الناصرة ـ «القدس العربي»: يستعرض يورام شفايتس الباحث الإسرائيلي في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب «الفوائد التكتيكية إلى جانب السيئات» لجريمتي الاغتيال في بيروت وطهران فيقول إن إسرائيل في حرب مستمرة على 7 جبهات، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية والمسؤول الرفيع المستوى في حزب الله فؤاد شُكر، هما جزء من هذا الوضع، أمّا رسالة إسرائيل إلى حزب الله و«حماس» وإيران وشركائها في المحور، فهي: إن إسرائيل لم تخسر قوتها، وأثبتت استعدادها وإصرارها على الضرب في قلب معاقل أعدائها بشجاعة وصلابة، وأظهرت قدرة استخباراتية وعملانية جراحية. كما يقول إنه علاوةً على ذلك، الهدف من عمليتَيها ليس موجهاً فقط إلى أعدائها في المعركة، بل أيضاً إلى شركاء إسرائيل وحلفائها، ويستهدف أيضاً تعزيز الأمن والشعور بالثقة لدى سكان إسرائيل اليهود، وفي الشتات.
حسنات إسرائيلية
في المقابل يرى الباحث الإسرائيلي أنه كما في كل عملية، فالعمليتان اللتان نُفّذتا في الأمس لهما فوائد وسيئات: الفوائد من اغتيال فؤاد شُكر: المقصود ردّ قوي ومطلوب على مقتل الأولاد في مجدل شمس. وعلى ما يبدو، هذا الخيار هو الأقل قوةً من بين الخيارات المطروحة الذي يشكل فرصة «لإغلاق» الحادثة والتخفيف من حدة المواجهة، أكثر من البدائل الأُخرى. المقصود رسالة واضحة إلى نصر الله، مفادها انكشاف الحزب وتعرُّضه للأذى؛ وتغيير التوجه الإسرائيلي بشأن كل ما له علاقة بلعبة المعادلات؛ والاستمرار في «اصطياد» كبار قادة الحزب. ويعتبرها أيضا رسالة واضحة إلى إيران وشركائها (ومَن لم يفهم ذلك، بعد ساعات، نُفّذ اغتيال هنية في طهران).
سيئات إسرائيلية
من جهة أخرى يرى الباحث الإسرائيلي ضمن «السيئات» خطر اشتعال الجبهة في مواجهة حزب الله والمحور واحتمالات ردّ قوي على مستوطنات الشمال، وفي أماكن أُخرى تجنّب حزب الله مهاجمتها، وأيضاً مهاجمة مدن في إسرائيل، من نهاريا، إلى حيفا، وصولاً إلى تل أبيب. ويقول إن أهداف حزب الله وحجم ودقة ونتائج رده هي التي ستفرض الرد الإسرائيلي المقابل، وهي التي ستؤدي بالتالي إلى التصعيد والتدهور إلى حرب في توقيت غير مريح، جزئياً، بالنسبة إلى إسرائيل (من ناحية التسليح، وحجم القوات، والاقتصاد، ومخاوف الاحتياطيين، ووضع العلاقات مع الولايات المتحدة، وشرعية دولية سلبية، وشرعية داخلية جزئية). ويضيف «من المهم أن نتذكر وجود مظاهر الآن قد تكون مريحة، بالنسبة إلى إسرائيل، ففي التوقيت الحالي: مستوطنات الحدود خالية، وحالة التأهب والجاهزية عالية في المنطقة، وثمة حاجة مُلحة إلى إعادة السكان في أقرب وقت».
اغتيال اسماعيل هنية
وبالنسبة لـ«منافع» اغتيال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية «حماس» الشهيد اسماعيل هنية فيراه الباحث الإسرائيلي رسالة إسرائيلية واضحة، مفادها أن قيادة «حماس» الحالية والمستقبلية ليستا في منأى عن الخطر في أيّ مكان في العالم، حتى لو كانتا في قلب حصن الدولة الأساسية المؤيدة لها. كما يرى أنها رسالة وتذكير لإيران بأنها ليست بمنأى، وليست آمنة، حتى في داخل أراضيها، وكذلك كبار مسؤوليها وضيوفها من التنظيمات «الإرهابية» وهذه الرسالة هي تتمة لتلك التي أرسلتها إسرائيل من خلال الرد الجراحي المحدود على هجوم الثالث عشر من نيسان/أبريل، والذي يبدو أنه لم يقوّض ثقة إيران بالتفوق الاستراتيجي للمحور الذي أقامته حول إسرائيل.
سيئات الاغتيال
في المقابل يرى الباحث الإسرائيلي أن المقصود شخصية ذات أهمية رمزية في الأساس واختفاؤها لن يؤثر كثيراً في مكانة «حماس» وفي قدراتها السياسية، أو العسكرية، أو في السياسة الداخلية للحركة، أو في السياسة الفلسطينية عموماً وبالتالي لن يغيّر الاغتيال شيئاً من سياسة السنوار عموماً، وإزاء صفقة المخطوفين خصوصاً، ولن يؤثر بالتأكيد في طبيعة وجوهر مطالب الحركة. ويضيف: «لن تكون هناك مشكلة في إيجاد بديل من هنية، وإذا أُجريت صفقة لإعادة المخطوفين، فهناك عدد كبير من المؤهلين للحلول مكانه».
ويكشف استطلاع «معاريف» الأسبوعي أن 69 في المئة من الإسرائيليين يؤكدون أنه كان من الصواب القيام بعمليتَي اغتيال شُكر وهنيّة في بيروت وطهران، حتى لو تسببتا بعرقلة التوصل إلى صفقة تبادُل أسرى. ويظهر الاستطلاع أنه في حال إجراء الانتخابات الإسرائيلية العامة الآن، ستحصل قوائم معسكر الأحزاب المؤيدة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على 53 مقعداً (عدد المقاعد نفسه الذي حصلت عليه في استطلاع الأسبوع الماضي) في حين أن قوائم معسكر الأحزاب المناوئة له ستحصل على 57 مقعداً (عدد المقاعد نفسه الذي حصلت عليه في استطلاع الأسبوع الماضي). ومقابل تأييد أغلبية الإسرائيليين (وفق استطلاع «معاريف») لجريمتي الاغتيال تتزايد التساؤلات في إسرائيل حول جدواهما وتبعاتهما فيقول محلل الشؤون الاستراتيجية يوسي ميلمان إنه إذا أرادت إسرائيل أن تثبت أنها لم تقع في حب الاغتيالات، فعليها استغلال نتائجها. في مقال نشرته صحيفة «هآرتس» يقول ميلمان إنه خلال فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز السبع ساعات، أظهر المجمّع الاستخباراتي والجيش الإسرائيليان قدراتهما العملياتية المذهلة، فمساء الثلاثاء أصاب صاروخ دقيق، تم إطلاقه من مقاتلة تابعة لسلاح الجو، مبنى في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله في بيروت، حيث كان يتواجد فؤاد شُكر مع بعض المدنيين.
نحن لا ننتصر في الحرب بل نخلّدها
في تحذير صريح يوضح ميلمان أن التصعيد الحالي بعد اغتيال شكر وهنية يجري بينما إسرائيل تعيش أعمق أزماتها، فهي دولة منقسمة، فالمتطرفون من اليمين المسياني والعنصري يحاولون نقل أساليب العنف المستخدمة ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة إلى داخل الخط الأخضر ويسعون لتطبيقها ضد المعسكر الليبرالي-الديمقراطي، وضد وسائل الإعلام، وضد الجهاز القضائي، لفرض تغيير في طبيعة المجتمع والنظام. وباتت الدولة تقترب من حافة حرب أهلية. ويتابع «لو كانت هناك قيادة أُخرى في إسرائيل، قيادة شُجاعة، وجريئة، وقادرة على التفكير خارج الصندوق، لكانت استغلت عمليتَي الاغتيال للتوصل إلى إنهاء الحرب في غزة ولبنان، وعقد صفقة لتحرير الأسرى في مقابل إرهابيين فلسطينيين، وتحقيق وقف إطلاق النار، والتوصل إلى تسوية طويلة الأمد. لكن لنتنياهو خطط أُخرى. فهو ووزراؤه يتحدثون عن نصر مؤزر، على الرغم من أنهم يعرفون أن هذا الشعار وهم وسخف تام. إذ لا يمكن تحقيق الانتصار في الحروب ضد الإرهاب، بل يمكن تخليدها فحسب». ويخلص ميلمان للتحذير: «ازدادت مخاطر اندلاع حرب إقليمية اليوم. أمّا استعادة الأسرى، ووقف الحرب، وعودة إسرائيل التوّاقة إلى الهدوء، إلى الحالة الطبيعية، فهي أمور صارت أبعد كثيراً من ذي قبل. والخشية هنا هي أن اتجاه التصعيد التدريجي، الذي نعيشه منذ شهور، سيخرج عن السيطرة تماماً، بما يؤدي إلى اندلاع حرب شاملة. وهي حرب سيموت فيها الآلاف من الإسرائيليين، بل أكثر».
الاغتيالات لا تحقق نصرا
ويتقاطع معه زميله المحلل السياسي الإسرائيلي في القناة 12 العبرية بن كاسبيت الذي يقول إن اغتيال اسماعيل هنية أمر مفرح، بيد أن الاغتيالات لا تحقق نصرا لافتا لعدم امكانية تجاهل التوقيت متسائلا هل يدلل اغتيال هنية في ذروة مساعي استعادة المخطوفين على نية طيبة وأياد نظيفة لدى نتنياهو؟ وهل كان هذا يستحق المخاطرة باندلاع حرب إقليمية؟ ويذهب زميله المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس» عغاموس هارئيل لحد الاتهام المباشر والصريح لنتنياهو بقوله إن الاغتيالين في توقيتهما قد أوضحا بشكل قاطع أن استعادة المخطوفين لا تحتل أولوية في سلم أهدافه. ويضيف «رغم الخطر باندلاع حرب قتل نتنياهو قياديا حمساويا بارزا في طهران. هذان الاغتيالان حسّنا مكانة نتنياهو الذي سيستغلهما لإقالة وزير الأمن غالانت المؤيد لصفقة تبادل تشمل وقف للنار». وسبقهم الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك المعروف إسرائيليا بـ «نبي الغضب» لتنبؤه بـ «طوفان الأقصى» الذي حذر مجددا في مقال نشرته صحيفة «معاريف» الخميس قال فيه إن حربا إقليمية ستؤدي لتحطيم إسرائيل لعدة عوامل، منها أن جيشها صغير وغير مستعد الآن ومنهك علاوة على أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية غير قابلة الآن لامتصاص ضربات شديدة متوقعة ستترك خسارات كبيرة جدا في الناحيتين المادية والمعنوية.