أي “قوة عربية” تلك التي تقبل بإدارة قطاع غزة.. وتتلقى الأمر من إسرائيل؟

حجم الخط
0

“خطاب زعماء الاحتلال حول إقامة قوة دولية أو عربية تدير قطاع غزة ضرب من وهم وسراب. أي قوة ستدخل إلى القطاع فهي غير مرغوب فيها ولن تتم الموافقة عليها، بل ستكون قوة احتلال وسنتعامل معها بحسب ذلك. نقدر موقف الدول العربية التي ترفض المشاركة في هذه القوة أو التعاون مع اقتراح الاحتلال (إسرائيل) لإقامة مثل هذه القوة”. هذه لغة البيان الذي صدر عن “لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية”، الذي نشرته السبت حركة حماس في بيروت.
جاء البيان كرد على منشورات تناقش وزير الدفاع يوآف غالانت بحسبها مع نظيره الأمريكي لويد أوستن حول إمكانية تشكيل قوة عربية، وأن ثلاث دول عربية وافقت على المشاركة فيها، دون ذكر أسمائها. هذه فكرة غير جديدة؛ ففي تشرين الثاني جرت مناقشة هذه الاحتمالية أثناء زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في المنطقة، كان الرد مشابهاً في حينه أيضاً. وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أوضح في حينه بأن الأردن لا ينوي إرسال قوات إلى غزة، وأعلنت مصر أنها لن تشارك في مثل هذه القوة العربية، ومثلهما السعودية أيضاً. مشكوك فيه إذا كان تغير شيء منذ ذلك الحين. على الأقل، حسب الردود التي وصلت مؤخراً من الأردن ومصر والسعودية، فإن هناك شكاً في هبوط أشخاص يرتدون الزي العسكري تابعين لجيوش عربية، ومسلحين بالسلاح الأمريكي، ويأخذون إدارة القطاع على مسؤوليتهم.
ما دامت هناك موافقة عربية على إدارة غزة، فهي تستند إلى رؤية لوجود السلطة الفلسطينية أو أي جسم فلسطيني آخر تتفق عليه القيادة الفلسطينية. هنا يكمن مركز الخلاف بين الموقف الأمريكي، الذي يحاول انتزاع موافقة من محمود عباس على إدارة القطاع وبين إسرائيل التي تضع عائقاً لا يمكن تجاوزه أمام إمكانية أن تكون السلطة الفلسطينية صاحبة البيت في قسمي فلسطين، لأن نتنياهو لا يرى فيها سوى جسم إرهابي آخر لا يختلف في جوهره عن حماس، ولأن أي سلطة فلسطينية توحد الضفة مع القطاع ستفتح ممراً آمناً وشرعياً لإقامة الدولة الفلسطينية. في نهاية المطاف، هذا هو التهديد الذي بنيت ضده الاستراتيجية بعيدة المدى التي رعتها سلطة حماس في القطاع بنجاح كعائق ناجع ضد موقف السلطة الفلسطينية وموقف م.ت.ف بشكل عام بصفتها الممثلة الحصرية لكل فلسطين. لكن إذا كانت النقاشات (حيث لم يتم تقدير أبعاد الكارثة الإنسانية في غزة كما ينبغي) بين واشنطن وإسرائيل في بداية الحرب حول اليوم التالي ظهرت أقل إلحاحية، وظهر حلم بايدن إزاء حل الدولتين مجرد شعار يستهدف إرضاء طلب الفلسطينيين والعرب في طرح موقف متوازن، فالوضع المخيف في غزة اليوم بات مختلفاً عما كان.
الجانب الإنساني الذي كان ثانوياً في حروب أخرى مثل سوريا أو السودان أو اليمن، إذا لم يكن هامشياً، أصبح اليوم في غزة حقل ألغام استراتيجياً يملي قواعد الحرب ويدمر مكانة إسرائيل الدولية، ويعرض مكانة الولايات المتحدة في المنطقة للخطر. لم تعد اليوم هناك إمكانية للفصل بين الجهود الضرورية والملحة لتوفير الغذاء والدواء بكميات مناسبة لحوالي 2.3 مليون شخص في القطاع، وبين حل بعيد المدى يستند إلى موافقة سياسية تحسم من سيحكم غزة.
ليس محمود عباس وحده من يربط استعداده لحكم غزة بعملية سياسية شاملة تحصل على تأييد ودعم دولي، لا سيما أمريكي، بل هو ربط تبنته أيضاً جميع الدول العربية ذات الصلة. هذا الموقف العربي غير منفصل عن الموقف الأمريكي القائل إن الولايات المتحدة ستواصل إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة وإقامة ميناء مؤقت، والضغط على إسرائيل لفتح المعابر الحدودية لزيادة حجم المساعدات إلى القطاع، لكن القوات الأمريكية لن تدخل إلى القطاع. الجيد والصحيح لواشنطن هو أيضاً جيد للقاهرة والرياض وعمان.
