عمان – «القدس العربي» : «الديناصورات».. هذا وصف أطلق على نخبة من السياسيين والمسؤولين الأردنيين في الماضي. لاحقاً انتقدت علناً تلك الشخصيات الخبيرة ثقيلة الوزن، التي تعرضت للإقصاء لأنها لا تشارك ولا تتدخل في الدفاع عن الدولة وخياراتها.
حصل ذلك في مرحلة الربيع العربي التي كانت صعبة ومعقدة ومثيرة لكل النظام العصبي في الدولة الأردنية.
اليوم تتغير بعض المعطيات، فخلال الاشتباك مع تفصيلات «خطر خارجي»، لم تجد المؤسسة الرسمية – وخصوصاً في ذراعها الإعلامي – إلا أسماء ثقيلة من طبقة يمكن تقمص تهمة الديناصورات لها في الاشتباك والمواجهة والتحصين الداخلي.
ثمة دلائل وقرائن في الأردن على أن عملية الإقصاء أو تبديل الأدوات التي طالت لسنوات أخفقت في تأسيس «طبقة جديدة» وجدية من «رجال الدولة» والمثقفين يمكنها أن تظهر وتشتبك في الإيقاع العام.
نخبة واسعة من الشخصيات النافذة جداً في الإدارة العليا للدولة طوال السنوات العشر الماضية تبين اليوم أنها «قليلة الخبرة» عندما يتعلق الأمر بالمخاطر الاستراتيجية والأساسية، خصوصاً عندما تعبر الحدود عبر «تنكر» الشقيق العربي، وخصوصاً السعودي والخليجي، وعبر «دسائس وضغوط» الحليف الغربي والأمريكي حصرياً.
وهو وضع ظهر مع غياب مهارة الاستثمار النخبوي الأدواتي في الاختراقات والحراكات الدولية العميقة التي يؤسسها الملك والمؤسسة الملكية في المجتمع الدولي لصالح الدولة والشعب.
صفقة القرن على نحو أو آخر، كشفت عن «المرض» في الجسد الأردني النخبوي وليس عن الأعراض فقط التي انكشف بعضها عندما اكتشفت السلطة عدم وجود «حليف يعتد به» لروايتها أثناء المواجهة مع «أجندة إضراب المعلمين» الشهير.
بالمستوى السياسي، ليس هناك خبراء عميقون من مسؤولي اليوم يعتد بهم يمكنهم تصدر الواجهة للتحدث عن «صفقة القرن» وتداعياتها. والتحذيرات المبكرة التي كانت تنطلق من شخصية سياسية محنكة ومنذ أكثر من عام كامل، مثل طاهر المصري، لم يسمعها المسؤولون من الشبان الجدد أو أصحاب «فرصة الصدفة»، خصوصاً في الحكومات.
صفقة القرن تبدل في «أعراض المرض»… بين الروابدة وأبو عودة والمصري شوق وحنين للنخب
من العام الماضي، وأمام «القدس العربي» وغيرها، حذر مخضرمان من وزن عدنان أبو عودة وطاهر المصري من أن التلويحات الأمريكية تحت مسمى صفقة القرن ينبغي أن تثير «قلق الأردن».
القلق بالجملة اليوم، ولم يعد من الممكن إنكاره في مستوى قنوات وأجهزة الدولة، ويتوسع وينمو ويتخذ أشكالاً تعبيرية عدة على المستوى الشعبي.
في الشارع «حيرة بالجملة»، وعلى مستوى الموقف المرجعي الرسمي تتواصل صلابة الموقف المعلن دفاعاً عن الثوابت والمبادئ في عملية السلام والقضية الفلسطينية.
لكن الأزمة أكبر على مستوى السياق النخبوي، حيث لا مدافعين بصلابة وعمق عن رواية المملكة في ملف صفقة القرن، وحيث -هذا الأهم- سياق دفاعي خجول، وتردد وغير مهني في الإعلام الرسمي، وصمت وغياب في التمكين الحكومي على الأقل.
ثمة سبب طبعاً لهذا «التشتت النخبوي» نتج على الأرجح عن سياسات إبعاد وإقصاء وتجاهل تعرض لها كبار المثقفين والخبراء طوال سنوات لصالح مجازفين جدد تولوا مواقع الصف الأول، وعلى أساس غياب ماكينة صناعة الرموز والـفرص التي كانـت منتجـة في الماضـي.
بكل حال، سمعت «القدس العربي» إقراراً مباشراً بـ «أزمة أدوات ورموز» وأخطاء حصلت في موقعين سياديين على الأقل مؤخراً مع رغبة في الاستدراك وحرص على تحصين الجبهة الداخلية ومنع «السلبية» من التسلل إلى الانطباع العام على طريقة رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز.
مؤخراً، أنجزت صفقة القرن المشؤومة والمثيرة للجدل بعض التفعيلات في الاشتباك النخبوي الأردني، فمنذ سنوات بقي مفكر سياسي خبير في الصراع العربي الإسرائيلي، وأول مستشار سياسي في عهد الملك عبد الله الثاني، ضمن تصنيف «القائمة المحظورة» عندما يتعلق الأمر بشاشة التلفزيون الأردني.
مؤخراً، اتصل مهنيون بأبو عودة، وطالبوه بالظهور على الشاشة للتحدث عن تداعيات صفقة القرن على أساس.. «كنت ولا تزال أفضل من يتحدث في الملف». ومؤخراً، نشر الرئيس الأسبق للوزراء، معروف البخيت، مقالاً تحدث فيه عن تغيير المسميات الاستراتيجية من «أولوية سياسية أردنية» إلى «أولوية أمنية وطنية».
ولاحقاً، وعندما تعلق الأمر بالبحث عن «خبير عميق» يتحدث للرأي العام المتاح الأبرز وبخطاب وطني واقعي، كان الرئيس عبد الرؤوف الروابدة الذي أقصي هو الآخر من سنوات عن موقعه في رئاسة مجلس الأعيان بعد «خلاف في وجهات النظر».
الروابدة ظهر بجملة قوية للناس تداولها الرأي العام، مقترحاً بأن «الغصب لا يصنع وطناً»، ومصراً على أن صفقة القرن خطيرة، لكن الأهم أن «يهدأ الأردنيون»، وأن تكاشفهم وتصارحهم حكومتهم. أغلب التقدير أن «الظرف الحرج» سيقود المزيد من كبار رجال الدولة للتـدخل والتحـدث ضمن «المواصـفة الوطنيـة».
الرأي العام يبحث عن رأي وتقدير شخصيات مهمة وعميقة هذه الأيام من طراز عبد الكريم الكباريتي، والدكتور عون الخصاونة، وزيد الرفاعي، وحتى لاعب غائب عن المشهد بعد استهدافه مثل عبد الهادي المجالي. ثمة شوق وحنين لأن يتحدث اليوم على الأقل للشارع بعض رموز تلك الشريحة، بما في ذلك من اتهموا يوماً عبر الإعلام بأنهم ديناصورات.