أيها الرجل: أنت جوهرة مصونة

في مصادفة لطيفة مرتبطة، وإن عن بعد، بموضوع مقال الأسبوع الماضي، وفيما أنا بصدد كتابة مقال هذا الأسبوع، قرأت للمغردة شروق تغريدة تقول: “نشيل الولاية الي على المرأة نحطها على الرجل ووعد مني نعاملكم أحسن معاملة ونخليكم تكملون دراستكم برة”، ثم أتبعتها بأخرى تقول: “فالرجل هو الأب وهو الأخ وهو الزوج وهو الابن وهو راعي المصبغة”. تداولنا التغريدتين بضحكات، وكتبتُ معلقة: “بس بحدود، هم ما يصير نترك الحبل على الغارب”، لتتوالى تغريدات أخرى خفيفة الظل، ساخرة من الجمل النمطية المتداولة، وغرابتها، بل واستنكارها حين يتم لصقها بالرجل.
إن عكس أو تبديل الأدوار هذا هو أداة أدبية عظيمة، طالما استخدمها الأدباء والنقاد ليظهروا حجم المعاناة أو سخف الأفكار أو فجور الظلم، وذلك بإضفائها على الطرف الأقوى الذي يصبح من غير المقبول أو المعقول أن يقع هو في المعاناة ذاتها أو يكون عرضة لسخف الأفكار ذاته، أو يكون محط الفجور نفسه في الظلم. الكاتبة المسرحية البريطانية الرائعة كارول تشيرشيل، لطالما استخدمت هذا الأسلوب في عكسها لكل “الأنواع” على مسرحها، حيث تعطي أدوار الشخصيات البيض لممثلين سود والسود للبيض، أدوار شخصيات النساء للرجال والرجال للنساء، حتى أدوار الأطفال تعطيها للكبار، في محاولة منها لقلب الموازين وإظهار فداحة العنصريات الكامنة في النفوس البشرية. في أحد مشاهدها المسرحية الشهيرة، يصفع الزوج زوجته صفعة رنانة في مشهد غاضب ساخن، إلا أن الدورين مؤديان بممثلين معكوسين، حيث تقوم امرأة في الواقع (تؤدي دور الزوج) بصفع رجل (يؤدي دور الزوجة) على المسرح، ما يخلق حالة نفور شديدة بين الجمهور يفترض أن تؤدي، كما تقول القراءات النقدية للعرض، إلى أزمة نفسية داخلية شديدة هي المطلوبة لتحفيز الأفكار وإظهار الفروق والعنصريات.
وللكاتب لي جو تشين، وهو كاتب صيني من القرن الثامن عشر، رواية رائعة بعنوان Flowers in the Mirror يسرد في فصل منها معنون “In the Country of Women” قصة مدينة رجالها يلعبون الدور الاجتماعي للنساء والنساء الرجال، فيحكي عن وقوع رجل من مدينة أخرى “طبيعية الدور الجندري” في أيدي نساء هذه المدينة الذين يتصرفون بشكل ذكوري أبوي، وكيف أنه يتم تأديبه ليلعب الدور الأنوثي بدءاً من عملية طي القدمين، لتحقيق شكل “قدم اللوتس” الذي كان من علامات جمال النساء الصينيات في ذلك الزمن، والذي لا يزال يمارس ولكن بقلة اليوم، وكان يتسبب في آلام مبرحة وإعاقات شديدة في الصين القديمة، وصولاً إلى تجميله ونزع الشعر من جسمه ثم دهنه بالعطور تجهيزاً له لتستغله ملكة المدينة لإطفاء رغباتها.
هذا، ولا تخلو السينما والتلفزيون اليوم من أعمال لها المنحى ذاته، حيث تنقلب فيها الأدوار ليأخذ البيض قدر السود القمعي، مثلما حدث في فيلم جون ترافولتا White Man’s Burden، أو لتأخذ فيها النساء سلطات الرجال القمعية، مثلما حدث في الفيلم الفرنسي I Am Not An Easy Man، وغيرها الكثير من الأعمال التي تهدف إلى إظهار بشاعة القمع والممارسات العنصرية حين تطبق على الطرف الأقوى الذي يصعب عليه تخيل هذا الانحدار في الحياة، ويصعب عليه قراءته في عمل أدبي، دع عنك مشاهدته منفذاً مرئياً في الأعمال السينمائية أو المسرحية.
لكن الحياة ليست عملاً فنياً يمكن أن يوازن المعادلة أو يحقق العدالة، الحياة الصلفة الباردة لا تعرف سوى القانون الدارويني الذي يكون البقاء فيه للأقوى. لذا حين أسأل الشباب والبنات في الحوارات الجانبية أن إذا تسنت لهم العودة للحياة مرة أخرى، هل سيرغبون أبداً أن يعودوا ممثلين في الجنس الآخر ليشاهدوا الحياة من هذا المنظور المغاير تماماً، لم يحدث أن أجاب فتى بنعم مطلقاً، وغالباً ما كانت تجاوب الفتيات بـ”نعم”: أن نرى الحياة من هذه الزاوية مرة، أن نعرف طعم القوة ونختبر المنظر من أعلى الهرم، أن نمتلك حيواتنا تماماً، أقدارنا، وقراراتنا.
لربما لا نحتاج إلى أن نموت ونعود في أجساد أخرى، ربما نستطيع شيئاً ما في هذه الحياة وفي هذه الأجساد، وهؤلاء هن السعوديات الرائعات، النسويات الرائدات اللواتي يحملن على أكتافهن هموماً قديمة وعنصريات تاريخية وتطرفات حالية وشوفينيات اجتماعية وقانونية، ها هن يمشين قدماً، إذا تعثرن قمن، وإذا وقعن زحفن، لا شيء يثني هؤلاء البطلات عن استكمال الطريق والوصول إلى نهاية النفق. نسير خلفكن، نتعلم منكن، ونساندكن بكل ما في القلب والروح والبدن من قوة. معكن يداً بيد.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    السيد سلام عادل من ألمانيا السلام عليكم ورحمة الله،مقال الأستادة المحترمة الدكتورة ابتهال مفهوم،كما هي أفكارها التي ترى أن الدين الإسلامي سبب من أسباب تأخر المجتمعات العربية والإسلامية وجل مقالاتها تعبر عن ذلك ويتمحور حول المرأة والدين وأعتقد أن الإخوة المعلقين المألوفين لدينا يوافقون على ذلك كالسيد كروي وأستاذ الفلسفة الأخ العزيز المغربي وآخرون،ولاحظ يا أخي في ختام خطابها تقول عن السعوديات اللائي يحملن على أكتافهن هموم قديمة وعنصريات تاريخية ألا يعني هذا إشارة مبطنة للدين.والإسلام لا يحتاج إلى إثبات بأنه كلام الله ويكفي أنه الديانة الأولى التي تنموا في العالم جعلت علماء وجهابذة الغرب ومفكريهم يدخلون في دين الله أفواجا ومن كبار الملاحدة لمعجزات القرآن الكريم الخارقة والسنة النبوية،معجزات رقمية علمية بلاغية لغوية كيميائية علم البحار وهلم جرا مما يعني أنه كلام من عند الله ،(ذلك الكتاب،لا ريب، هدى للناس أجمعين)قرآن كريم،( واعتبروا يا أولي الألباب).قرآن كريم

  2. يقول سلام عادل(المانيا):

    سابقا ونحن تحت رحمة اعلام دولنا ولم يكن احدنا تعرف على ما يتمتع به المواطن في اوربا الغربية من امتيازات كنا نصدق ان العمال المضربين عن العمل او المطالبين بزيادة رواتبهم يعانون من الفقر والعوز واننا نعيش رغد العيش في بلداننا ويبدو ان البعض لا زال على هذه الحالة فالى الان يعتقد ان من يفقد عمله في المانيا او السويد سيبقى مشردا في الشوارع ونساءهم ستلجا الى بيع اجسادهن وان نساء الغرب باشارة من اصبعه تذهب معه للفراش ولا يعلم انه في بلدان عربية واسلامية لا اريد ذكرها بالاسم الحصول على امراة اسهل بكثير من اوربا

    1. يقول محمد السوري:

      في الحقيقة كنّا سذج عندما كانت انضمتنا تملك وسائل الإعلام وتتحكم بها بعرض أسوأ وأرذل البرامج والأفلام الهوليودية اللتي لم نكن نعلم انها تمارس حرب ثقافية وكانت الحرية الجنسية السلاح الوحيد اللذي تستخدمه في هذه الحرب ولهذا تكونت لنا صورة مزيفة عن الغرب بعدها اكتشفنا ان هذه الحرية جلبت للغرب نفسه المزيد من المشاكل اللتي انعكست على المجتمع والأسرة الى درجة ان الكثير من الأصوات الرزينة اصبحت تنادي بالحد منها اما قضية ان العمال لايتظاهرون بسبب الجوع فلسنا سذج الى هذه الدرجة فنحن نعرف ان المظاهرات هو صراع بين اليسار واليمين والأشتركية والرأسمالية وانهم يتظاهرون بعد ان ملأوا من استعبادهم من قبل رؤس المال اما قضية ان النساء في اوربا وبإشارة من الإصبع تتبع الرجل فهذا صناعة هوليودية فهم من ينقل هذه الصوره المزيفة الى العالم وهي المسؤولة عن نقل هذ الصورة المشوهة بهدف نشر الثقافة الجنسية الغربية لانهم اكتشفوا بأنها البضاعة الوحيدة اللتي يستطيعون من خلالها اختراق الثقافات الأخرى ولهذا تراهم يحاربون الحجاب وغيرها من الأمور اللتي يعتبرونها خطراً على انحلالهم الأخلاقي والإجتماعي

  3. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    يتبع من فضلكم الكريم.
    الألباب يعني العقل،وأدعوك يا أخي الكريم أن تستعمل معي عقلك في المعجزتين الرقميتين التاليين التي هما غيض من فيض :
    تأمل معي الكلمات الثلاث : محمد رسول الله وسر بنا إلى سورة النصر آخر سورة أنزلت على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام،من خلال هذه الصورة إذا أحصينا حروف محمد رسول الله حرفا حرفا سنجد العدد هو 63 وهو عمر الرسول محمد.سورة محمد ترتيبها 47 وسورة النصر 110 وإذا قمنا بعملية طرح هذين الرقمين سنجد 63 رقم كذلك وهو عمر الرسول محمد فهل ذلك من الصدف أم هو إعجاز قرآني.
    كلمة (نحاس)الكلمة الوحيدة المذكورة بالقرآن .إذا قمنا ابتداءا من آية (يا معشر الجن…) بسورة الرحمان سنجد كلمة نحاس موضوعة في الكلمة 29 تماما حسب الرسم العثماني للقرآن الكريم.والسؤال لماذا هذا الرقم 29 ،والجواب هو أن العدد الذري للنحاس هو 29 ذرة كما هو معروف في علم الكيمياء .فهل هذا من باب الصدف أو هو توفيق من عند الله الذي تحدى الكون من أن يأتوا بمثل بسورة من هذا القرآن أو حتى آية.وكل كلمة وحرف من هذا الكتاب وضع بدقة متناهية فهل هذا من عند محمد النبي الأمي أم من عند الله وكما قلت يا أخي عادل هذا غيض من فيض من هذا الإعجاز الرقمي فقط من دون سائر المعجزات الأخرى للقرآن الكريم إلى قيام الساعة.

  4. يقول سادن النور النبوي السعيد المبارك أبو تاج الحكمة الأول:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله والصلاه على رسول الله وآله و من اتبع الهدى
    يعبر سادن النور النبوي السعيد المبارك عن تقديره للكاتبة وحرية التعبير ولكن الدين الحنيف ليس هو مجال النقد والانتقاص ولا بأي شكل من الأشكال وإن كان قصد الكاتبة الكريمة تصرفات بعض المسلمين وجب عليها الإشارة لهم تنريهالها و درءا للالتباس مع صورةدينناالحنيف السعيد الذي هو البشرى والنور

    1. يقول ابن الوليد. المانيا.:

      حياك الله يا مولانا..
      .
      الله حي .. حي .. حي ..

  5. يقول سلام عادل(المانيا):

    يا اخ فؤاد مهاني
    مع احترامي لما ذكرته في تعليقك ولكن هذا ليس دليل ان نبحث في الارقام والحروف ومن اين نستطبع ان نتاكدونكون جازمين ان عمر الرسول 63 سنة هل كان هناك وثائق وادلة سوى الاحاديت التي كتبت بعد200 سنة باقل تقدير بعد وفاته ومن ثم هناك ايات واضحة جدا تخالف العلم ولا احد يتطرق لها من جماعة الاعجاز العلمي والسؤال الاهم لماذا لايستطيع اي شخص ان يؤمن ببساطة ولماذا يجب على كل العالم ان يتعلم العربية لكي يفهم الاسلام مع ان العرب انفسهم مختلفين في الشروح والتفاسير

  6. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    أرجوا تصحيح الأخطاء التي وردت مني في الآيتين القرآنيتين وهي كالتالي (الم،ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (فاعتبروا يا أولي الألباب)
    وأستغفر الله العظيم من هذا الخطأ الغير المقصود،وشكرا جزيلا على تفضلكم بالنشر.

  7. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    أعتذر كذلك على السهو والأخطاء في صياغة الأسلوب نظرا للسرعة في كتابة التعليق ولهذا فحتى تستقيم المعنى التي أريد إبلاغها أرجو تدارك الخطأ الآتي
    إذا قمنا بالبحث عن موضع رقم هذه الكلمة ابتداءا من آية (يا معشر الجن…) بسورة الرحمان سنجد كلمة نحاس موضوعة في الكلمة رقم 29 تماما

  8. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    أخي عادل،شكرا على التعقيب،من المعروف جدا أن ولادة الرسول الأكرم حسب علمي المتواضع كانت بعام الفيل المعروفة قصته ونزلت عليه النبوة وهو في عمر 40 سنة وقضى 23 سنة في نشر الرسالة وهذا ثابت ومعروف عند كل المسلمين ويتطابق مع الإعجاز الرقمي،وهناك إعجاز رقم 7 ورقم 114 ورقم 19 وإذا أردت التعمق كثيرا فيمكنك أن تبحث وتسأل.أما سؤالك لماذا لا نؤمن ببساطة وبعد تعلم اللغة العربية لنفهم قراءة القرآن فأقول لك يا أخي عادل هناك عدد كبير جدا من آمن وأسلم بدون أن يعرف ولو حرف واحد من اللغة العربية وقد يتأتى ذلك صدفة إما عند سماع الآذان أو إلقاء تحية الإسلام (السلام عليكم) أو شاهد كيفية صلاة المسلمين أو سماع تلاوة القرآن أو شيء من هذا القبيل وهناك يا أخي من تطلب إسلامه وقت بعد تمعن ودراسة قد تستغرق سنين كثيرة كإسلام المرحوم والمفكر روجي غارودي.
    يتبع من فضلكم

  9. يقول فؤاد مهاني - المغرب:

    فحتى أثناء بعثة الرسول هناك من أسلم بسرعة كأبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وهناك من تريث وأسلم في الأخير كأبي سفيان رغم محاربته الشديدة للمسلمين وهناك من عرف الحق وآمن بصدق نبوة محمد ولكنه كفر به لأشياء جاهلية كالكبر والعياد بالله منهم أبو جهل وعم الرسول أبي طالب رغم حمايته ودعمه لابن أخيه في تبليغ الرسالة حتى آخر رمق ولعل الآية الكريمة (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) نزلت في أبي طالب الذي رفض النطق بالشهادتين رغم علمه بصدق نبوة الرسول الذي كانوا يصفونه في الجاهلية بالأمين لأنه لم يجربوا عليه كذبا ولو مرة واحدة.فمن يسعى للحق والهداية لا بد أنه سيصل إليه كما وصل إليه كبار الملاحدة منهم جيفري لنغ وميلر.فالهداية من عند الله تعالى وأرجو النشر والتعقيب من أخي عادل أصلحك الله

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية