ما أن يشتعل المشهد الفلسطيني ميدانياً حتى يلّمع العالم ذاكرته بفحوى الصراع العربي الإسرائيلي، ويعيد لمخيلته التفكير بأن شعباً ما ينتظر حرية تأخرت واستقلالاً معلقاً. وعندما يرتبط الأمر بالقدس في خضم ذلك الاشتعال، تتصاعد حميّة المخلصين، من داعمين وأصدقاء بصورة يبحث فيها كل طرف عن وسيلة لتحويل عجزه وغضبه إلى خطوات فعلية داعمة، تساعده للتكفير عن تقصيره عبر توفير دعم ما لفلسطين وأهلها.
ولربما يعكس تقاعس حكومات الشعوب عن دعم فلسطين، أو خذلانها لها رغبةً جامحةً لدى الكثير من هذه الشعوب للبحث عن سبل التدخل لإسناد أهل فلسطين وتلبية حاجاتها، في أوج معركة ضمير تسكن أولئك الداعمين خاصة، لاستمرار معاناة شعب ينتظر الحرية والخلاص وما يرشح من صور وتقارير مؤلمة من مسرح المواجهة.
ومن أجمل تلك الصور العالمية التي رشحت قبل أيام في هبة القدس الأخيرة، ومواجهات باب العامود، كانت خطوة بلدية مدينة دندي الأسكتلندية، التي اتخذت قراراً تعترف فيه باستقلال فلسطين، في رد رمزي على محاولات الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه طمس الهوية العربية، وتصعيد وتيرة النهج الإحلالي في المدينة المقدسة عبر عصابات عنصرية يحرسها جيش الاحتلال. دندي أرادت وعبر مجلسها البلدي، وبأغلبية الأصوات أن تعبر عن عجز العالم أمام استدامة الاحتلال الإسرائيلي، ورفضها لتأخر إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني بالاستقلال والحرية، وهو ما أرادت دندي على طريقتها التعبير عنه. في المقابل اختارت المدن الشيشانية أن تقدم جزءاً من حصتها من لقاحات كوفيد 19 للشعب الفلسطيني كتعبير أصيل عن دعمها وإسنادها لصمود أهلنا وقدرتهم على الثبات والبقاء، عبر توفير الدعم الصحي خاصة، في وجه الإنكار الذي تمارسه سلطات الاحتلال تجاه توفير اللقاحات للفلسطينيين باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال.
العرب اليوم ليسوا عرب الأمس، فالتهاب الجسد وكثرة قروحه، أفقدت الرأس إمكانية تحديد أي من القروح يستأهل العلاج
خطوات دندي والشيشان النموذجية هي حتماً محل تقدير ومحبة واعتزاز، لكنها تطرح سؤالاً هو الأهم: أين العرب؟ أين صوتهم وحناجرهم ودعواتهم ودعمهم المعنوي وحميتهم وروحانيتهم، التي تتصاعد أكثر فأكثر، خاصة في رمضان. صمت يكاد يكون مطبقاً، ثقيلاً، مؤلماً، مزعجاً وحتى غريباً؟ حتى بيانات الشجب والاستنكار البائسة غابت واستترت إلا ما رحم ربي. هل نسي العرب مسؤولياتهم؟ أم يئسوا؟ أم ما زالوا يرزحون تحتاج وطأة خطة ترامب وتهديداته وسوقيته؟ أم أن هالة تطبيع دولهم مع دولة الاحتلال باتت مرعبة، لدرجة الصمت والتقاعس؟ هل هان عليهم أخواتهم وإخوانهم وأعراضهم وأبناؤهم في القدس، حتى غاب صوتهم ودعمهم؟
الشعب العربي حتماً لم ولن يموت، بل ربما يعيش حالة صدمة مستفحلة جراء خذلان البعض من حكوماته، وارتجافه وإسناده للاحتلال والمحتلين. هم يعيشون حتماً يأساً وهزيمة ومللاً من كثافة المآسي العربية، وتعدد عواصمها اليوم، وكثرة أنينها وقتلاها ومصائبها، حتى إنهم هجروا التزاماتهم الإنسانية التقليدية، وصولاً إلى هجرانهم لمحطات الأخبار لصالح البرامج الترفيهية، التي تزخر بالغث والسمين، والممتع والسخيف. العرب اليوم ليسوا عرب الأمس، فالتهاب الجسد وكثرة قروحه، أفقدت الرأس إمكانية تحديد أي من القروح يستأهل العلاج!
إلى أن يستفيق العرب سيبقى الفلسطيني مقاتلاً صامداً فاعلاً لا محالة.
كاتب فلسطيني
[email protected]
دام خطك دكتور