لندن- “القدس العربي”: تحت عنوان “صراع السلطة الصامت في السعودية”، نشر موقع “أويل برايس” مقالا أعده سيرل ويدرشوفين، علق فيه على إعفاء وزير الطاقة خالد الفالح من منصبه كمدير لشركة أرامكو، وتعيين أحد حلفاء ولي العهد السعودي مكانه.
وقال إن أرامكو أكبر منتج للنفط في العالم لا تسرع في عملية اكتتاب جزء من أسهمها في البورصة فقط، ولكنها تقوم بتغيير ديناميات النفط والغاز الطبيعي داخل المملكة.
ففي الأيام الماضية، كان الإعلام يناقش آثار فصل وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية على إستراتيجية النفط في البلاد. وفي الحقيقة، كما يقول الكاتب، فإستراتيجية إنتاج وتصدير النفط لن تتغير بشكل كبير لأن أساسيات السوق النفطي حشرت المملكة في الزاوية. وقال إن وسائل الإعلام غالبا ما ركزت على تنفيذ خطة أرامكو لطرح جزء من أسهمها في السوق المالي وكسبب لعمليات التغيير، إذ قالت تقارير إعلامية إن السعودية ستكون جاهزة للمرحلة الأولى من الاكتتاب في وقت لاحق من هذا العام.
إلا أن عنصرا لم يتم النظر إليه في هذه التغيرات، هو بنية السلطة الداخلية في السعودية التي لعب فيها خالد الفالح بصفته كوزير للطاقة ومدير لشركة أرامكو دورا محوريا؛ فالفالح بالنسبة للإعلام الدولي ليس ممثلا للمملكة في منظمة الدولة المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك)، بل كشخصية محبوبة لدى الإعلام لمعرفته بأصول العلاقات الدبلوماسية الدولية والتعاملات التجارية. وظل موقعه في السلطة حتى وقت قريب يحظى بدعم من ولي العهد محمد بن سلمان، حيث تم تخفيض صلاحياته بشكل كبير بعدما تم فصل الطاقة عن الصناعة والثروة المعدنية. مما يعني أن تصدعات بدأت تظهر في سيطرته. ثم جاء استبدال الفالح كمدير لأرامكو بياسر الرميان، رئيس هيئة الاستثمار العامة السعودية (الصندوق السيادي) ليؤكد هذا التغير في سلطته.
ويعد الرميان من الدائرة المقربة لولي العهد، مع أن المسؤولين السعوديين أكدوا أن تعيينه في منصب الفالح هو خطوة للإمام من أجل تسريع اكتتاب الشركة، في وقت يتم فيه فصل وزارة الطاقة أي خالد الفالح من أرامكو التي تعد قاعدة قوته. وتشير الزاوية السعودية في عمليات التغيير إلى أن الرميان يعد عنصرا مهما في عملية الاكتتاب، ولم يتم الإشارة من قريب أو بعيد إلى لعبة القوة الجارية على المستوى القيادي في المملكة.
ولا شك أن اكتتاب الشركة يعد حجر أساس في حكمه، ويحاول في السنوات الماضية الحصول على دعم قوي لخطته. فالمحافظون داخل حاشية العائلة المالكة، خصوصا الديوان الملكي الذي يمثل مركز الاستشارة الرئيسي للملك، يعارضون مع شركة أرامكو ووزارة الطاقة التعجل في طرح أسهم من الشركة في السوق المالي.
وانتشرت شائعات حول تحذير الفالح وغيره لولي العهد وطلبهم منه إعادة النظر في العملية أو أهدافها. وظلت الخلافات تحت السيطرة من جانب القيادة السعودية. ومن هنا فالتعديلات الجديدة في أرامكو ووزارة الطاقة والمناصب الحكومية المهمة ومراكز القوة مثل الصندوق السيادي “هيئة الاستثمار العامة” وتعيين رئيس للديوان الملكي، فهد العيسي، ومدير لمكافحة الفساد، مازن الكهموس، هي إشارة إلى تزايد قوة محمد بن سلمان. وكل الوزراء الجدد هم من الدائرة المقربة منه، بمن فيهم وزير الصناعة والثروة المعدنية إبراهيم عبد الله الخريف، مدير مجموعة الخريف، وفهد العيسى الذي كان جزءا من وزارة الدفاع التي يتولاها محمد بن سلمان نفسه. وعلى ما يبدو فولي العهد والمؤيدون له في أرامكو وطرحها في السوق المالي وتنويع الاقتصاد يسرعون من جهودهم للسيطرة على المملكة.
ومن هنا فإن أي معارضة للأهداف التي وضعها محمد بن سلمان ينظر إليها كتضييق أو تهديد عليها ويتم تهميشها أو عزلها بالكامل. وستشهد الأسابيع المقبلة تغييرات مشابهة، حيث تتحرك المملكة نحو عهد جديد يتم من خلال محو البنى القديمة، ويعزز محمد بن سلمان سلطته، ويقضي على المعارضة له شيئا فشيئا. وكانت هذه الإستراتيجية واضحة منذ عام 2017 من خلال حملة الفساد التي وضع فيها الأمراء البارزين ورجال الأعمال في السجن الذهبي الذي أقامه في فندق ريتز كارلتون بالرياض. وتحرك ولي العهد ضد النخبة التجارية بعد عقده مؤتمرا حول مستقبل الاستثمار في السعودية عام 2017 أو ما أطلق عليها دافوس في الصحراء. وتأثرت خططه بمقتل جمال خاشقجي والشجب الدولي، إلا أنه استطاع أن يتجاوز الأزمة.
ويجب النظر للتعديل الأخير في ضوء المؤتمر المقبل حول الاستثمار الذي سيعقد قريبا هذا العام. وسيكون المستقبل الجديد قائما على قصص نجاح جديدة مثل هيئة الاستثمار العامة واكتتاب أرامكو، وكلها ستنسب إلى محمد بن سلمان.
ويجب على الإعلام التركيز من الآن على محمد بن سلمان فيما لم يعد أشخاص مثل الفالح مهمين. فالمعركة الحالية في أسعار النفط، التي وضع جزءا من إستراتيجيتها الفالح، لم تجلب موارد إضافية، ولهذا فهناك حاجة لدماء جديدة والتركيز على ملحمة اكتتاب أرامكو. وتم تحديد الأهداف وأي شخص يعارضها يتم عزله. وإخراج الفالح من أرامكو يعني وضع مستقبلها في يد من يريد. وهي مقامرة وتكسر تقاليد معروفة هي أن وزير الطاقة هو مدير الشركة.
وهناك فرصة لقيام المحافظين بمقاومة التغيرات، مع أنهم بمرور الوقت يخسرون أمام توطيد بن سلمان سلطته.