عندما نصر على انتقاد ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في التعامل مع نفس الأحداث من طرف القوى العظمى والمنظمات والهيئات الدولية، فإننا نستوعب بالمقابل حملة التضامن الغربي مع أوكرانيا لأنها دولة أوروبية تتعرض للغزو، ونتفهم الدعم السياسي والمادي وحتى العسكري لمواجهة الزحف الروسي من طرف جيرانها وحلفائها لأنه عدو مشترك بين الجميع، إلا أننا لحد الآن لم نستطع تفهم وتقبل هذا الخلط المفضوح بين السياسة والرياضة لعالم طالما تشدق بإنسانيته وعدالته وحريته واحترامه لجميع الشعوب، لكن عند أول اختبار جدي سقط في الامتحان وتلاشت كذبة “إبعاد الرياضة عن السياسة”، بعدما انكشف للجميع أن الهيئات الرياضية الدولية، كانت وما زالت متواطئة او منحازة للقوي، بل معادية للاسلام والمسلمين والعرب على حد سواء بتغاضيها مثلا عن معاقبة الرياضيين والأندية والمنتخبات الاسرائيلية بسبب الحرب على غزة وعمليات القتل والتهجير التي يتعرض لها الفلسطينيون بحجة “الحياد الرياضي في السياسة”.
الحرب المضادة على روسيا هذه الأيام لم تقتصر على الدعم المادي والبشري والاعلامي، ولا على العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية على المؤسسات الروسية ورجال المال المقربين من بوتين، بل تم تجنيد وتحريض كل الهيئات الرياضية الدولية على غير العادة للضغط سياسياً على روسيا ومحاصرتها والتضييق عليها لدرجة إقصاء المنتخب الروسي لكرة القدم من الملحق الأوروبي المؤهل لكأس العالم 2022، والأندية الروسية من المشاركة في المسابقات الأوروبية الكبيرة، وحتى المطالبة بتجريد رومان أبراموفيش من ملكية نادي تشلسي الإنكليزي بعد ربطه بنظام الرئيس الروسي رغم حمله للجنسية الإسرائيلية، ما اضطره لعرض النادي للبيع والتبرع بمداخيل الصفقة لضحايا الحرب في أوكرانيا، إضافة إلى ما فعلته اللجنة الأولمبية الدولية واتحادات دولية لرياضات أخرى سارت على نفس النهج مع رياضيين ومنتخبات روسية أخرى.
نفهم تحالف الغرب مع أمريكا ضد روسيا في غزوها لأوكرانيا دفاعا عن بني جنسهم ودينهم واضعافا لروسيا التي تبقى عدوة لهم، ونفهم حشد الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية السياسية والاقتصادية والمالية والتجارية لأن هذا يخصهم ولا يعني بقية العالم، لكن لا أحد يمكنه اقناعنا بأن الذي يحدث في المجال الرياضي هو أمر عادي وطبيعي وضروري لمحاصرة روسيا ودفعها للتراجع عن غزوها في وقت تتغاضى الأسرة الرياضية الدولية عن ما يحدث من حروب على شعوب ودول أخرى في العالم، ما أدى إلى تزايد مشاعر الاحتقان والاحساس بالظلم، ويؤدي في الحالة الروسية الى عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي جراء العقوبات المفروضة التي ستدفع بدون شك بأكبر منتج للغاز والحبوب للارتماء في أحضان الصين بكل ما تملكه من رصيد وتوغل في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، ما يسمح لها بتشكيل قطب جديد تكون له تداعيات وخيمة على صغار هذا العالم.
بقدر تفهمنا لموجة التضامن الغربي والأمريكي ضد روسيا قبل أن يكون مع أوكرانيا، وادراكنا بأن المصالح تسبق المبادئ والقيم، فإننا نزداد حسرة على أوضاع أمة عربية تملك إمكانيات ومقومات مشتركة كثيرة، لكنها متفرقة، بل متناحرة تحارب بعضها بعضا ولا تقدر حتى على الإفصاح عن تضامنها مع الشعوب المقهورة في فلسطين واليمن وسوريا، ولا تقدر على تقديم المساعدات الانسانية وليست العسكرية، لأن ذلك لن يحدث باعتباره جريمة ودعم للإرهاب في نظر الغرب الذي يحق له دعم أوكرانيا بالمال والسلاح والمتطوعين لمواجهة متطلبات الحرب، بينما يحثون العرب على ضرورة التعايش مع الإسرائيليين وتقبل الأمر الواقع و يشجعونهم على التطبيع والمزيد من التنازل والخضوع والخذلان مقابل السلام المزعوم، رغم أن الذي يجمعهم أكبر بكثير من الذي يجمع أوروبا كلها وأمريكا مع أوكرانيا.
فصل الرياضة عن السياسة كذبة كبرى لا يمكن تصديقها، وعدم التضامن العربي هو أكبر كذبة يجب تجاوزها ومواجهتها في عالم منقسم بين موالين ومعادين ومنافسين، تعتبر فيه كل القوى العظمى خطيرة ومعادية لنا وليست صديقة ولا حليفة كما يعتقد البعض، بل متحالفة ضدنا.
إعلامي جزائري
لو ركزت في مقالك على الجانب الرياضي الذي هو تخصصك فقط وابتعدت عن كل ما هو سياسي لكانت الفائدة أكبر وكنت وقتها ستعطي مثالاُ واقعياً ونموذجاً حياً في عدم الخلط بين الرياضة والسياسة. مع التحية.
الحقيقة مؤلمة سيد أسامة حميد
إن كان هذا الغرب الشرير بهذا النفاق والوقاحة ومعاييره مزدوجة فلنعبر عن مقاطعتنا له ونقاطع بطولاته: الليغا و البيمير ليغ … ونكون واضحين مع أنفسنا بدل ازدواجية المعايير مع أنفسنا.
شكرا استاذ دراجي على مفالاتك الرائعة وتحليلاتك المنطقية. تتحفنا دائما بعروضك سواء خلال المباريات الرياضية بصوتك الجهوري او على صفحات القدس العربي. دمت متألقا، ونحن بانتظار المزيد من عطاءاتك وابداعك. شكرا جزيلا استاذ حفيظ دراجي
رأيك يحترم واحتفائك مشروع. لكنك تتكلم بصيغة الجمع. أعرف الكثير الدين هجروا التعليق بالعربية إلى الفرنسية أو الإنجليزية على نفس القناة حتى يتفادوا الخلط الصريح بين الرياضة والمواقف السياسية.