لا أعتقد أن شعباً في التاريخ الحديث تكالب عليه القاصي والداني كي يحول بينه وبين حريته وكرامته كالشعب العربي. ثارت شعوب كثيرة في العقود الماضية، وتمكنت بسرعة من الخلاص من الظلم والطغيان. ففي نهاية ثمانينات القرن الماضي، أي قبل أقل من ثلاثة عقود، شهد العالم سلسلة من الثورات في الاتحاد السوفياتي وتوابعه في أوروبا الشرقية. ولم يمر وقت طويل حتى انتزعت الشعوب الأوروبية الشرقية حريتها من براثن الاستبداد الشيوعي.
ولو نظرنا إلى ثورات أوروبا الشرقية لو جدنا أنها مرت بسلام، فلم يسقط ذلك العدد المهول من القتلى، ولم تتم تسوية بعض المدن والقرى بالأرض، ولم يتشرد الملايين من بيوتهم كي يبقى هذا الطاغية أو ذاك في السلطة. والأجمل من ذلك أن تلك الدول المتحررة من نير الطغيان الشيوعي سرعان من انضمت إلى شقيقاتها في أوروبا الغربية لتنضوي تحت لواء الاتحاد الأوروبي. وقد لاحظنا كيف بدأت الديمقراطية تتجذر في البلدان الجديدة رغم جثومها لعشرات السنين تحت نير الديكتاتوريات الشيوعية الوحشية.
لقد عملت أمريكا وأوروبا الغربية كل ما بوسعها لإخراج الأوروبيين الشرقيين من تحت نير الطغيان الشيوعي، ليس فقط حباً بها، بل لأن الشيوعية كانت العدو الأكبر للغرب الرأسمالي على مدى عقود.
على العكس من ذلك نجد أن الثورات العربية الأخيرة أصبحت كالأيتام على مائدة اللئام. وليتهم تركوها يتيمة تتدبر شؤونها بأنفسها، لا بل راحوا يتآمرون عليها بشتى الأساليب القذرة كي يعيدوا شعوبها إلى زريبة الطغيان والخضوع بدل الأخذ بأيديها كي تخرج إلى فضاء الحرية والكرامة الإنسانية. فليس هناك أفضل من الطواغيت بمختلف ألوانهم لخدمة المخططات الاستعمارية الجديدة. لاحظوا كيف جعلوا الثورة السورية عبرة لمن يعتبر، فحجم القتل والدمار والتهجير الذي لحق بالشعب السوري كان مقصوداً منه جعل بقية الشعوب العربية تكفر بالثورات والتمرد على طواغيت الداخل وأسيادهم في الخارج، وتفكر ألف مرة قبل الإقدام على أي انتفاضة شعبية، لأنها باتت تعلم حجم العواقب البشرية والمادية عليها. لقد بات شعار الكثيرين: «خليك على قردك كي لا يأتيك الأقرد منه».
ولم يكتف المتآمرون على الربيع العربي بتحويل الثورة السورية إلى جحيم كي تكون بعبعاً يرعب بقية الشعوب، بل راحوا يخيرون الشعوب التي ثارت، ويمكن أن تثور بين البقاء تحت نعال الديكتاتوريات العسكرية أو الانتقال إلى ديكتاتوريات دينية لا تقل سوءاً. كل الشعوب تثور على الاستبداد لتنتقل إلى الديمقراطية، أما نحن فالديمقراطية ليست مطروحة كخيار أمامنا، بل علينا أن نختار بين طاغية عسكري وآخر ديني يعمل في خدمة ضباع العالم الذين يشحذون سكاكينهم لإعادة تقسيم المنطقة على أسس جديدة.
على الرغم من أن الحركات الإسلامية لم تلعب أي دور في بداية الثورات العربية، حيث كانت الهبات شعبية بحتة دون أي لون سياسي أو عقدي، إلا أن تلك الجماعات، وخاصة المتطرف منها سرعان ما ركب الثورات، وراح يلبسها ثوباً دينياً بمباركة من القوى الكبرى وأزلامها وفلول الساقطين والمتساقطين الذين ثارت عليهم الشعوب. لماذا لم تظهر الجماعات المتطرفة إلا بعد الثورات؟ لماذا لم تبرز قبل تمرد الشعوب على الأنظمة ما دامت تحمل راية الاسلام، وتملك سلاحاً وتنظيماً، وترى ظلم وقمع الشعوب؟ لقد نجحوا في سوريا مثلاً في حرف الثورة عن مسارها وتحويلها إلى حركات إرهابية في نظر العالم بعد أن اختفى الجانب الثوري منها، وتحولت بمباركة النظام وحلفائه إلى صراع بين جماعات متشددة والنظام. ومن سوء حظ السوريين أن الكثيرين في العالم باتوا ينظرون إلى الثورة السورية على أنها مجرد إرهاب تمارسه جماعات متطرفة ضد نظام علماني. والهدف واضح جداً. لقد أرادوا من وراء دفع تلك الجماعات المتشددة إلى الواجهة تخويف الداخل والخارج بأن بديل الديكتاتوريات «العلمانية» إمارات ظلامية أشد وأنكى.
ومن الجلي أن الكثيرين باتوا يتمسكون بالديكتاتوريات العسكرية القديمة كي لا تحكمهم الجماعات الإسلامية المتطرفة. وقد لاحظنا كيف نجحوا في دفع الشعب المصري إلى الثورة على الرئيس المنتخب بعد أن شيطنوه، وصوروه على أنه يقود نظاماً ظلامياً يريد أن يحوّل مصر إلى إمارة إسلامية. ورغم كل الطغيان الذي تعرض له الشعب السوري على أيدي النظام على مدى عقود، إلا أن بعضه بات يفضل البقاء تحت سلطة النظام القديم خوفاً من الجماعات الإسلامية كداعش وحالش وعافش وغيرها. قد لا تكون تلك الجماعات من صنع الطواغيت، لكن هذا لا ينفي أنها نزلت عليهم وعلى أسيادهم وكفلائهم في الخارج برداً وسلاماً، فجعلتم يبدون في عيون شعوبهم والعالم حملاناً وديعة بالمقارنة معها.
أيتها الشعوب العربية الثائرة: لا تحلمي بالديمقراطية، بل اختاري بين البسطار العسكري و سيف الخليفة، فهما الأفضل لمساعدتنا في تقطيع أوصال المنطقة وإعادة رسمها بالقلم والممحاة. هكذا يقولون للشعوب. فهل ستقبل الشعوب بأن تبقى على قرودها كي لا يأتيها الأقرد منها، أم انها ستتخلص من القرود والأقرد منها ومن يحركها من الخارج معاً، وتقرر مصيرها بنفسها عاجلاً أو آجلاً. ألم تصبح ألاعيب مكافحة الإرهاب، وخلق البعابيع الدينية المتطرفة هدفاً مفضوحاً لتنفير الشعوب من الثورات وإبقائها في دائرة الخضوع والسيطرة؟ أليست لعبة استخباراتية مكشوفة من صنع محلي ودولي هدفها إعادة رسم ملامح لعبة الهيمنة على منطقتنا بالدرجة الأولى؟
٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]
د. فيصل القاسم
رائع دكتور كﻻم منطق الكﻻم ينطبق على داعش
بسم الله الرحمان الرحيم وبالله نستعين , وبعد .
يسلم فوك ياأخي فيصل , لم تبق لي ما أقوله أو يقوله غيري , لقد سقط الكلام في براثن أمة ميتة لاحياة فيها ولاروح , لكني أعود وأناقض نفسي وأقول : بالرغم من هذا اليأس القاتل الذي يصيني ويصيبك ويصيب كل شباب الأمة وكهولها فإن الضوء في آخر النفق . صحيح أن ثوراتنا تختلف عن ثورات أوروبا وبقية الشعوب التي ذكرتها , لأننا أمة نتختلف بحبنا للسلطة والجلوس على كرسي الحكم والى الأبد , هذا طبع تمتاز به الأمة العربية فقط , ولكن لابد أن يكون الثمن غاليا .
أبشرك ياأخي فيصل بأن شمس الحرية والكرامة والديمقراطية وحكم الدولة المدنية العادلة والتي ستعطي كل ذي حق حقه ستشرق من جديد في سماء هذه الأمة -إن شاء الله – .
لیس من العجیب نجاح الشعوب الاروبا الشرقیة علی الانظمة الدیکتاتوریة خلال مدة قصیرة بمبارکة دولیة شاسعة لان الکل من لون واحد وانما المشکلة عندما یتعلق الامر بلمسلمین وبأمن اسرائیل نحن دایما لانرید ان ندرک حقیقة الصراع بیننا وبینهم لان حکامنا تربونا علی هذه العادة الشنیعة انا اعلم وانت تعلم مع احترامی وحبی لک ولبرنامجک لابد ان تعلم التضحیات التی قدمتها الشعب البوسنی فی قلب اروبا وحملت علیها من قبل الصرب بزعامة روسیة ونظارة اروبیة لیس من اجل الخبز وانما لاستعادة کرامتها، وهذا هو سر المسئلة عندما یتعلق الامر بالمسلمین یتغیر کافة الموازینات نحن لا نرید هذه المواجهة وانما تحمل علینا لان الآلة الحربیة بیدهم وهم الذین یرسمون سبل المواجهة، عندما یعقم الافکار عن طریق حکام لیس بیدهم السلاح الا لقمع شعوبهم لابد ان ننتظر الاسوأ من هذا، ما المیراث التی خلفه الحکام بعدهم لشعوبهم غیر الامیة والفقر وعندما یکون المیراث هکذا لا بد ان نشاهد الثورات المضادة والملیشیات التی لیس لدیهم قانون ولایفهمون لادلرة الامور الا القلع والقمع الهمجی الذی لیس من الاسلام بشیئ وانما مخلفات هذه الانظمة البائدة التی لاتحل خلال یوم ولیلة قال الله فی کتابه العزیز:(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) هذا منطق القرآن بشهادة العالم من یؤمن بالقرآن هذا شعار القرآن، فلیقل من شاء ما شاء.
احقر مخلوقات على وجه الارض هي المخلوقات المتطرفة المتخلفة التي تعتقد بأنها هي اللتي قامت بالثورة وتريد ان تحكم بدلا عن الطاغية …فمثلا في ليبيا قفزوا على السلطة وملكوا السلاح والان يريدون الحكم بالقوة والاغتيالات سيظطروننا بالتأكيد لقبول اول عسكري يطل علينا كما هو حاصل الان او تدخل عسكري ينقذنا من وجوههم النكداء …………لكن ما لا يعلمه هؤلاء الاغبياء انهم لو بقوا بعيد مؤقتا وتركو الشعب يختار الديموقراطية بدون خوف ستكون لهم فرصة في الحكم لكن طمعهم واستعجالهم وحبهم للسلطة وتهالك سمعتهم ستقودهم للسجون والقبور وتجعلنا نخسر انجاز تغيير الحاكم
يا دكتور فيصل في مثل عنا بسوريا كتير حلو وبيلخص المقال تبعك بيقول المثل(قمنا من تحت الدلف لنقعد تحت المزراب)
وااتاكد تماما يادكتور انو سنبقى تحت المزاراب
….سوري محاصر في الغوطةالشرقية
ليست الديموقراطية بالضرورةان يبعد ويزاح من يتبنى المرجعيةالاسلاميةا رجو توسيع النظرة الى الواقع والتعامل بالوعي والحرية اكثر…
المطلوب باختصار ان لا تقوم للشرق قائمة. لان الشرق شرق و الغرب غرب من حيث العقيدة و الحضارة و لان الشرق هو باب افريقيا و اسيا للغرب و لموارد الشرق وخاصة البترول و اخيرا السوق
كلامك سليم ومنطقي أراك تكتب بضمير وحيادية بعيداً عن تحكم الآخرين بأفكارك.وبصراحة هذا المقال أصاب عين الحقيقة.بوركت
تحليل هادف يرمي بطموحات الشعوب العربية الثائرة عرض الحائط ويقلل من وزن المطالب المشروعة لهذه الشعوب المغلوبة على أمرها والتي تحلم بالحرية والكرامة والعيش اﻷفضل بينما
تدير مكينات السلط المستبدة شؤونهم اليومية ظلما وتعسفا دون ان يستطيع هؤﻻء الثائرين تغيير أنماط حياتهم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ودينيا. ﻻ، لن يستطيع ثوار الشعوب العربية من تونس الى ليبيا فسوريا ومصر واليمن تغيير أي شيء حتى يغيروا ما بأنفسهم اي التخلص من البارانويا عامة والتي أدت بنا قاطبة الى اتهام اﻵخرين بما يحصل لنا داخليا…إن لم تفلح الثورات العربية بمصر وسوريا واليمن وليبيا فيرجع ذلك إلى شعوب هذه البلدان نفسها أو فرق مضادة للثورة من بينهم وليس اﻷمركان أو اﻷوروبيون أو الروس أو الصهاينة الذين أفسدوا ثوراتهم. بل يجب الرجوع إلى انفسهم هم واقتفاء آثار أخطائهم الشخصية واﻻعتراف بها كي يستطيعوا الخروج من مآزقهم السياسية وبالتالي تغيير ما بانفسهم قبل ان يغير اﻵخرون ما بهم!
هذه النظم السياسية من سلوك العرب، ليس هناك فرق بين نظم السياسي العربي اينما و متى كانت، لان نظام السياسي اساسه سلوك شعبى، هذه ليس هناك نظام حكم مشابه لنظام العرب، لذا قال احد اساتذة العرب:-( نحن نغير الملوك و لم نغير السلوك)…
هذا هو سلوك العرب السياسي