الدم والخراب في أوكرانيا اليوم هما نتيجة مقامرتين:
مقامرة السلطة الأوكرانية التي تفترض إمكانية اللجوء إلى مظلة حلف شمال الأطلسي من أجل إنجاز الانفكاك عن الهيمنة الروسية الطويلة على البلاد.
ومقامرة روسية تقول إن الحرب والحسم العسكري سيقضيان على مشروع تطويق روسيا، ومحاولات تهميشها وإخضاعها، بعد هزيمة الاتحاد السوفياتي في الحرب الباردة.
المقامرة الأوكرانية حمقاء، لأن مصير من يلجأ إلى الحماية الأمريكية بات معروفاً. الأمريكان غير قادرين على الحرب بعد هزيمتين في العراق وأفغانستان، وهم في الأساس غير معنيين بكلامولوجيا حقوق الإنسان والحرية، إلا بوصفها أدوات دعائية وإعلامية.
أما المقامرة الروسية فكارثية، لأنها تريد استعادة الماضي الإمبراطوري الروسي، ثأراً من الهزيمة. مستبد الكرملين ينتشي بقتل خصومه السياسيين الروس، ولا يبالي بضحاياه في الشيشان أو سورية أو أوكرانيا.
بوتين يعيش في الماضي الإمبراطوري الروسي، والرئيس الأوكراني زيلينسكي يعيش في الماضي الإمبراطوري الأمريكي.
التقى الماضيان في منعطف الحرب المدمرة. الماضي الروسي يملك عصباً قومياً مستعداً للمغامرة، أما الماضي الأمريكي فيقامر بأوكرانيا، معتقداً أن هزيمة الأوكرانيين المحتمة، لن تصيبه سوى بخدوش طفيفة، بينما ستصيب خصمه الروسي بكدمات في صورته واقتصاده.
الروس يقامرون توسعاً، والأمريكان يقامرون انكفاء، أما الخسارة فهي من نصيب الضحايا الأوكرانيين الذين يدفعون ثمن الحرب وحدهم.
العالم يعيش على إيقاع مقامرتين دمويتيين، أعلنتا أن الحروب عادت إلى أوروبا، وأن زمن الحروب بالواسطة، كما كان عليه الحال في سنوات الحرب الباردة، لم يعد كافياً.
نتابع أخبار الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ونرى الخراب وتدفق اللاجئين إلى البلدان المجاورة، كأننا نرى ظلال حاضرنا في المشرق العربي. نتذكر الاجتياحات الإسرائيلية للبنان، ونرى ظلال اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في ملامح الأوكرانيات والأوكرانيين. نستمع في الخطاب الروسي عن أوكرانيا إلى صدى للخطاب الإسرائيلي عن فلسطين، ونرى الجريمة ترتسم على ملامح الرئيس الروسي، كأنها تكرار للجريمة المرتسمة على وجه الديكتاتور العربي.
الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، انتقل من كونه ممثلاً كوميدياً إلى رئاسة الجمهورية، وفجأة تحول الرجل إلى ممثل تراجيدي، يقف على منصة مسرح الحرب، ويقود جيشاً يقاتل وحيداً أمام الجيوش الروسية العملاقة.
يستطيع بوتين أن يضيف تجربته الأوكرانية إلى تجاربه في الشيشان وجورجيا وسورية، مستعرضاً عضلات جيشه الفولاذية، ومعلناً أن روسيا تمزق الأحادية القطبية على المستويين السياسي والعسكري، بعدما قامت الصين بتمزيقها على المستوى الاقتصادي.
هذه اللعبة الدولية التي أعلنتها روسيا بعد خروجها من مذلة هزيمة الاتحاد السوفياتي، تفتتح مرحلة جديدة من العلاقات الدولية. فالتاريخ لم ينته مع إقفال ملف الحرب الباردة.
لكن سؤالنا وسؤال شعوب الجنوب، الخاضعة للهيمنات الدولية التي تتنافس على أرضها، والمصابة بجروح أنظمة ما بعد الكولونيالية التي ورثت القمع الكولونيالي، هو سؤال عن القيم التي اعتبرنا أنها أصبحت بدهيّة، لنكتشف أنها تلاشت.
أين حق الشعوب في تقرير مصيرها؟ وأين فكرة العدالة؟
في الزمن السوفياتي نجحت شعوب الجنوب في ترسخ قيم التحرر الوطني، داخل خطاب عدم الانحياز الذي بلوره الثلاثي: نهرو، وعبد الناصر، وتيتو.
وفي ذلك الزمن أيضاً نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في العبور من ثغرة فكرة الحرية لتقويض الاستبداد السوفياتي.
روسيا ليست معنية بخطاب التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية، روسيا البوتونية دولة رأسمالية يمينية تصارع من أجل دورها الإمبراطوري.
وفي المقابل، فان خطاب الحرية على الطريقة الأمريكية فقدَ مضمونه وظهر على حقيقته كصدفة فارغة من المعنى.
في ظل نهاية الفكرتين، نشعر أن العالم عاد إلى زمن وحشي.
فالوحشية أوالبربرية هي موت القيم.
لم يعد منطق الحق قادراً على مقاومة القوة، لأن هذا العالم الجديد الذي يتشكل أمام أعيننا، صار غابة تتصارع فيها الوحوش.
وحين نقاوم بسلاح الحق، حين نقول إن إسرائيل دولة أبارتهايد كولونيالية، نشعر أننا وحدنا.
الروس معنيون بعدم إدانة إسرائيل لأسباب تتعلق بمصلحتهم في سورية، والصينيون لا يبالون لأنهم مصابون بحمى التعاون التكنولوجي العلني والسري مع إسرائيل، أما الولايات المتحدة فتعتبر إسرائيل جزءاً منها.
وحين نصرخ من ألم القمع نجد أن الولايات المتحدة وروسيا هما في صف المستبدين العرب.
اليوم يكتشف الأوكرانيون ما سبق لمنطقتنا أن اكتشفته، فالشعب الأوكراني ذهب إلى الخراب، وقدمه الأمريكان على مذبح كذبهم وريائهم.
هل يعني هذا أن استسلام أوكرانيا سوف ينقذها؟
لم يسبق للاستلام أن أنقذ أحداً من الشعوب المضطهدة.
ألم تستسلم القيادة الفلسطينية في أوسلو؟ فكانت المحصلة هي المزيد من الاحتلال والمستوطنات والقمع.
المرحلة تصرخ ضد فراغ القيم الذي يهيمن على العالم.
نحن في حاجة إلى مدونة أخلاقية – سياسية جديدة، كي تشكل مرجعية للنضال من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية.
نتجرع كأس الحروب حتى نهاية السم، ونسأل: هل ابتلعت الحرب تاريخ العالم؟
نستطيع أن نفرأ الأدب كسجل للحروب والقمع، وكتعبير عن رفضهما في آن معاً. ويأتي من يسألك لماذا تكتب الحرب؟ وهو يعلم أن الحرب تكتبنا، وأن الأدب يجب أن يُقرأ بصفته محاولة للدفاع عن الحياة في وجه الحماقة الإنسانية التي لا تتوقف عن التكرار.
الخاسر الوحيد من الحرب الروسية الأوكرانية هو الشعب !
الشعب الأوكراني خسر أرضه , والشعب الروسي خسر إقتصاده !! ولا حول ولا قوة الا بالله
شكرًا أخي الياس خوري. هذه الحرب ضد أكرانيا هي قمة الحماقة وبيس فقط لأن الإمبراطور بوتين يستعرض عضلاته الإستبدادية كما فعل في داخل روسيا ضد المعازضين وفي خارجها ضد الشيشان وجورجيا وسوريا، لكن أيضًا لأن الأمريكان فيما أعتقد لم يكونوا معنيين بتلافي هذه الحرب بل ربما أرادوها مثلما كان الحال عندما دخل صدام إلى الكويت! يبقى السؤال وماذا بعد إلى أين سنصل بهذا بتوحش البشرية هذا. أتمنى أن ينال بواين ضربة قاسية يصل صداها إلى بشار الأسد. أما بالنسبة للناتو فاعتقد لن يستطيع أن يضم أوكرانيا بعد هذه الحرب فلماذا إذا لم يقبل الناتو بعدم ضمها قبل الحرب، ألا يعنيهم أبدًا هذا الضرر الذي حدث للشعب الأوكراني! أليست الحرب حمقاء!
انا مش قادر افهم ليش الحرب على اوكرانيا حرب عبثيه وحرب لاثبات انه بوتن مهووس بالعظمه . اما تدمير ليبيا وسوريا والعراق واليمن فهي بنظركم حرب عادله ولا لانه احنا بنستاهل الدعس على روسنا ويا حرام مساكين الاوكران الامنين الوديعين مش لازم هيك يصير فيهم ؟
أخي محمد اسماعيل ستجد الجواب بسهولة عندما تعرف مثلًا أن بوتين وبشارون صديقان متوحشان متحالفان فالتدمير والقتل والإجرام وبوحشية هو جل مايقومون به وهكذا بقية المستبدين العرب!