الجنرال لويد اوستن، تماما مثل القائد الاعلى براك اوباما، صنع تاريخا: فهو الجنرال الاسود الاول الذي اختير ليترأس قيادة المنطقة الوسطى الامريكية التي تسيطر ضمن مناطق اخرى على ساحة العراق وسوريا، وبالتالي على القتال ضد الدولة الاسلامية ايضا. الاسود الاول عين الاسود الاول، ولكن ليس لان الرجلين يتفقان في كل شيء. فمرتين على الاقل، في ظروف حاسمة، اختار اوباما العمل ضد مشورة الجنرال لويد. المرة الاولى كانت عندما أوصى لويد، كقائد القوات في العراق عدم سحب كل القوات الامريكية من الدولة، بل ابقاء اكثر من 20 الف جندي في العراق. اما اوباما فاختار طريقا آخر.
المرة الثانية هي الان. فلويد يعتقد أن هزم الدولة الاسلامية يستوجب تواجدا بريا لقوات امريكية خاصة، لا تدرب فقط بل وتعمل كتفا بكتف مع وحدات محلية في المعارك ضد داعش. أما اوباما فيعتقد خلاف ذلك. ففي خطابه قبل نحو اسبوع ونصف عندما أعلن للامة ما ينوي عمله، شدد اساسا على ما لا ينوي عمله: لن يكون تواجد بري، لن تكون قوات مقاتلة، وكل شيء سيتم من الجو. فالحرب ضد داعش، قال اوباما، ستشبه بقدر اكبر ما فعلته امريكا في اليمن – الاغتيالات بواسطة الطائرات غير المأهولة – مما فعلته في بداية العقد الماضي في افغانستان في والعراق.
ليس سهلا ان يكون المرء قائد المنطقة الوسطى الامريكية. ليس سهلا في عهد اوباما، الذي ابعد ترفيع اوستن بسبب خلافات الرأي المتعلقة بالصراع ضد النووي الايراني. لم يكن سهلا ايضا في عهد بوش،عندما استبدال الجنرالات الواحد بالاخر الى أن وجد الجنرال الذي يعرف – على حد قول الرئيس لينكولن عن الجنرال يولست غرانت – كيف ينتصر. كان هذا دافيد بتراوس، الذي اودعه الرئيس بوش مهامة تعزيز القوات في العراق. في 2008 تسلم بتراوس القيادة، ولكن بعد سنتين من ذلك خفض رتبة – طوعا – عندما استجاب لطلب الرئيس اوباما محاولة انقاذ المهامة في افغانستان. ومع اعتزاله عينه اوباما رئيسا لـ «CIA» ولكن بتراوس لم يصمد في هذا المنصب. ففضيحة جراء قصة غرام كانت له مع من كتبت سيرته الذاتية أجبرته على الابتعاد عن الحياة العامة.
الـ «CIA» برئاسة خليفة بتراوس، جون برنان، هو المرشح لقيادة القوات الامريكية الخاصة التي ستنضم الى المعركة ضد داعش، اذا ما وعندما يتطلب الامر ذلك. وتحدث الجنرال مارتين دمبسي في الشهادة المشوشة امام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الاسبوع الماضي عن هذه الامكانية كامكانية قائمة، ظاهرا في خلاف صريح مع تعليمات الرئيس. «تعليمات الرئيس كانت واضحة»، كما عقبوا في البيت الابيض. واضحة لمن؟ يبدو ان الجيش لم يسلم بعد بها او لا يعتقد أنها ستجلب النتيجة المنشودة. كما أن سناتورات تساءلوا عن جوهر التناقض. بوب كوركر من تنسي استنتج أنه «لا توجد استراتيجية بعد» لادارة اوباما ببساطة، وهو ليس الوحيد الذي اعتقد ذلك.
«ليست حربا – حربا»
ان الخطاب الذي أعلن فيه اوباما عن خطته لمستقبل داعش كان منذ البداية استجابة للانتقاد الذي وجه له في أنه «ليس له استراتيجية». فكيف عرف الامريكيون أن ليس له استراتيجية؟ عرفوا، لانه هو نفسه قال لهم ذلك. زلة لسان أكثر مما هي بيان مخطط له، جرت وابلا من ردود الفعل وأجبرته على أن يثبت أن لديه خطة متبلورة او على الاقل التظاهر أن لديه واحدة كهذه.
عندها خطب اوباما، وأعلن أنه سيهاجم من الجو، ليس من الارض، في العراق، ولكن في سوريا ايضا، وانه سيبلور تحالفا. اما النجاح حاليا فهو محدود. الهجمات مستمرة، ولكن التحالف يعرج قليلا. كما سجلت عدة تحذيرات حادة من الروس والايرانيين ضد الهجوم في سوريا، وان اوباما سيتعين عليه أن يقرر اذا كان سيتجاهلها ويخاطر بهذا التجاهل. واعلن الايرانيون أنهم رفضوا عرضا امريكيا بالتعاون. اما حكم الاسد فاعلن بالذات أن الامريكيين يريدون التعاون – الادعاء الذي ترده الادارة ردا باتا. ومهما يكن من أمر، فان الجدال يحتدم، او في واقع الامر ثلاثة جدالات: 1. هل يوجد للرئيس اوباما استراتيجية أم ان هذه ليست أكثر من حملة علاقات عامة؟ 2. على فرض أنه توجد استراتيجية، فهل هي الاستراتيجية الصحيحة؟ 3. ولماذا ينبغي للامريكيين أن يقاتلوا ضد داعش؟
على السؤال الثالث يسهل ظاهرا الاجابة، حيث ان الرئيس نفسه أجاب عليه في خطابه. وهو لم يقنع الجميع. فاصحاب الرأي، مثل رمزي مرديني من «المجلس الاطلنطي»، ممن يعتقدون أن التدخل الامريكي هو الذي سيؤدي الى هجمات مضادة من الدولة الاسلامية على أهداف أمريكية، بينما الوقوف جانبا سيكون هو العمل الاكثر منطقيا. وحتى وقت غير بعيد، فان محافل داخل الادارة ايضا اعتقدت ذلك، وتغيير موقفها جاء في موعد مفاجيء قريب وربما مشبوه، من قرار الرئيس القاء خطاب للامة عن الحرب المرتقبة. فالادارة تدعي أن معلومات جديدة أدت الى اعادة تقدير شدة الخطر. هناك من يعتقد أن بالذات عدم رضى الجمهور من اوباما وشدة الهزة من قطع رؤوس الصحافيين الامريكيين هي التي أدت الى تغيير المواقف في الادارة.
عن السؤال الثاني لا معنى للاجابة قبل الاجابة على الاول، والجواب على الاول ليس سهلا. فقبل شهر فقط تقريبا قال اوباما لصحيفة «نيويورك تايمز» ان تسليح المعتدلين في سوريا كي يقاتلوا ضد اسرائيل «كان دوما ضربا من الخيال». اما الان فهو يريد ان يسلح ذات المعتدلين ممن اعتبرهم منذ وقت قصير مضى كـ «اطباء سابقين، مزارعين، صيادلة وما شابه»، وقضى أن احتمال أن ينجحوا في حمل السلاح والقتال بنجاعة ضد قوات مدربة يبدو صغيرا.
وهذا ليس الامر الوحيد الذي تجد الادارة صعوبة في أن تعرض فيه موقفا واضحا على مدى الزمن. فحتى التعريفات البسيطة هي تحديات معقدة. فهل ما تفعله الان امريكا جدير بلقب «حرب»؟ في خطابه نفسه لم يذكر اوباما الحرب. وفي الايام التالية واصلت الادارة هذا الخط. فقد قضى وزير الخارجية جون كيري أن الحديث يدور عن «عمل لمنع الارهاب». وترددت مستشارة الامن القومي لدى اوباما، سوزان رايس، بصوت عال: «لا أعرف اذا كان ينبغي ان نسمي هذه حربا أم حملة ضد الارهاب». ولكن بعد بضعة ايام من ذلك، تحت ضغط المراسلين، قضى الناطق بلسان البيت الابيض أن «امريكا في حرب». والادميرال جون كيربي، الناطق بلسان وزارة الدفاع، أكد التشخيص: «نحن نعرف أننا في حرب مع داعش».
«حرب أم لا حرب؟ ام ربما هذه حرب، ولكن مثلما اقترح إد مورسيه في مجلة «الاسبوع» ليس «حربا – حربا». هذه مسألة تعريف، ولكن ايضا مسألة اعلان نوايا واظهار جدية. فكلما تورط الرئيس في محاولاته السير مع سترة واقية والشعور أنه لا يرتديها، الخروج الى المعركة ولكن دون التعهد بالكثير – هكذا تتآكل ثقة من يتابعه في أن لديه بالفعل خطة عمل.
من يرقص على أنغام من؟
كما اسلفنا حتى لو كانت لدى اوباما خطة عمل، فينبغي السؤال ما هي فرصها للنجاح. جنرالاته، اعربوا بشكل غير مباشر عن رأيهم: يحتمل الا يكون هذا كافيا، يحتمل ان يضطروا الى «التوصية للرئيس» مثلما قال دمبسي باتخاذ وسائل اخرى. وهذا البيان جعل اسرة تحرير «النيويورك تايمز» تقفز. فهم يشخصون منذ الان «المنزلق السلس» الذي يقود أمريكا من تدخل محدود، من حجرة الطيارة، الى الحرب. وأفاد مراسل الصحيفة، بيتر بيكر أن الرئيس شعر أنه «يدفع» الى الحرب التي ليس مستعدا بالضرورة لها.
في احاديث طويلة اجراها الرئيس مع مستشارين من خارج الادارة في الاسابيع الاخيرة أكثر من التذمر من الظلم الذي احيق به بسبب الحذر الذي يتخذه. «انا لا اعتزم الاعتذار عن الحذر في هذه المجالات»، قال لهم اوباما. ويسخر منتقدو الرئيس من هذا الوصف. «انا لا اعلم بوجود احد ما ينتقد الرئيس على أنه حذر»، كتب جونا غولدبرغ، محرر المجلة اليمينية «ناشيونال جورنال».
أما وولتر راسل ميد، رجل «امريكان انترست» وأحد المراسلين البارزين في أمريكا في مواضيع السياسة الخارجية، فقد ضرب الرئيس بلا رحمة: «الانتقاد الحقيقي على الرئيس ليس لان سياسته الخارجية محسوبة جدا، بل لان كل الحسابات لا تنتهي بسياسة تنجح بالفعل». فللدولة الاسلامية توجد قوة اقل مما توجد لاوباما، يوجدا لها مال اقل ووسائل اقل، «ولكن من يعمل ومن يريد؟ من يرقص على انغام من؟».
في واقع الامر، ما يكتبه راسل ميد يوحد الاجوبة على السؤالين الاول والثاني. بمعنى، كلما وجد اوباما صعوبة في ان يعرض على الجمهور شيئا يبدو كاستراتيجية واضحة، فانه يسحب البساط من تحت اقدامه. فاظهار التصميم، الالتزام بالمهامة، هو جزء من الاستراتيجية. اما اظهار التردد والتلبث وعدم الانسجام، الرسالة المشوشة، فيخرج المعنى من الاستراتيجية، حتى لو كان هناك مثل هذه. فهي لا تمنح الامان لاعضاء التحالف الذي تجد الولايات المتحدة صعوبة في تكوينه، وهي تعطي العدو احساسا أن بوسعه، بجهد معقول أن يتغلب على العائق الامريكي.
يحتمل أن يكون تعيين الجنرال جون الن بالذات بقيادة الحملة ضد داعش هو سبيل اوباما لاظهار التصميم. ينبغي اعطاء الحظوة للرئيس: حتى وان لم يكن سهلا دوما عليه ان يتدبر أمره مع جنرالاته، وحتى لو لم تكن مشورتهم جيدة دوما في نظره، فهو مستعد لان يواجه المصاعب مع قادة صلبين لم يحرصوا دوما على الثناء عليه. الن، عزيز بعض المنتقدين الحادين للرئيس ومن أوصى بالعمل ضد داعش منذ قبل بضعة اشهر، هو واحد كهذا. وفي نهاية الصيف، حتى قبل أن تكون للرئيس استراتيجية، كتب مقالا دعا فيه الى «سحق داعش» تماما. وأسف الجنرال لقرار الرئيس الخروج من العراق وسربوا قراره العودة للعمل في العراق، ولكنه دعا الى توسيع العملية الى سوريا ايضا. الن، بكلمات اخرى، يبدو أكثر تصميما من اوباما، ويريد مهامة اكثر شمولا من تلك التي أقرها الرئيس حتى الان.
السؤال – هل اوباما سيكبح جماح الن أم أن الن سيجر اوباما – هو الذي سيحسم الى أين تصل الحرب.
شموئيل روزنر
معاريف الاسبوع 21/9/2014
صحف عبرية