أوهام وانقسام.. قتل الإرادة الشعبية الليبية برعاية غربية

حجم الخط
0

إسطنبول- أفق نجات طاشجي: في ليبيا، التي تخوض كفاحًا ضد حرب أهلية وعدم استقرار، تم في 30 يناير الماضي، نشر أسماء المرشحين للمشاركة في الحكومة المؤقتة، لتقود إلى انتخابات 24 ديسمبر، تحت سقف “منتدى الحوار السياسي”، برعاية الأمم المتحدة .

وفي التصويت الذي بدأ في الأول من فبراير/ شباط، جرى انتخاب محمد يونس المنفي، رئيسًا للمجلس الرئاسي، المؤلف من ثلاثة أعضاء، فيما فاز عبد الحميد الدبيبة، بمنصب رئيس الوزراء، في إطار جهود ليبيا لخلق إرادة سياسية من شأنها أن تقود البلاد إلى الانتخابات.

وعلى الرغم من وصف هذه الأحداث بأنها تطور إيجابي، إلا أني ذكرت في أحد مقالاتي أن العملية التي ترعاها الأمم المتحدة والدول الغربية، يمكن أن تجلب إلى ليبيا فوضى جديدة، لاسيما مع قبول الأمم المتحدة طلب ترشح عقيلة صالح (رئيس مجلس النواب)، المناصر لالانقلابي خليفة حفتر، للمشاركة في السلطة المؤقتة.

وهنا لا بد من التذكير بأن حفتر، الذي لا يعترف بحكومة الوفاق، والتي تعتبرها الأمم المتحدة حكومة شرعية، يواصل شن هجمات طويلة الأمد على العاصمة الليبية طرابلس، واستقدام مرتزقة روس إلى البلاد، والمسؤول المباشر عن ارتكاب جرائم حرب، كالمقابر الجماعية في ترهونة (نحو 95 كم جنوب شرق طرابلس).

وفي هذا الإطار، فقد كان متوقّعًا من حفتر وداعمه عقيلة صالح، الذين سعيا لإفشال عمل حكومة الوفاق المدعومة من قبل الأمم المتحدة، عدم قبول المبادرة التي من شأنها أن تعرض مستقبلهما السياسي للخطر، بما في ذلك مبادرة “منتدى الحوار السياسي الليبي”.

على الرغم من كل هذا السجل المظلم، فإن عدم اتخاذ الأمم المتحدة خطوات ملموسة لمنع حفتر وعقيلة صالح من لعب دور في مستقبل البلاد، وعدم التحقيق في جرائم الحرب والمجازر التي ارتكبتها ميليشيات حفتر ضد المدنيين، يعتبر الدافع وراء الثقة بالنفس التي تظهر على الثنائي حفتر- صالح.

في واقع الأمر، ما حدث في ليبيا منذ فبراير/ شباط الماضي، يؤكد لنا ما سبق ذكره.

حيث قام حفتر، خلال الأشهر الستة الماضية، بتعزيز قواته العسكرية (برعاية روسيا والإمارات)، ومنع طائرة رئيس حكومة الوحدة الدبيبة من الهبوط في مطار بنينا (ببنغازي، الخاضعة لحفتر).

فيما عمل عقيلة صالح على منع، وبشكل متكرر، التصويت على ميزانية حكومة الوحدة، التي ستقود البلاد للانتخابات، بغرض إدخال ليبيا في أتون الفوضى.

إضافة إلى ما سبق، هدد عقيلة صالح وحفتر، الدبيبة بتشكيل حكومة موازية جديدة في الجزء الشرقي من البلاد.

علاوة على ذلك، واصل حفتر، رغم عدم تمتعه بالشرعية، إصدار ما يسمى بالتعيينات (والترقيات) العسكرية ضمن الميليشيات التابعة له، في انتهاك واضح للعملية السياسية التي جرت برعاية الأمم المتحدة.

وهنا يمكننا القول إن التطورات سابقة الذكر والخطوات الأممية المشكوك في نزاهتها، سعت لإجهاض مساعي حكومة الوحدة الوطنية في جمع التشكيلات العسكرية في البلاد تحت سقف واحد، وإجراء انتخابات نزيهة، بعد الموافقة على الميزانية.

وفي هذه الأثناء، واجه كل من عقيلة صالح وحفتر وأنصارهما المناقشات الأخيرة التي دارت في منتدى الحوار السياسي الليبي بكثير من الانفعال.

حيث ناقش المنتدى قضية ازدواج الجنسية لشخصيات مثل حفتر، وعدم قطعهم علاقاتهم بالجيش، الأمر الذي يعيق مشاركتهم في انتخابات 24 ديسمبر/ كانون الأول.

واجه حفتر هذا الملف بإعلان أن مليشياته لا تخضع لأي سلطة شرعية، ملوحا بتشكيل حكومة موازية (وهو ما تحدث عنه عقيلة صالح) كما عقد في هذا الإطار اجتماعات مع شخصيات محلية في شرق البلاد.

ليبيا تواجه مخططًا للتقسيم

لسوء الحظ، نالت خطوات حفتر وصالح، مساندة دول أعضاء في مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، وفي حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وكما هو معروف، فبالرغم من اتفاق الأطراف الليبية برعاية أممية على إنشاء حكومة الوحدة الوطنية وقيادة البلاد إلى الانتخابات، إلا أن تحالف الظل الداعم لحفتر بقيادة روسيا والإمارات، لا يزال يحصن حفتر عسكريًا، بمشاركة سرية من فرنسا.

فيما يواصل حفتر استقبال مسلحين مرتزقة عبر رحلات جوية تقلع من العاصمة السورية دمشق، وتهبط في مطار بنينا، على متنها جنودا النظام السوري، ومسلحين سابقين من تنظيم “داعش”.

وأنشأت روسيا، التي تسعى لتعزيز نفوذها في منطقة البحر المتوسط عبر البوابة السورية، قواعد جديدة في ليبيا بمساعدة مرتزقة “فاغنر”، التابعين لـ”يفغيني بريغوجين”، أحد أكثر رجال الأعمال ولاءً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وبالرغم من أن هذا الوضع يزيد من التهديدات الروسية تجاه الناتو في المتوسط، إلا أنه يحظى في الواقع بدعم فرنسي.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن روسيا والإمارات كانتا من الدول التي وقعت على إعلان انسحاب المرتزقة من ليبيا، في إطار مشاركتهما في أعمال مؤتمر برلين الثاني، 23 يونيو/ حزيران الماضي، إلا أنهما لم يتخذا أي خطوات ملموسة في هذا الإطار، ما تسبب في تصاعد الفوضى في البلاد.

وفي المقابل، طالب البلدان من تركيا سحب قواتها التي جاءت إلى ليبيا وفق اتفاقية رسمية مع الحكومة الشرعية في طرابلس، في الوقت الذي لا يشارك فيه هذان البلدان بأي قوات نظامية في ليبيا، إنما يعملان على جلب المرتزقة وشذاذ الآفاق لدعم حفتر.

إن طلب البلدين إنهاء الوجود الشرعي للجنود الأتراك في البلاد، يعتبر فضيحة لن يغفل التاريخ ذكرها.

إن خطوات مثل إمداد فرنسا حفتر بأسلحة بقيمة مئات الآلاف من الدولارات، والدعم الذي توفره روسيا والإمارات لحفتر ضد الحكومة الشرعية، وإرسال مرتزقة للقتال في هذه الحرب بالتنسيق مع باريس، يظهر في الواقع شكل ليبيا التي تريدها هذه الدول.

وبالنظر إلى الأحداث في اليمن واستراتيجيات الإمارات لتقسيمه، إلى جانب عدم اكتراث الأمم المتحدة بكل هذه الملفات، واستراتيجيات روسيا لتوسيع دائرة نفوذها في البحر المتوسط، فلن يكون من الخطأ القول بوجود خطة لتقسيم ليبيا.

وهنا ينبغي علينا التذكير بأن الإمارات، كانت السبب الرئيسي للأزمة السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط، وهي تعول على توسيع روسيا، ذات السجل المظلم في سوريا والقرم والآن في ليبيا، لمجال نفوذها الجيوسياسي كما تسعى لخلق تحالفات تستهدف تركيا.

وفي السياق ذاته، فإن تهديد حفتر باستخدام ميليشياته وتشكيل حكومة موازية بقيادة عقيلة صالح، ومأزق حكومة الوفاق، تجعل من المستحيل تحقيق حلم إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ليبيا.

هذه الدول التي تريد إقامة حكومة في بنغازي، وخلق كيان غير مشروع تحت سيطرة عقيلة وحفتر، تدرك بالطبع أن حكومة الوحدة، لن تتمكن من إجراء انتخابات نزيهة في ظل هذه البيئة غير المستقرة.

من الواضح أن رغبة فرنسا وروسيا والإمارات، في حماية نفوذها في ليبيا، والتي تحتوي على أهم حقول النفط وطرق استراتيجية، قد تجاوزت أحلام الشعب الليبي في الاستقرار والديمقراطية.

إن استغلال حفتر الفترة الانتقالية واعتبارها فرصة لتعزيز قدراته العسكرية وإعداد مخططات لضمان مستقبله السياسي، يسلط الضوء على احتمالين حول مستقبل ليبيا:

فإما أن تقوم الأمم المتحدة، بتهيئة أرضية بديلة تضمن انخراط حفتر في العملية السياسية، عبر انتخابات غير نزيهة قد تتم تحت فوهات بنادق حفتر في الشرق.

أو أنها ستستمر في موقفها السلبي من تقسيم البلاد إلى جزئين شرقي وغربي.

وفي موازاة ذلك، أستطيع القول إن الحكومة الليبية بقيادة الدبيبة، لن تكون قادرة على توفير بيئة لإجراء انتخابات نزيهة، في ظل هذا المناخ السياسي المشحون وحالة الاستقطاب.

لاسيما بعد إعلان وزيرة الخارجية الحالية، نجلاء المنقوش، الانقلابي حفتر بطلاً، عقب هجمات شنها الأخير على طرابلس.

لسوء الحظ، يظل المجتمع الدولي والغرب والأمم المتحدة صامتين تجاه استراتيجيات روسيا الهادفة لاحتواء البحر المتوسط، والعمليات التي تقوم بها الإمارات من أجل دفن الديمقراطية تحت ركام الفوضى وتسييد المجرمين، بما يتوافق مع مصالحها الخاصة.

إن الصمت المطبق تجاه المقابر الجماعية في ترهونة، والحرب الضارية ضد الحكومة المعترف بها دوليًا، ومذابح المدنيين، وقتل طلاب الثانوية العسكرية العزل في طرابلس بطائرات بدون طيار قدمتها الإمارات، والدعم غير المحدود لحفتر الذي ارتكب العديد من جرائم الحرب، كلها سوف تشكل وصمة عار في تاريخ البشرية والمنطقة.

(الأناضول)

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية