أوساط إسرائيلية: التطبيع مع العرب ليس بديلا عن تسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني

وديع عواودة
حجم الخط
1

الناصرة – “القدس العربي”: تنقسم أوساط الباحثين وخريجي المؤسسة الأمنية كما هو في السياسة داخل إسرائيل حيال تبعات التطبيع معها وخيارات السلطة الفلسطينية بين بقائها ضعيفة أو حلها أو انهيارها الذي تعتبره مجموعة جنرالات بالاحتياط ليس الخيار الأسوأ.

ويرى معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أن اتفاق التطبيع مع الإمارات والبحرين يضيّق الخناق على السلطة الفلسطينية ويتوّج عقدا من حكم اليمين والجمود السياسي وفرض الوقائع والضم الزاحف على الأرض.

ويشير إلى أن التطبيع قد فاقم أزمة الفلسطينيين ويدفعهم نحو حسم وجهتهم كما تجلى في اجتماع الأمناء العامين للفصائل، ويدعي أن الفلسطينيين لشدة غضبهم على التطبيع لا يقوون على رؤية “نصف الكأس الممتلئة” المتمثّلة بـ فرض تعليق الضّم على إسرائيل منوهين لدور ضغوطهم هم أنفسهم في وقفه.

التطبيع قد فاقم أزمة الفلسطينيين ويدفعهم نحو حسم وجهتهم كما تجلى في اجتماع الأمناء العامين للفصائل

ويزعم معهد دراسات الأمن القومي ضمن نقده للموقف الفلسطيني أن انضمام الإمارات والبحرين لمصر والأردن سيزيد من قوة الدول العربية هذه على مواقف إسرائيل أكثر من الدول غير المطّبعة.

ويوصي المعهد الإسرائيلي بعدم “النوم على أكاليل الغار” بعد توقيع اتفاقي التطبيع فتعترف بعدم قدرتها شطب القضية الفلسطينية وموقف الفلسطينيين ويدعوها للاستعانة قدر الإمكان بـ مصر والأردن من أجل إبراز الفرص والإمكانيات الكامنة في التطبيع مع الإمارات بالنسبة لهم من ناحية تحريك مفاوضات السلام. في المقابل يدعو المعهد الإسرائيلي الفلسطينيين لـ تذويت الخلاصة الصاعدة من التطبيع ومفادها أن دولا عربية لن تنتظر تسوية الصراع مع إسرائيل كي تطبع معها وبالتالي عليهم معاينة استئناف المسيرة السياسية مع إسرائيل”. وتتقاطع الباحثة الإسرائيلية في الشؤون الفلسطينية دكتور رونيت مارزان المحاضرة في جامعة حيفا مع رؤية المعهد من ناحية التأكيد على أن التطبيع ليس بديلا لتسوية الصراع مع الشعب الفلسطيني.

دور الربيع العربي

وتؤكد أن التطبيع مع دول خليجية هو وليد عدة عوامل تفاعلت باطنيا منذ نشب “الربيع العربي” وصعود تهديد إيران مؤكدة أن التطبيع لا يكفي كي تجني إسرائيل ثماره.

وتدعو مارزان في حديث للإذاعة العبرية العامة إلى إطلاق مفاوضات إقليمية على أساس المبادرة العربية للسلام مشددة على أن تجديد المفاوضات والتطبيع معا سيصبان الماء على طاحونة إسرائيل من عدة جهات أولها مواجهة المحور الإسلامي المتمثل بتركيا وإيران وقطر، مواجهة خطر خيار الدولة الواحدة، مواجهة خطر انضمام حركة حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية ضمن اتفاق داخلي يشق الطريق لسيطرتها عليها.

كما تعتقد أنهما سيساعدان في تحاشي خيار تمدد المقاومة الفلسطينية واعتمادها على مخيمات اللاجئين في المنطقة محذرة من احتمال انزلاق “المقاومة الشعبية” لعمليات عنف على غرار الانتفاضة الثانية وتابعت: “كل ذلك يتطلب من إسرائيل صبرا ونفسا طويلا”. كما تشدد مارزان أنه بدون إقران التطبيع مع استئناف مفاوضات سلام سيحرم إسرائيل من “الهدية الكبرى” المتمثلة بـ انضمام السعودية لتطبيع رسمي علني وتابعت: “التطبيع مع السعودية بات مسألة وقت”.

سيناريوهات مرحلة ما بعد انهيار السلطة الفلسطينية

في المقابل قدمت مجموعة من الضباط السابقين أصحاب التوجهات اليمينية في أجهزة الأمن الإسرائيلية تحمل اسم “الأمنيين”، تأسست خلال العام الحالي بهدف “فرض السيادة الإسرائيلية على المناطق المحتلة وتعزيز السيطرة الأمنية الإسرائيلية فيها”، تقريرا مفصّلا إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول السيناريوهات التي ستواجهها إسرائيل في ما أسمتها “مرحلة ما بعد انهيار السلطة الفلسطينية”.

“انهيار السلطة أو حلها لنفسها يعتبر التهديد الأخطر أمنيا وسياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا على إسرائيل في الوقت الحالي”

وتأتي رؤية “الأمنيين” بخلاف كافة التقارير والدراسات والتوجهات السابقة التي أجمعت على أن انهيار السلطة أو حلها لنفسها يعتبر التهديد الأخطر أمنيا وسياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا على إسرائيل في الوقت الحالي. ويوضح المعهد الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار” أن التقرير الإسرائيلي المذكور يعتبر للمرة الأولى أن خيار انهيار السلطة الفلسطينية “ليس الأسوأ على الإطلاق”، وأن “العبء الاقتصادي ليس كبيرا كما يتم تصويره”. ويعتبر التقرير، الذي أعده الجنرال احتياط يوسي كوبرفاسر، رئيس قسم الأبحاث السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية، أن ثمن انهيار السلطة لا يوازي خطر بقاء إسرائيل “رهينة للسلطة ووجودها، خاصة وأن السلطة ما زالت تتمسك بروايتها التاريخية وترفض الاعتراف بـ إسرائيل كـ وطن قومي للشعب اليهودي”.

ويعترف التقرير، الذي حمل عنوان “إسرائيل تستطيع أن تتعايش مع انهيار السلطة”، ضمناً، بأن الخيار المفضّل لـ إسرائيل حتى الآن هو “استمرار بقاء السلطة وقيامها بدورها” لأن الخيارات الخمسة الأخرى التي تتراوح بين الفراغ والفوضى، عودة السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الأراضي المحتلة، وصولا إلى سيناريو سيطرة حركة حماس على الضفة، تعتبر “أقل بكثير” من خيار بقاء السلطة قوية.

مجموعة الأمنيين

ويشير “مدار” إلى أن مجموعة “الأمنيين” تشكلت من أجل إعطاء بعد “أمني مهني” وورقة براءة ذمة أمنية للتوجهات اليمينية المتطرفة وفي مقدمتها رفض حل الدولتين وتشجيع الضم وتعزيز السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، وهي جاءت ردا على مجموعة أخرى من كبار الضباط خريجي أجهزة الأمن الإسرائيلية (الشاباك والموساد والجيش والشرطة) تحت اسم “قادة من أجل أمن إسرائيل” والتي تشكلت قبل ست سنوات في أعقاب انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014 وحملت توجها واضحا “ينطلق من مصلحة إسرائيل الأمنية” والمتمثلة في الانفصال عن الفلسطينيين ودعم المبادرات السياسية التي ترمي إلى إنهاء الصراع وخاصة مبادرة السلام العربية.

يشار الى أن أهم الحملات التي ينظمها مجموعة “قادة من أجل أمن إسرائيل” بدأت في 2017 تحت عنوان “قريبا سنكون الأغلبية” عززتها بإحصائيات ودراسات أمنية واقتصادية وديموغرافية تؤكد كارثية سيناريو انهيار السلطة والتكلفة المالية الباهظة إلى جانب عودة إسرائيل إلى إدارة حياة 2.5 مليون فلسطيني بشكل مباشر وإعادة احتلال والسيطرة على التجمعات السكنية في المدن والمخيمات الفلسطينية وهو ما يعني عودة الأوضاع إلى حقبة ما قبل وجود السلطة.

انهيار أم حل السلطة؟

وترى مجموعة “قادة من أجل أمن إسرائيل” أن الواقع الجديد الذي عززه انحياز ترامب المطلق لنتنياهو وتبنيه لمشروع اليمين، يفقد السلطة الفلسطينية مبرر وجودها ويحوّلها إلى كيان ضعيف، وفاقد للأهلية السياسية وآيل للانهيار، وهو ما يتطلب من إسرائيل حسم أمرها ورسم سيناريو في كيفية التعامل معه- تركه ينهار أم إسناده وبث الروح فيه من جديد أم ربما إعادة صياغته من جديد بما يتناسب مع الدور المقلص (حكم إداري ذاتي) الذي حددته “صفقة القرن”.

وبرأي “قادة من أجل أمن إسرائيل” فإنه رغم أن الرئيس محمود عباس لم يهدد بحل السلطة بشكل صريح عند إلقائه بيان القيادة الفلسطينية الذي أعلن فيه عن قرار التحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل في التاسع عشر من مايو/ أيار الماضي، إلا أن هذا السيناريو والتلويح بتسليم المفاتيح للاحتلال ليس جديدا على خطابه في السنوات العشر الأخيرة من حكم اليمين، معتبرة أن تكرار هذا التهديد دون الإعداد بشكل جدي لليوم التالي جعل إسرائيل تنظر إليه بنوع من اللامبالاة وعدم الجدية وترى أن الرئيس لا يزال يرفض الدخول في مواجهة على غرار الانتفاضة الثانية ويعتبر أن السلطة إنجاز وطني لا يجب التفريط به.

وترى هذه المجموعة أنه إذا كان خيار حل السلطة بقرار سياسي فلسطيني مستبعدا ولا يتم أخذه بجدية من قبل إسرائيل، فإن خيار انهيارها بفعل الأزمات التي تعصف بها وحالة الضعف التي تشهدها وتقويض المرجعيات التي قامت على أساسها يبقى هو السيناريو الأقرب أو الممكن إذا ما استمر نتنياهو في سياسته ضدها. وبهذا المضمار يعتبر رئيس جهاز الشاباك السابق يعقوب بيري أن انهيار السلطة ستكون له “آثار سلبية بعيدة المدى على إسرائيل وأن من الصعب إيجاد إطار مقبول عالميا ومتواجد على الأرض ليحل مكانها”.

وفي أقوال بيري اعتراف ضمني أن بقاء السلطة ومنع انهيارها يتوقفان بشكل كبير على سياسة إسرائيل تجاهها، وإذا ما وقع هذا السيناريو فسيكون بسبب إسرائيل التي ستتحمل مسؤوليته وتبعاته كاملة. أما موشيه مرزوق، المستشار السابق لـ منسق جيش الاحتلال، فاعتبر أن انهيار السلطة سيكون “العقوبة الأشد التي تتلقاها إسرائيل” لأنها ستعني عودة الجيش إلى كل الضفة الغربية وتولي مسؤوليات الأمن والصحة والتعليم، إلى جانب الأثر الدولي لمثل هكذا سيناريو.

يوسي بيلين: “إذا لم نسارع إلى تثبيت حدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة، فسيصبح الوضع القائم – دون صلة بالتطبيع المبارك مع قسم من العالم العربي – واقع دولة واحدة، تتحكم فيها الأقلية بالأغلبية، وهذه، لا سمح الله، نهاية الحلم الصهيوني”

يشار الى أن وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق يوسي بيلين أحد مهندسي اتفاق أوسلو قد أكد في هذا السياق أن التطبيع العربي لن يكون بديلاً عن التسوية مع الفلسطينيين. كرر ذلك في حديث إذاعي أمس بقوله: “إذا لم نسارع إلى تثبيت حدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة، فسيصبح الوضع القائم – دون صلة بالتطبيع المبارك مع قسم من العالم العربي – واقع دولة واحدة، تتحكم فيها الأقلية بالأغلبية، وهذه، لا سمح الله، نهاية الحلم الصهيوني. لكنني لا أستطيع عدم مباركة التطبيع حتى لو أغضب ذلك الفلسطينيين”.

سلاح نووي فلسطيني

وهذا ما يراه أيضا “مركز بيغن- السادات” الذي يعتبر انهيار السلطة الذي يهدد به الرئيس عباس لا سابقة له في التاريخ ويؤكد أنه التشكيك بجدية التهديد الفلسطيني باللجوء إلى ما وصفه بـ”السلاح النووي الفلسطيني” فإنه سيقود إضافة إلى كل ما ذكر أعلاه، إلى عودة حماس وربما سيطرتها على الضفة. ويضيف محذرا: “نتنياهو لا يحاول منع انهيار السلطة، بقدر ما تحاول أجهزة أمنه تأخير هذا الانهيار من خلال إبقاء قنوات اتصال مفتوحة مع السلطة وتقديم توصيات للمستوى السياسي بالتخفيف من حالة الاحتقان والضغط التي يعيشها الشارع الفلسطيني نتيجة العجز الآخذ في الازدياد لدى السلطة”.

ربما يمكن تفسير أن لامبالاة نتنياهو تجاه التهديد الفلسطيني بحل السلطة او إمكانية انهيارها نابعة من توجهاته اليمينية المتطرفة وعدم قناعته بالحل السياسي منذ البداية، بالإضافة إلى القيود التي يفرضها عليه تحالفه مع الأحزاب الدينية القومية والاستيطانية، وأنه أيضا لا يشعر بأي ضغط حقيقي من قبل السلطة الفلسطينية أو جدية في توجهاتها نحو حل نفسها، كما عبر عن ذلك بعد الإعلان عن “صفقة القرن” بقول نتنياهو للصحافي والمحلل الإسرائيلي شالوم يروشالمي بأن “لا نية للسلطة بحل نفسها وتنفيذ تهديداتها”.

الإبقاء على سلطة فلسطينية ضعيفة

أما مركز يافه للأبحاث الإستراتيجية فيرى أن الملامح التي أرساها رئيس حكومة الاحتلال الراحل أرئيل شارون ما بعد الانفصال عن غزة هي التي تحكم النظرة الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية حتى الآن المتمثلة بكونها سياسة قائمة على “إدارة الصراع وصولا إلى تهيئة السلطة الفلسطينية للقبول بحكم ذاتي محدود” خاصة وأنها فشلت، برأيه، في الوصول إلى دولة وفشلت اقتصاديا ولا تسيطر على السكان والمناطق المخصصة للدولة الفلسطينية ومنقسمة على ذاتها.

وبرغم كل هذه الأسباب وتقلص إمكانية تحقيق حل الدولتين يخلص المركز إلى أن السلطة الفلسطينية لن تبادر إلى حل نفسها، كما أن إسرائيل لن تسمح بانهيارها من خلال إدارة الصراع وضمان وجود سلطة ضعيفة فاقدة للمؤسسات ومرتبطة بإسرائيل إلى أن تتهيأ الظروف لولادة قيادة “تقبل بـ حكم ذاتي على السكان أو يفرض عليها حل من الخارج بدعم عربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول إبن كسيلة:

    الحل …….من داخل الكيان الصهيوني …….حتما …….و بأيدي ….صهيونية …….

إشترك في قائمتنا البريدية