على أي حال، حتى لو وافقت الدول العربية على إرسال قوات إلى القطاع، فإن مصدر صلاحية هذه الخطوة يجب أن يكون السلطة الفلسطينية، التي “تستدعي” تدخلها لتكون شرعية. لا يقين في أنه حتى لو طلب محمود عباس مساعدة هذه الدول فستهب لمساعدته على الفور؛ لأنه خلافاً للقوات الدولية التي عملت في أماكن أخرى في العالم، مثل البلقان وإفريقيا، فإن قوة عربية أجنبية تصل إلى القطاع في وقت تحتله إسرائيل “سيتم اتهامها” على الفور بمساعدة الاحتلال الإسرائيلي والتحيز لأمريكا ونية قتل المشكلة الفلسطينية وإقصاء الجسم الفلسطيني الشرعي. هذه القضايا توضح إلى أي درجة سيكون من غير الواقعي من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة أن تتحول هي نفسها إلى مصدر صلاحيات لاستدعاء القوات العربية.
المشكلة أنه رغم تصريحات حماس، التي تؤكد في معظم المقابلات التي أجرتها مؤخراً على أن السلطة تستطيع “القيام بالمهمة المطلوبة منها وإدارة القطاع”، فإن هذه القدرة تحتاج إلى إثبات. يواصل مجندون جدد التدرب على حفظ النظام واستخدام وسائل تفريق المظاهرات في مراكز التدريب العسكري التابع للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. ولكنهم منذ سنة تقريباً لا يحصلون على الذخيرة الحية للتدريب، والميزانية لهم ضئيلة، ورواتب المدربين تدفع بشكل جزئي. قائد مركز التدريب في أريحا، الذي أجرى مقابلة في هذا الشهر مع “واشنطن بوست” قال إن نحو 400 ألف رصاصة المخصصة للتدريب تنتظر مصادقة إسرائيل في الأردن، وأن وسائل قتالية أخرى تتأخر في الوصول.
حسب تقارير في “واشنطن بوست”، تشغل السلطة الفلسطينية حوالي 35 ألف مجند في وظائف شرطية وإدارية في الضفة. قبل سيطرة حماس على القطاع في 2007 شغلت السلطة 26 ألف رجل أمن في القطاع. مؤخراً، بتشجيع من أمريكا، فحصت السلطة مجدداً قوائم الأمن التابعة لها في غزة، وتوصلت إلى عدد يتراوح بين 2000 – 3000 شخص يناسبون الخدمة الأمنية، ومن غير الواضح كم عدد الذين ما زالوا على قيد الحياة منهم. “لو وجدت لدي الوسائل الكافية والترتيبات التقنية والقرارات السياسية واللوجستية، فعندها يمكن البدء في التحدث”، قال قائد مركز التدريب الفلسطيني في المقابلة. حتى الآن لا يوجد شيء من ذلك قائم أو مرتب، لأنه حتى لو تم اتخاذ قرار سياسي يمكن قوة فلسطينية مسلحة من الدخول إلى القطاع، فيجب تخيل منظومة التنسيق التي يحتاج قادتها إلى إجرائها مع الجيش الإسرائيلي – أوامر فتح النار، مسارات الحركة، حدود القطاع، قواعد المواجهة مع رجال حماس أو أعضاء عصابات تريد السيطرة على قوافل المساعدات – لفهم التعقيدات الكثيرة التي تنطوي على تفعيل قوة فلسطينية، التي قد تعمل تحت مظلة الجيش الإسرائيلي.
كل ذلك من أجل توزيع المساعدات، حتى قبل التحدث عن إعادة إعمار المباني وتأهيل المستشفيات والمدارس والبنى التحتية الحيوية. هذه المصفوفة تصبح أكثر تعقيداً، إلى درجة غير محتملة، إذا وصلت إلى القطاع قوات سعودية وأردنية ومصرية. في تحالفات عسكرية دولية، التي شكلتها أمريكا في العراق وأفغانستان، كان من الواضح من هو القائد الأعلى على الأرض. في غزة، في المقابل، يصعب تخيل قوات سعودية أو مصرية توافق على أخذ التعليمات من جنرال إسرائيلي. هذه الصعوبات تفيد إسرائيل، التي، كما أعلن نتنياهو، تنوي البقاء في غزة “ما دامت هناك حاجة لذلك”، أي بدون جدول زمني وبدون خريطة طريق لإنهاء الحرب.
تسفي برئيل
هآرتس 1/4/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية