صدرت في عام 1993 رواية أمريكية عنوانها «يهزّ الكلب» (Wag the Dog) صوّرت «عاصفة الصحراء» أي الحرب الأولى التي خاضتها الولايات المتحدة برفقة حلفائها العرب والعالميين ضد العراق في عام 1991، وكأنها حرب كان القصد منها خلق مناخ ملائم لإعادة انتخاب الرئيس جورج بوش الأب لولاية رئاسية ثانية، وقد جرت في الرواية الاستعانة بمخرج سينمائي من هوليوود ليشرف على تنظيم الحرب من أجل هذه الغاية. والحقيقة أن بوش الأب خسر الانتخابات في عام 1992، بالرغم من ابتهاره في الانتصار الذي حقّقه في «عاصفة الصحراء»، وفاز بيل كلنتون بالرئاسة.
هذا وقد تبع الرواية في عام 1997 فيلمٌ عرف إقبالاً كبيراً، وقد استند إلى الرواية وحمل عنوانها ذاته. أما قصة الفيلم فهي مختلفة عن قصة الرواية، إذ تدور حول رئيس أمريكي يسعى وراء إعادة انتخابه لولاية ثانية بينما تدنّى حظّه في النجاح بسبب فضيحة جنسية، فيلجأ إلى افتعال حرب في ألبانيا من أجل صرف الأنظار عن مشاكله وإحياء شعبيته. وقد بدا الفيلم وكأنه تنبأ بما حصل بالفعل، إذ انفجرت في وجه كلنتون، بعد صدور الفيلم بأسابيع قليلة، فضيحة لوينسكي الجنسية الشهيرة، فبدا أمره بقصف مصنع الشفاء للأدوية في السودان في ذروة تلك الفضيحة وكأنه محاولة بائسة لصرف الأنظار عنها. وبعد ذلك بسنتين أشرف كلنتون على حرب ليس في ألبانيا ذاتها، بل في مقاطعة كوسوفو الألبانية في صربيا.
ومنذ صدور الفيلم، أصبحت عبارة «يهزّ الكلب» تشير باللغة الإنكليزية إلى نزعة المسؤولين السياسيين إلى افتعال أزمات لصرف أنظار الناس عن قضايا محرجة لهم. ولا يسعنا سوى أن نفكر بتلك العبارة وما ترمز إليه عندما نرى أن الزعيمين الغربيين الأكثر حماساً لتصعيد لهجة المواجهة مع روسيا إزاء أوكرانيا هما جو بايدن وبوريس جونسون، وكلاهما يواجه أقصى الإحراج السياسي. ذلك أن بايدن يتخبّط إزاء فشله في الإيفاء بوعوده الانتخابية في المجال الاقتصادي، بما فاقم انحطاط صورته المتسارع الذي نجم عن خسارته لماء الوجه في تنظيم خروج القوات الأمريكية من أفغانستان في الصيف الماضي. أما جونسون فيواجه منذ أسابيع موجة سخط لا سابق لها بلغت صميم حزبه، حزب المحافظين، تتعلّق بخروقات متكرّرة، جرت في مقرّ رئاسة الوزراء، للموانع التي أملتها حكومته على الجمهور في صدد التجمعات بغية محاصرة انتشار وباء الكوفيد.
نرى أن الزعيمين الغربيين الأكثر حماساً لتصعيد لهجة المواجهة مع روسيا إزاء أوكرانيا هما جو بايدن وبوريس جونسون، وكلاهما يواجه أقصى الإحراج السياسي
ويتصرّف الرجلان، بايدن وجونسون، وكأنهما يتمنيان أن تجتاح القوات الروسية أراضي أوكرانيا كي يلهيا شعبيهما بحالة حربية خطيرة تتيح لهما لعب دور الزعيم التاريخي. ويبدو أن بايدن يحلم بلعب دور الرئيس الأمريكي روزفلت في إدارة الحرب ضد النازية، أما جونسون فمن المشهور عنه أنه طامح بتقليد ونستون تشرشل. وتصل الكوميديا إلى ذروتها مع وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، التي تطمح إلى الحلول محلّ جونسون، وتحلم بتقليد مارغريت تاتشر في خوضها لحرب «جزر فوكلاند» ضد الأرجنتين، إلى حد اغتنامها فرصة سفراتها المتعلقة بالمواجهة الدائرة حالياً من أجل تنظيم التقاط صورة لها على متن دبابة شبيهة بصورة شهيرة لتاتشر، وأخرى وهي مرتدية قبعة فَرو في الساحة الحمراء في الكرملين، على غرار صورة أخرى شهيرة لتاتشر، بالرغم من أن حرارة الجو لم تكن تبرّر ارتداء تروس لمثل هذه القبعة!
طبعاً، نقول كل ذلك ونحن ندرك تماماً أن تهديد فلاديمير بوتين لأوكرانيا ليس من نسج الخيال، بيد أن سلوك الحكمين الأمريكي والبريطاني يختلف اختلافاً ملحوظاً عن سلوك الحكمين الفرنسي والألماني. فبينما يهوّل الحكمان الأولان بالحرب القادمة، بل يؤكدان كل يوم على وشوكها، وكأنهما يحثّان على وقوعها، يسعى الآخران وراء فهم الرسالة التي أراد بوتين توجيهها من خلال إجراءاته العسكرية ويبديان تفهّماً لمطالب روسيا الأمنية التي لا تختلف البتة في الحقيقة عن مطالب أي قوة عظمى بمثل حالتها.
وثمة نفاق كبير في الادّعاء الغربي بأن روسيا في هذه الحالة تتعدّى على سيادة أوكرانيا وحقّها بالانضمام إلى الحلف الأطلسي، في حين أن المطلب الروسي ليس موجّهاً لأوكرانيا، بل للحلف ذاته، تطالبه موسكو بإقرار التوقف عن الامتداد شرقاً وهو ليس بمطلب خارق على الإطلاق. فعلى سبيل المثال، عند أزمة الصواريخ في كوبا في عام 1962، لم تطلب واشنطن من كوبا الكفّ عن استقبال الصواريخ الروسية، بل طالبت موسكو بسحب صواريخها من الجزيرة، والفارق جليّ بين الصراع الدائر بين قوتين عظميين من جهة، وإرادة قوة عظمى فرض مشيئتها على دولة ضعيفة من الجهة الأخرى. وإذا صحّ أن روسيا ارتكبت ضغوطات من هذا النوع الأخير مراراً على مرّ الزمن، يبقى أن الأمر نفسه ينطبق على أمريكا وسائر القوى العظمى.
توخّى لاعب الشطرنج فلاديمير بوتين تحريك وزيره وقلعتيه في هذا الوقت بالذات، مدركاً أن بايدن في موقع ضعف أولاً، وأن حالة سوق المحروقات العالمية تزيد من قدرته على الضغط على الدول الغربية، ثانياً، فضلاً عن وصول العلاقات بين أمريكا والصين إلى الدرك الأسفل بما يضمن تضامن بكين مع موسكو (لاسيما أن مطامع روسيا إزاء أوكرانيا تذكّر الصين بمطامعها إزاء تايوان). ومن المرجّح أن يكون ردّ الفعل الأمريكي قد فاجأ بوتين، إذ تعدّى ما كان يصبو إلى إحداثه ليبلغ حالة وصفتها دوائر الخارجية في موسكو بالهستيرية. أما مصيبة سائر البلدان على رقعة الشطرنج تلك، فهي أن أهميتها لا تعدو أهمية الجنود الذين يسهل على اللاعب التضحية بهم سعياً وراء مبغاه.
كاتب وأكاديمي من لبنان
لم اعتقد للحظة أن روسيا كانت ستجرؤ على غزو اوكرانيا!
هذه كانت تمثيلية روسية اكثر منها غربية.. حينما قرر الروس غزو سوريا لم يستشيروا احدا، و مع اوكرانيا بدا الامر كانه استعطاف روسي للغرب ، و كلهم على يقين أن الغزو لن يحدث!
روسيا اخذت الضوء الأخضر والدعم من أمريكا ولهذا روسيا لن تغزو أكرانيا إلا في حال وجدت أن أمريكا لاتهتم بالأمر!
الروس اكتشفوا أن الأمريكان متسرعين في الحكم بغزو أوكرانيا، لذلك أصاب أوروبا الهلع والخوف من الاجتياح الروسي لأوكرانيا، فأصبحت مثل لعبة القط والفار…لكن في الحقيقه لن يكون هنالك غزو روسي لأوكرانيا…
“صدرت في عام 1993 رواية أمريكية عنوانها «يهزّ الكلب» (واغ ذَ دوغ) “…. اه
هذه هي، في الحقيقة، الترجمة الحرفية الفاقعة: العبارة “الاصطلاحية” (واغ ذَ دوغ) صارت في العامية الإنكليزية تعني تحديدا أن “يصرف الانتباه عن القضية الأهم ويُلفته إلى قضية أخرى أقل أهمية” – وبناء عليه، في سياق كل من الرواية والفيلم المعنيين، العنوان (واغ ذَ دوغ) صار يعني مجازيا “حَرْفُ الرأي العام” – على غرار “صُنْع الرأي العام” أو “تصنيع الرأي العام” !!!؟؟
ملاحظة: اضطُرَّ إلى كتابة العنوان (واغ ذَ دوغ) بالأحرف العربية لأن المقابل الإنكليزي يبدو محظورا من الإرسال الرقمي !؟
شكرًا أخي جلير الأشقر. تخليل جيد لسياسة الهلع التي يسّوقها بايدن وربما التحريضية تجاه بوتين. لكن أعتقد أن بوتين منذ أن بدأ الناتو التقدم شرقًا لم يجد طريقة مناسبة للرد والأن وصل الوضع إلى حدود لايمكن له القبول بها. أعتقد أن بايدن خسر الرهان ولم يربح بوتين الجولة. ستسمر حالة اللاسلم والاحرب في الوقت الحاضر بانتظار الجولة القادمة. اتمنى شخصيًا أن يتكسر فخار بواين وبايدن معًا، ودون أن يتكسر فخار أكرانيا. لكن هذا يعتمد على سياسة ذكية مستقلة من أكرانيا وعدم الإنجرار خلف الناتو أو الإتحاد الأوربي أو روسيا!