (1936ـ 2015) وبرايتن بريتنباخ (1939)، وآخرين غير قليلين، خاصة الذين عرفوا بـ»الستينيين» نسبة إلى الستينيات من القرن الماضي. وقد كتبوا بالإنكليزية مثلما كتبوا بـ»الافريقية» وهي لغة يتكلمها الناس في افريقيا الجنوبية وفي ناميبيا؛ تنضوي إلى ما يصطلح عليه بـ»الهندية الأوروبية» وهي صفة اللغات الأوروبية والآسيوية المتحدرة من أصل مشترك.
أعرف أنغريد جونكر، من خلال ما ترجم من أعمالها إلى الفرنسية، وهو قليل لا يتعدى بضع قصائد قصيرة؛ على الرغم من أنها نشرت في حياتها مجموعتين (1956 و1963)، وكتبت القصة القصيرة، ومسرحية واحدة. ولعل قصيدتها «الطفل لم يمت» هي الأشهر، إذ تمثل بها نيلسون منديلا يوم تنصيبه رئيسا لافريقيا الجنوبية، أمام أول برلمان ينتخب ديمقراطيا؛ وهي خيط الحرير الذي وصل بين المناضل الفد ذي البشرة السوداء، وهذه الشاعرة «البيضاء». وقد كتبتها إثر مقتل رضيع افريقي أجهز عليه البوليس في الفاتح من إبريل/نيسان 1960، ما أدمى قلبها، وجعلها تندفع بلا تهيب إلى ملاقاة والدة الضحية. ونالت بسبب ذلك ما نالت من الشتائم والثلب، على نحو ما نقله إلى الفرنسية صديقي الناشر الشاعر برونو دوساي. ومن ذلك هذا الحوار الذي جرى بينها وبين الصحافي جوهانس فان دير بوت، وهو يستغرب كيف تتجرأ على أن تطلب منه نشر قصيدتها:
ـ أيمكن أن تكوني شيوعية هكذا بمحض الصدفة؟ وتجيب أنغريد: ـ لا، لكن لماذا تسألني، ولماذا عليّ أن أكون؟
ـ آه، ساورني الشك، لست شيوعية إذن، وإنما أنت شاعرة لا غير.. الدويْبة الأكثر إيذاء، في أرض جنوب افريقيا.إذن لك مشاعر. مشاعر عطف على أناس من الطبقات الدنيا.. وتتجرأين فتطلبين مني أن أنشر هذه الرداءة الأنَسية (ذات النزعة الإنسانية).. على أي كوكب تعيشين أنت؟ هل قدّرت عواقب قصيدتك، وأثرها في قراء صحيفتي اليومية؟ هل قدّرت عدد الذين سيسحبون اشتراكاتهم؟ والتليفوانات الحانقة، ورسائل التقريع، والتهديدات بالقتل التي ستغرق قسم التحرير؟ كل هذا من أجل رضيع أسود، لونه وعرقه ليس لهما أي قيمة عند أحد. هل أصابك مسّ من الجنون أنغريد؟
ولكنني أنقل إليكم قصيدتها القصيرة الأخرى «أنت يا شق القمر»، وهي التي يستحضرها بعض أصدقائي من الشعراء الفرنسيين مثل جاك فورنييه، في هذه الايام العصيبة من تاريخ البشر.
أنت يا شق القمر
شق القمر هو قرص النهار
ذاك الذي يطفو منسيا هناك في الأعالي في السواد
غير أني أستشعر هذا المساء جسمك الدافئ يقول لي
زدني، زدني ، زدْني
أنا أتفتح مثل نجمة في ورْكك
جسدك عمّدني في جثمانك
بعيدا على طريق الليل
عُدْ، عُدْ، عُدْ
صوت عينيك هو إيقاع جذعك
جرح يديك وفخذيك
آه يا عطش شفتيك، الليل يخرق قشرته
إنسَ، إنسَ، إنسَ