إذا كان المحللون يتحدثون عن ماء وجه أوباما وحفظه، بعدما تسلق شجرة التهديد والوعيد بضرب النظام السوري، ورأوا باقتراح روسيا بمراقبة المخزون الكيماوي السوري سُلمًا لهبوط أوباما عن الشجرة وحفظا لماء وجهه، بعدما سبق وأعلنوا أن سلالم كثيرة قدمت له من مجلس العموم البريطاني والبرلمان الفرنسي والكونغرس الأمريكي، لكنه لم ينزل عن الشجرة بل ناور ووقف على رأس السلم ،فأبعد شبح الضربة العسكرية مؤقتا ولكنه لم يلغ هذا الخيار، هذا السلم الدبلوماسي استخدمه بوتين أيضا لنفسه ولحلفاء النظام السوري، فقد أسرع النظام السوري لتلقفها لإنقاذ جلده ولو إلى حين وباركته إيران وغيرها، في هذه المعادلة يكون أوباما وإسرائيل قد بدآ بتحقيق هدف طالما حلما به، وهو نزع السلاح الكيماوي السوري كما حدث مع العراق. في الماضي القريب كانت لدى النظام ورقة يلوح بها وبحقّ كلما طالبوه بنزع السلاح الكيماوي والانضمام إلى اتفاقية منع انتشاره، كانت ورقته هي بأن على إسرائيل أن تنضم لمثل هذه الاتفاقية، ،هذه الورقة خسرها النظام السوري بعدما دارت شكوك قوية حول استخدامه لهذا السلاح ضد شعبه، وبغبائه الفظيع لم يعد أمامه سوى الخضوع للمقترح الروسي،وسرعة تلقفه للاقتراح تدل على أنه كان متفاهمًا عليه مع الروس قبل الإعلان عنه.
أوباما حقق هذا الإنجاز من خلال التهديد باستعمال القوة، دون أن يطلق رصاصة واحدة، وبهذا يكون قد نجح نجاحًا كبيرًا لأن القوة جاءت لخدمة السياسة، سواء استعملت أم تم التهديد باستعمالها.
منذ بداية الصراع في سورية كان موقف أمريكا وإسرائيل والغرب عمومًا واضحًا، وهو ترك السوريين يقتتلون ويستنزفون بعضهم البعض هم وحلفاؤهم ومن الطرفين المتنازعين، دون وصول طرف إلى الحسم والنصر، بل أن تطويل أمد الصراع الداخلي في سورية يعود بالفائدة أولا وقبل كل شيء على إسرائيل الحليفة الأولى، كذلك على الأقطار العربية التي تخشى وصول الثورات إليها.
إلا أن ظهور الكيماوي واستعماله شكل صافرة إنذار لدى إسرائيل والغرب،أولا لأنه قد يؤدي إلى تفوّق النظام الميداني على المعارضة، وهذا يخل بالتوازن ويقصّر أمد الحرب، وثانيا والأهم أن الكيماوي سواء كان بيد النظام أو بيد المعارضة يعتبر خطرًا على إسرائيل وقوة ردعها، فأمريكا والغرب يرون أن لإسرائيل الحق بامتلاك أي نوع من السلاح بما في ذلك غير التقليدي، ولكنهم يحرمونه على أي طرف آخر في المنطقة حتى على حلفائهم من العرب، وإذا كان لدى النظام السوري في الماضي حجّة بأنه مستعد لنزع سلاح الدمار الشامل شرط أن يلتزم به الجميع بما في ذلك إسرائيل، فإنه بتراجعه أمام التهديد الأمريكي وموافقته على وضع سلاحه الكيماوي تحت رقابة دولية يكون قد تنازل عن شرطه هذا، وهذه خطوة أولى نحو تفكيك هذا السلاح، ولدى أوباما الكثير من الوقت، ولتستمر المحرقة في سورية، فهذا ليس ما يعنيه.
بعد الرقابة ستنشأ اقتراحات لتدمير هذا السلاح، فما دمت لا تنوي استعماله إذن ما هي حاجتك إليه!سيتم تدميره بقرار من مجلس الأمن الدولي وإلا فالعقوبة العسكرية بالمرصاد.
ستتوالى المقترحات على مجلس الأمن وسوف تناقش بنود وتفاصيل المقترحات،والسطر الأخير فيها كلها، أن النظام السوري الذي احتفظ بسلاحه الكيماوي كعامل ردع للسلاح الذري الإسرائيلي سيفقد هذا العامل، وبطبيعة الحال لن يجرَأ على استعماله مرة أخرى ضد أبناء شعبه مسلحين أو غير مسلحين.
الاقتراح الروسي شكل سلمًا للروس الذين كانوا سيجدون أنفسهم في موقف حرج جدا، فيما لو نفذ أوباما تهديداته بضرب سوريا، لأنهم لن يدخلوا حربًا عالمية لأجل نظام يلعب في الوقت الضائع، كذلك الأمر بالنسبة لإيران، فهي أيضًا ترى بالمقترح الروسي سلمًا لها، لأن نشوب الحرب قد يؤدي إلى تورطها هي الأخرى، وفي هذه الحالة قد تجد نفسها في ورطة كبيرة أمام قوى عالمية مدمّرة، قد تسفر عن تفكيك مشروعها النووي بعد دمار كبير يلحق بها وبجميع الأطراف.
النزول عن الشجرة والوقوف على رأس السلم لا يعني نهاية الملف الكيماوي السوري، بل هي البداية فقط، والتهديد باستعمال القوة سيبقى قائمًا، وأي موقف رافض لرقابة حقيقية ثم تفكيك الكيماوي السوري سيقلب الأمور رأسًا على عقب خلال ساعات.
النظام السوري لم ينج بعد من الضربة، ولكنه أجلها ، وهي ضربة ما كانت إلا لتزيد من الدماء والموت والدمار لهذا البلد،النظام ربح مسافة ووقتا، إلا أن الثوار لم يبنوا حساباتهم على التدخل الأجنبي لصالحهم منذ البداية، بل وأعلن جزء كبير منهم أنهم لا يحبذون التدخل الأجنبي، فهم ومنذ البداية يريدون أن يحققوا حريتهم بأيديهم هم أنفسهم، وهذا ما سيحصل، رغم كل المحبطات والتخاذل العربي والدولي…
صحيح انه لا يضر الشاة سلخها بعد ذبحها و ان صور ضحايا هيروشيما لا تقل فظاعة عن ضحايا الكيماوي و لكن يبقى الكيماوي سلاحا خسيسا و يجب نبذه و عدم استعماله و لو كان فقط في احرج الأوقات و للدفاع عن آخر رمق او حتى للتهديد و لكن العبره هو ان امريكا و اسرائيل لا يريدان قويا يعاديهما في المنطقه مثل ايران بالسلاح الذري و سوريا بالكيماوي و قبلها العراق و هذا هو الغرض و ليس حرية الشعوب و العطف على الاطفال و الابرياء فهذا افحش الكذب و هم آخر من يتبجح بالأخلاق و على العرب ان يطالبوا بالمثل اسرائيل بالتخلي عن اسلحتها الكيماويه و الذريه و لو حتى ذلك لن يحصل و لكن السكوت عنه ضعف ثم اننا كنا مشاهدين لدرس تطبيقي في الاعيب السياسه العالميه و صفقاتها الخلفيه و اعني بين روسيا و امريكا و انظروا الى المناجاه في الصوره بين كيري و لافروف و كانهما على اتم وفاق.. و العرب؟ كل المؤامرات عليهم و لضربهم ببعضهم البعض و هم يفعلون ولكن الدرس امام العيون فإلى من يعوّلون على امريكا و يضعون كل بيضاتهم في سلتها و الى المتفاوضين مع اسرائيل كُفّوا ! فلستم سوى اداه و سلعه في المزاد العلني بدون خفاء أو حياء حيث لا ضروره لذلك طالما ان رد الفعل معدوم .. الأمه العربيه قادره و لها المقومات ان تكون قوه لها حساب في الشرق الأوسط إذا أرادت و ليس لها خيار آخر
احسنت أخي سهيل كيوان فهذا تحليل رائع ومنطقي لكن دائماً نحن العرب والمسلمون ضحايا , وهذا عبر التاريخ الحديث نعاقب إذا فكرنا بالكرامة أو ما يوصلنا إليها .