أوروبا واللاجئون الأوكرانيون

حجم الخط
10

مع الحرب الروسية على أوكرانيا وجدت أوروبا نفسها أمام تحدٍ غير مسبوق، ليس فقط بالمعنى الاستراتيجيي والعسكري وإنما أيضا بالمعنى الإنساني والمجتمعي مع هذا التدفق الكبير والمتواصل للاجئين الأوكرانيين نحو دولها المختلفة.
وسائل الإعلام الأوروبية انشغلت منذ بداية الحرب بتطوراتها الميدانية وانعكاساتها المحتملة على مستقبل القارة ثم سرعان ما التفتت أيضا إلى معاناة مئات الآلاف الذين حلّوا بينهم، مع تساؤلات عديدة حول المدى الزمني الذي يمكن أن تصله إقاماتهم واستحقاقات ذلك.
من وصل من هؤلاء اللاجئين يتجاوز بعشرة أضعاف من كان وصل عام 2015 من أفغانستان وسوريا والعراق وهو ما حدا بوزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين لأول مرة في التاريخ إلى تفعيل نظام “الحماية المؤقتة” الذي كان تم إقراره في أعقاب حرب تفكك يوغسلافيا السابقة أواسط التسعينيات وما صاحبها من موجة هجرة واسعة هربا من حرب إبادة عرقية كريهة. وضع هذا النظام عام 2001 حتى تكون أوروبا جاهزة، وبتنسيق كامل بين دولها، للتعامل السريع والناجع مع أي مشهد مشابه في المستقبل.
“مع اللاجئين الأوكرانيين وجد الأوروبيون معنى الاستقبال” هكذا كتبت “لوموند” الفرنسية فوفق هذا النظام الذي لم يجرّب من قبل بإمكان الأوكرانيين دخول دول الاتحاد حتى دون وثيقة سفر، والبقاء فيها بترخيص إقامة طويل المدى، دون الحاجة إلى التقدم رسميا بطلب لجوء، مع السماح لهم بالعمل والتمتع بالخدمات الصحية والتعليم، وإمكانية الحصول على المساعدات المالية والاجتماعية من الحكومة، وكذلك الانتقال بين مختلف دول الاتحاد دون تأشيرة لفتح المجال لتوجه عدد هام إلى المناطق التي توجد فيها جاليات أوكرانية أكبر من غيرها.

 هذه المرة تجد أوروبا نفسها أمام تحد غير مسبوق، مع أنها كانت مستعدة له، فقد بات واجبا عليها، وليس منّة أو تفضلا، أن توفر لكل اللاجئين الأوكرانيين كل مقومات الحياة الكريمة، ولهذا لن نسمع في نشرات الأخبار عن معسكرات لجوء أو مخيمات رثة

اللافت أن بعض المسؤولين الأوروبيين سارعوا إلى الاصداع بحقيقة مواقفهم من مثل هذه الهجرة، حتى قبل أن تزداد اتهامات المعايير المزدوجة الموجهة إليهم كثافة وحدة، فهذا الوزير الأول المجري القومي المتشدد فيكتور أوربان يمضي شارحا الفرق بين تعامل بلاده الحالي مع اللاجئين الأوكرانيين وبين تعاملها عام 2015 مع اللاجئين السوريين والأفغان فيقول “نحن نعرف الفرق بين مهاجر ولاجئ. المهاجرون نوقفهم أما اللاجئون فنقدم لهم كل المساعدة التي يحتاجونها” ثم إن المجر التي يستحيل فيها تقريبا التقدم بطلب لجوء على أراضيها هي نفسها من أقرت مؤخرا مرسوما لحماية آلية للأوكرانيين.
وفي مقال جريء لها مضت “لوموند” في استعراض مفارقات أخرى لعدد من الدول الأوروبية فالتغير الذي طرأ على الدنمارك مثلا كان لافتا، فمع أن رئيسة الوزراء الاجتماعية الديمقراطية مته فريدريكسن حددت “صفر لاجئ” هدفا لها إلا أننا رأينا وزير الهجرة في حكومتها يصدر سلسلة قرارات تسمح للأوكرانيين بمجرد وصولهم بالحصول على حق العمل وتعليم أولادهم وتلقي مساعدات في وقت تم فيه في الأشهر الماضية إلغاء إقامات مهاجرين سوريين وطرد لاجئين أفغان فضلا عن سن قانون جديد يعقّد إجراءات اللجوء أكثر.
أما في اليونان، فترصد الصحيفة مفارقات أخرى، فقد دعت وزيرة الهجرة إلى التضامن مع “اللاجئين الحقيقيين” في نفس اليوم الذي عثر فيه على جثث ستة أشخاص كانوا يحاولون دخول البلاد عبر شاطئ جزيرة لاسبوس، كما أن اليونان نفسها هي من ألغت عام 2019 مساعدات الإسكان للاجئين رسميين مسجلين لديها مع حرص على تصنيف كل راغب في اللجوء على أنه “لاجئ اقتصادي” لا تتعامل معه الجهات المسؤولة بمنطق ما إذا كان يستجيب لمعايير اللجوء أم لا وإنما بمقاربة أخرى تحرص على معرفة ما إذا سيكون اللاجئ في خطر أم لا لو جرى ترحيله إلى تركيا التي غالبا ما يكون قد جاء منها.
هذه المرة تجد أوروبا نفسها أمام تحد غير مسبوق، مع أنها كانت مستعدة له، فقد بات واجبا عليها، وليس منّة أو تفضلا، أن توفر لكل اللاجئين الأوكرانيين كل مقومات الحياة الكريمة، ولهذا لن نسمع في نشرات الأخبار عن معسكرات لجوء أو مخيمات رثة في ظروف طبيعية قاسية أو تعطل إجراءات دخول وطوابير انتظار ولا غير ذلك. وفوق ذلك، ستجد الدول الأوروبية نفسها أمام رهانات غير معلومة للتجاوب مع “وضعية غير متوقعة وتزداد توسعا مع الأعوام” حسب تعبير القناة التلفزيونية الفرنسية الإخبارية (بي أم أف) لأنه إذا استمرت الحرب فقد “تتحول هجرة اللجوء الحالية إلى هجرة عمل وإقامة دائمة”.
“أوروبا تقف بجانب كل من يحتاج إلى حماية”. هكذا صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وأن “كل من يهرب من قنابل السيد بوتين مرحب به في أوروبا”. إلى حد الآن تبدو أوروبا ناجحة في رفع التحدي الإنساني الذي فرضته حرب أوكرانيا لكن من الصعب الجزم من الآن ما إذا كانت ستنجح في امتحان تحمل استمرار هذا الوضع لسنوات طويلة مقبلة، ويكفي هنا أن نستحضر عدد المدارس التي على الدول الأوروبية توفيرها، وعدد المدرّسين الواجب توظيفهم، حتى يستمر أطفال أوكرانيا في تعليمهم.

٭ كاتب وإعلامي تونسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    هناك إستعدادات ضخمة على قدم وساق بالنرويج لإستقبال اللاجئين الأوكران !
    نحن الأجانب نرحب بهؤلاء لأن اللجوء واحد !! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول من فرنسا:

    ألان في أوروبا أصبح المواطن الروسي منبوذ يوم الأحد في باريس في ساحة بلاس دلا رببلك ساحة الجمهورية في متظاهرين المؤيدين للارركرانيين في شاب مرتدين العلم الروسي وانهالوا عليه ضربًا كدار تدخلت الشرطة إذا به رفعوه للمستشفى

  3. يقول سليم. ج:

    لو كان هناك حق و عدل لكان من ساهمت اوروبا في تدمير بلده و تشريده و افقاره اولى و احق باللجوء اليها و لديها من غيره ! لكنك هنا انت امام عنصرية تنتسب للضحية و تتنكر لانتسابها للجلاد!
    هذه حرب بين اروبيين ، فكيف نتوقع أن يكونوا ، في حرب او في لجوء ، ارحم و اعدل مع سواهم ؟!
    هل اعتذر لنا احدهم عن غزو العراق و تدميره لاكذوبة ، او سوريا او اي بلد اغرقوه في الحروب و الفوضى ، لنطمع في عدل منهم او حسنى؟!

    جاء في الاخبار أن بريطانيا ستنفق ١٩ مليون دولار على برنامج اممي في العراق .. لا ! ليس لتعويض من تضرروا من غزوها .. لتلقين نسا،ها و فتياتها متى يتزوجن و متى ينجبن و كيف ينظمن أسرهن . عقلية سادة و وصاية ، توخى انت منها عدلا او احتراما !!

  4. يقول أبو عمر. اسبانيا:

    و عدد الأطباء ايضا الذي يجب توفيره لعلاج اللاجئين الأوكرانيين. المضحك في كلام العنصري المجري انه لا يوجد أي لاجئ في 2015 أو حاليا يفكر في اللجوء الى هذه الدولة الفقيرة. المجريون انضموا أساسا إلى الاتحاد الأوروبي ليتمكنوا من الهجرة الى الدول الغنية و العمل و الإقامة فيها.

  5. يقول سامح //الأردن:

    *التمييز العنصري وسياسة( الخيار والفقوس)
    وصمة عار على جبين أوروبا وأمريكا وكل من لف لفهم.
    حسبنا الله ونعم الوكيل.

  6. يقول سلام عادل(المانيا):

    كلام سليم وصحيح كل ما جاء بالمقال فالاوربيون يرحبون بالاوربيون ولكن لماذا نحن على العكس من ذلك فماذا قدم العرب شعوبا وحكومات لاللاجئين العراقيين والسوريين والصوماليين واليمنيين

    1. يقول جواد:

      اضغط اسباب عدم الترحيب بلاجئ هو الحاجة و الفقر، و هذا ساقط تماما في الحالة الاروبية! الأوروبيون رفضوا لاجئنا لانه ليس اروبيا لا غير!

      امتناع بعض دولنا الثرية عن فتح باب اللجوء لبني قومها هنا او هناك سياسي بالاساس ، لا هو عنصري و لا هو لعجز او فقر! بمعنى انه قرار انظمة تخشى على سلطتها و ليس موقف مجتمعات اظهرت من تبرعاتها انها مصدر خير و عطاء!

    2. يقول يوسف:

      الأخ سلام ان كل الحق معاك، الدول العربيه وخاصه دول البترول كم لاجئ من سوريا او العراق استضافت على اراضيها؟ أوروبا تساعد أوربا وهي متحده وهو اللذي أراه يوميا من هنا إسبانيا يستقبلون الاكرانيين كأنهم أهلهم ويفتحون لهم بيوتهم وكل المساعدات بعكس الدول العربيه.

  7. يقول محي الدين احمد علي:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أوروبا تتكلم كثير عن حقوق الانسان والانسان اغلي شيء في الوجود ويجب على العالم المتحضر ان يقف في وجه الطغيان بكل اشكاله ويحمي الانسان الضعيف ويطعم كمان المسكين ولا يترك عابر سبيل ويشغل العاطل الفقير ويقف لمساعدة المهاجر الضعيف على شرط ان يكون صحاب شعر اصفر جميل وعيون مثل لون السماء الصافي الجميل . ونبعد عن المهاجر العربي الأسود اليم ضربناه بكل ما نملك من قنابل صنيعة له خصيص وصرفنا عليه الكثير ولم يمت هذا اللعين . هذه أوروبا للذي لا يعلم عنها شيء . حسبي الله ونعم الوكيل . وشكرا

  8. يقول اثير الشيخلي - العراق:

    أقتبس….
    “أوروبا تقف بجانب كل من يحتاج إلى حماية”. هكذا صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وأن “كل من يهرب من قنابل السيد بوتين مرحب به في أوروبا”.

    أليس السوريون هاربون من قنابل و كيمياوي السيد بوتين؟!
    أم هؤلاء ليسوا من البشر بمقاييس الشعر الأصفر و العيون الزرقاء؟!
    الغريب أن أوروبا اليوم ومنذ عقود لم تعد فقط شعر اصفر و عيون زرقاء، بل نسبة كبيرة منها بالولادة و النشأة باتت تشكلها أعراق مهاجرة أساساً و كثير منهم باتوا يشكلون النواة الصلبة السياسية و العلمية و الفنية و الرياضية.

إشترك في قائمتنا البريدية