صنف علماء الآثار، سوريا كإحدى أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية على وجه الأرض، فعلى ترابها ابتدأ الاستيطان البشري وظهرت ملامح أولى المدن، ومنها اكتشفت الزراعات وتطورت الأبجدية، كما ضمت سوريا العديد من الحضارات والمدن والممالك وتقاتلت لأجل السيطرة عليها جيوش الإمبراطوريات المختلفة، كما دلت على ذلك الاكتشافات الأثرية الهائلة التي يعود بعضها إلى ما يزيد عن ثمانية آلاف عام قبل الميلاد، إذ لا تكاد تخلو بقعة جغرافية سورية من المواقع الأثرية التي تعود لفترات زمنية مختلفة، والتي يزيد عددها على 4500 موقع أثري هام.
هذه الحضارات التي تقاطعت فوق التراب السوري المعجون بالمواقع الأثرية، جعلت من سوريا بوابة عملاقة للتاريخ، لتقطن داخلها غالبية الحضارات البشرية بما فيها من شعوب شتى، ومن تلك الحضارات، السومريون، الأكاديون، الكلدان، الكنعانيون، الآراميون، البابليون، الفرس، الإغريق، الرومان، النبطيون، البيزنطيون، العرب، وجزء من الصليبيين، ثم أصبحت تحت سيطرة العثمانيون، كما خضعت للانتداب الفرنسي بين عامي 1920- 1964 لتنال بعد استقلالها.
مدينة تاريخية أصيلة
إدلب، الواقعة في شمال غربي سوريا تعد مركز المحافظة الواسعة والغنية من عبق التاريخ السوري، وجوهرة لمعت في معاقل البشرية منذ عهدها الأول، فإدلب تصنف كإحدى أهم الحضارات التاريخية في البلاد لما تضمه من معالم أثرية متجذرة مع جذور الإنسان الأول.
مدينة إدلب، تتبع لها حاليا خمس مناطق، وهي «إدلب، حارم، جسر الشغور، أريحا والمعرة» بالإضافة إلى 15 ناحية و411 قرية و482 مزرعة، ويوجد بها العديد من الأماكن الأثرية المميزة، وكذلك متحف إدلب الذي يضم آثاراً من محافظة إدلب العريقة تاريخياً، يعد أهمها الرقم المكتشفة في مملكة إيبلا في تل مرديخ شرقي المدينة.
العديد من الجبال تحيط بمدينة إدلب، ومن أهم تلك الجبال «جبل الزاوية، الجبل الأعلى، جبل باريشا، جب الدويلي، والجبل الوسطاني» بالإضافة إلى سهلي إدلب والروج.
تعددت الروايات والمصادر التاريخية حول أصل اسم إدلب، إذ تم توثيق أكثر من 7 آراء حول أصل كلمة إدلب، أولها، أن إدلب هو اسم مركب في الآرامية مؤلف من «أدد» وهو الآلهة المشتركة عند الآرامية، وهو نفسه الإله «هدد» إله العاصفة والرعد. والشق الثاني من الكلمة هو «لب» ويعني بالآرامية والسريانية «لب الشيء أو مركزه» والكلمة بمجملها «إدلب» تعني «مركز أدد» أو مكان عبادة الإله «أدد» والمرجح أن هناك معبدا وثنيا خصص لهذا الإله فيها.
فيما يقول الباحث والمؤرخ فايز قوصرة عن نشوء مدينة إدلب: «إنّ حال مدينة إدلب كحال الكثير من البلدان والقرى التي نشأت حول المعبد الديني، فقرية لوبان، وهي التسمية الإبلائية لإدلب، تكوّنت في حدود منتصف الألف الثالث قبل الميلاد».
ثالث الآراء كان لخير الدين الأسدي، أن إدلب اسمها من الآرامية أسوة بكل مكان عرف قبل الفتح الإسلامي، مركب من «أد» ويعني هواء، و «دَ» أداة بين المضاف والمضاف إليه شأن الآرامية، بعدها «لب» وتعني القلب فتصبح تسميتها «هواء القلب = ينعش القلب والجسد» وحقيقتها كذلك، وآراء أخرى ذهبت إلى أن «إيد لب» من السريانية: «إيد» تعني اليد. و«لب» تعني القلب. فتصبح بذلك «يد القلب = روح اللب = روح المكان».
فيما يذكر الشيخ عبد الرحمن ربوع ابن مدينة إدلب في مذكراته، بأنّ بناء إدلب الصغرى قد تمّ في عام 1512 م، وهنا يمكننا أن نلخّص نشوء مدينة إدلب بالمراحل التالية: معبد وثني، ثم دير سرياني، فجامع في قرية دير ليب، وفي النصف الأول من القرن الخامس عشر الميلادي أصبحت تسمى قرية إدليب الصغرى.
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، انتهت إدلب الكبرى الشمالية، بعد أن هاجر سكانها إلى إدلب الصغرى الحالية، ومنذ حوالي مئة وخمسين عاماً اقتصرت التسمية رسمياً على إدلب.
وفي منتصف القرن السادس الميلادي، تحوّل المعبد الوثني إلى دير سرياني حمل اسم دير دْلبين، وحول هذا الدير تكونت القرية في حي الصليبة، الذي لا يزال يعرف بهذا الاسم حتى اليوم في هذه المدينة، وثبت اسم هذا الدير عند العرب المسلمين باسم دير لِبْ، تحريفا للاسم السرياني القديم.
خلال فترة الفتوحات الإسلامية، لم يذكر عن واقع هذا الدير، أو هذه القرية شيئاً، وفي العهد المملوكي انتهت حياة هذا الدير، وتحوّلت كنيسته إلى مسجد دعي بالعمري، ومع الزمن تحوّل موقع الجامع إلى قرية تدعى إدليب الصغرى بالياء، وأحياناً اذليب الصغرى.
مدينة الزيتون المنسية
تشتهر إدلب وريفها بمنتوجها من الزيتون، حتى أن الأخوين رسل سمّياها عام 1772 بلد الزيتون وهو محصولها الأول، ويقدر عدد أشجار الزيتون فيها 3 ملايين شجرة، وفي إدلب صناعات قديمة مختلفة، كعصر الزيتون، إذ كان في المدينة زمن العثمانيين 200 معصرة زيتون اندثرت كلها تحت الأرض، وصناعة الصابون فكان فيها ست وثلاثون مصبنة، وتشتهر بصناعة الدبس والحلاوة والطحينة والأحذية.
كما تعد مدينة إدلب سوقاً تجارية واسعة للمناطق المحيطة بها، كما تسيطر على تجارة الزيتون وزيته في سورية عامة، ومن الزراعات الهامة في المدينة إضافة إلى الزيتون زراعة التين والعنب والقمح والشعير والقطن والبقوليات بأنواعها والتوابل وفق ما قال خريج كلية الآثار ومهتم بتاريخ إدلب وآثارها عدي الشعار لـ «القدس العربي».
إدلب قبيل الفتح
ذكر الزبيدي في كتابه «تاج العروس» أن إدلب كانت قبل الفتح الإسلامي ذات محلتين المحلة الكبرى وهي المنطقة الشمالية من المدينة، والمحلة الصغرى وهي الجنوبية، وذكر أنها كانت من أعمال وانضمتا إلى بعضهما وأصبحت كتلة واحدة، أما إدلب الحالية فهي مكان إدلب الصغرى وقد اندثرت إدلب الكبرى منذ مطلع القرن السابع عشر وتقع شمالي إدلب الحالية بحوالي /1/ كم.
قرية إدلب، وفق ما قاله خريج كلية الآثار ومهتم بتاريخ محافظة إدلب وآثارها عدي الشاعر لـ «القدس العربي»: كانت تتبع سرمين فيما مضى، ثم بدأت أهميتها بالظهور بعد أن اهتم بها الصدر الأعظم محمد باشا الكوبرلي (1583-1661) فجعل مواردها وقفاً على الحرمين الشريفين وأعفاها من الرسوم والضرائب وأقام فيها مبانٍ ما تزال قائمة إلى اليوم.
وأضاف أن محمد باشا الكوبرلي نظم مدينة إدلب وفق مخطط عمراني اختاره بنفسه فبنى فيها الخانات كخان الشحادين وخان الرز ونظم أسواقها فجعل لكل حرفة فيها سوقاً خاصة، ورصف شوارعها بالحجر، ويتألف المخطط العام للمدينة من نواة بيضوية قديمة مكتظة بالسكان، وأحياء جديدة تنتشر حلقات حول النواة وتخترقها شوارع عريضة مستقيمة ومنتظمة.
وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر غدت إدلب تتبع جسر الشغور ثم أتبعت بأريحا ثم صارت مركز قضاء عام 1812م، وشهدت إدلب في العام 1890 تطوراً حضرياً ملحوظاً تمثل في اتساع سوقها الشعبي ووجود 14 مسجدا و90 مدرسة لتعليم القرآن الكريم فيها.
إبان مرحلة الانتداب الفرنسي كانت أولى المناطق السورية التي يزرع فيها القطن، وفي 1958 أصبحت محافظة سورية بقرار من المملكة المتحدة.
حضارات تاريخية متتالية
نالت مدينة إدلب حظا وافرا من الحضارات البشرية المتعاقبة، حتى أصبحت المدينة مع كامل المحافظة بشكلها الحالي، من أبرز المعالم الأثرية في سوريا، جراء ما تحتويه من آثار تعود لقرون عدة ما قبل التاريخ.
وكان قد أنشئ متحف إدلب في عام 1987م، وهو متحف يقع في المدخل الشرقي لمدينة إدلب وعلى مساحة تزيد عن 5 كيلو متر مربع، ويعتبر وفق العديد من الشهادات، أحد أكبر خزانة تضم في ردهاتها مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية والتحف الثمينة التي عثر عليها من خلال التنقيبات الأثرية التي أجرتها البعثات العربية والأجنبية في أرجاء المحافظة التي يزيد فيها عدد المواقع الأثرية عن 800 موقع مسجلة لدى مديرية الآثار في المحافظة.
لكن هذا المتحف الذي افتتح في عام 1989 أغلق أبوابه للمرة الأولى عام 2013 جراء احتدام الصراع العسكري المسلح بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة، حيث تعرض خلال سنوات للقصف والتخريب والنهب، قبل أن تعيد المعارضة افتتاحه مجدداً أمام الزوار في عام 2018.
المتحف يتألف من طابقين رئيسين، يضم كل طابق العديد من الصالات والأجنحة التي تعرض فيها الآثار والأوابد التاريخية، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ إلى حضارات ممالك ما قبل الميلاد، وصولا إلى الآثار الكلاسيكية الرومانية والبيزنطية، وأخيراً التحف الأثرية الإسلامية، ويشرف اليوم مركز آثار إدلب على المتحف والعناية بمحتوياته.
ويضم العديد من القطع الأثرية المختلفة التي يعود تاريخها إلى 12 ألف سنة قبل الميلاد، وحتى الفترة الإسلامية المتأخرة العثمانية والمملوكية والأيوبية، إضافة لوجود العديد من التماثيل والمنحوتات البازلتية، والأواني الفخارية، والحجرية، والمسكوكات.
كما تتواجد لوحات الرسومات الفسيفسائية التي تجسد مشاهد الصيد والجنة، وأخرى جنائزية تحمل كتابات يونانية ولاتينية، وفق ما أفاد به مدير متحف إدلب أيمن نابو.
وتعرض المتحف للقصف المباشر مرتين: الأولى عام 2015 ما تسبب بأضرار كبيرة في المستودعات وتضرر البنية التحتية، والثانية عام 2017 عندما اخترق صاروخ حربي القسم الشمالي الغربي من المتحف، وضاع الكثير من الورقيات والأرشيف، وفي عام 2020 أصيب المتحف بأضرار غير مباشرة، لدى قصف منطقة سوق الهال الملاصقة له من الجهة الشرقية.
وتصدعت بعض جدرانه وأصيبت بالتشققات نتيجة زلزال شباط/فبراير الماضي التي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، مما دفع القائمين عليه إلى إجراء بعض الترميمات لتقوية المتحف وترميم الأجزاء المتصدعة منه.
مدينة عامرة بالآثار
مدير متحف إدلب أيمن نابو، قال في تصريحات صحافية خاصة لـ «القدس العربي»: إدلب شهت قيام حضارات ترقى إلى الألف الثالث قبل الميلاد، أعظمها مملكة ايبلا التي اُكتشف فيها الأرشيف الملكي الذي أرَخ تاريخ المنطقة لأكثر من 5 آلاف سنة، وتم اكتشافه من قبل بعثة إيطالية، وقبلها دلائل لعصور ما قبل التاريخ في تل دينيت وتل الكرخ، وتم اكتشافه من قبل البعثات اليابانية، تلتها حضارات يونانية ورومانية وبيزنطية وإسلامية تعاقبت على المنطقة، ولا تزال المباني الأثرية شاهدة على الحضارات التي مرت على هذه الأرض.
من جهته قال عدي الشعار وهو خريج كلية الآثار ومهتم بتاريخ محافظة إدلب وآثارها، إن نتائج المسوح الأثرية في أغلب التلال والمواقع السورية شكلت سلسلة متماسكة ومترابطة تدل على الاستقرار للإنسان الأول في هذه المنطقة، منذ فترة مليون عام خلت وحتى الفترة العربية الاسلامية، وإذا أخذنا إدلب نموذجاً في مجال التنقيب والعمل الاثري فلأنها تضم ثلث آثار سوريا، ما لفت أنظار علماء الآثار والباحثين في مجال البحث والتحري عن تلك الحضارات والتي تمكنت من اعطاء تسلسل زمني لهذه الحضارات من 8000 سنة قبل الميلاد إلى القرن الثاني والثالث عشر ميلادي.
زلزال فتك بالمعالم الأثرية
أشار مدير متحف إدلب أيمن نابو، خلال تصريحات أدلى بها لـ «القدس العربي» إلى تضرر العديد من المواقع الأثرية في محافظة إدلب جراء الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا وسوريا في شهر شباط/فبراير من العام الحالي، وقال: المواقع الاثرية تأثرت بفعل الزلزال الأخير بنسب متفاوتة حسب طبيعة المبنى الأثري، حيث تم ملاحظة بعض الانهدامات في قلعة سمعان غربي محافظة حلب، وتهدمات وتصدعات في سوق قلعة حارم، وموقع الباركات الأثرية التي تعرضت لبعض الانزياحات والانهدامات المتفرقة، إضافة لأضرار أصابت الآثار ضمن مدينة إدلب وحارم وأريحا وأرمناز، حيث تضررت المباني التاريخية العائدة للفترة الاسلامية بأضرار متفاوتة ما بين الانهدام الكامل والتصدعات.
وقال نابو في تصريحاته: أخطر ما تعرضت له المواقع الأثرية في مدينة إدلب وفي المحافظة ككل، كانت الأضرار الناتجة عن القصف من قبل قوات النظام وروسيا وإيران التي طالت المتاحف والمواقع الأثرية، حيث طال القصف متحف معرة النعمان ومتحف إدلب وآثار ربيعة وشنشراح وخربة الخطيب وغيرها من المواقع الأثرية التي طالها القصف.
بالإضافة إلى الأضرار الناجمة عن انتشار عمليات التنقيب العشوائي والسري من قبل لصوص الآثار والباحثين عن الكنوز بشكل عام، حيث تعرضت ما يقارب 70 في المئة من المواقع الأثرية لهذه الظاهرة، ويعزى ذلك بحسب أيمن نابو إلى قلة فرص العمل وضيق مصادر الرزق واتخاذ بعض الشباب هذا العمل كمهنة بسبب ضيق سبل المعيشة، إضافة لانتشار الشائعات حول المبالغ التي تباع فيها اللُقى الأثرية.
تجريف جائر
تعرضت العديد من المواقع الأثرية في إدلب المدينة وكذلك في عموم محافظة إدلب، مطلع الثورة في البلاد في ربيع عام 2011 إلى عمليات تجريف لبعض المبان والمعالم الأثرية.
وهي سياسة جاءت كرد فعل على قانون الآثار الجائر الذي لم يكن يسمح لصاحب الأرض المتواجد عليها موقع أثري أو تاريخي باستثمار هذه الأرض والاستفادة منها، إذ يعتقد صاحب الأرض أن هذه الآثار هي وبال عليه، واستغل فرصة الثورة وقام بتجريف بعض المباني والأوابد الأثرية.
ولكن لا توجد نسبة حقيقية للأضرار من حيث الكم والنوع والخطورة، لكن العمل جاري في متحف إدلب في تحديث قاعدة البيانات بشكل دوري، وفق ما قال أيمن نابو لـ«القدس العربي».
الآثار للجيش والمخابرات
أوضح مدير متحف إدلب أيمن نابو، أن ملف الآثار في سوريا وخلال خمسين عام مضت، كان مسيطر عليه بشكل كامل من قبل المخابرات السورية، ومن قبل رفعت الأسد وبعض الضباط المتنفذين في عهد حافظ الأسد.
فقد عملوا على تهريب آلاف القطع الأثرية إلى الخارج، وكانت هي أحد مصادر الدخل غير المشروعة لهم، واستمر العمل بنفس الوتيرة في عهد وريث السلطة بشار الأسد، حيث أصبحت أسماء الأسد هي المسؤولة عن ملف الآثار.
ورغم أن ملف الآثار هو ملف سيادي، إلا أن الكثير من الانتهاكات ارتكبت بحق الآثار في سوريا، من تهريبها من قبل رؤساء الأفرع الأمنية، خاصة وفيق ناصر، رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء، الذي كان يشرف على عمليات التهريب إلى لبنان وغيرها.
وأضاف نابو، على المستوى الفني والإداري في إدارة ملف الآثار في السنوات السابقة، لم تكن المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا تمتلك أي خطط مستقبلية أو تدريبية، لإدارة ملف الآثار الموجود في سوريا بشكل احترافي من أجل الاستفادة منه كما تفعل الدول المتقدمة، إذا ما قورن بحجم الآثار الموجودة بسوريا، فيوجد أكثر من 10الاف موقع أثري موجود في سوريا، تحتاج إلى جيش من الأثريين والخبراء والفنيين، لذلك لم تكن هذه الخطط موجودة.
وأضاف: «أنا خريج 2003 من كلية الآثار، وهي تعتبر من الدفعات الأولى من الخريجين، فلم يكن هناك أي مجال أو فرصة عمل في اختصاصنا، وكان مقتصر على أداء وظيفي في الدوائر في المحافظات التي لا تمتلك خبرات أو كفاءات لإدارة المواقع الاثرية باحترافية أكبر.»
ففي 14 محافظة لم يكن سوى 20 خريج آثار، وكانوا مهمشين ولا يفسح المجال لهم من أجل العمل على تطوير هذا الملف والاستفادة من هذه المواقع علمياً واقتصادياً وثقافياً وسياحياً، وهذه سياسة ممنهجة لإبعاد المختصين عن هذا الملف، وتبقى المواقع الأثرية ملكية حصرية للمتنفذين وضباط النظام.
مبادرات لحماية الآثار
بعد قرابة 12 عاماً من بدء الثورة في سوريا، تم وفق مدير متحف إدلب أيمن نابو الحد من بعض التعديات التي تطال المواقع الأثرية نتيجة للعديد من مبادرات الحماية، وما نقوم به تشبيك مع الجهات المعنية من أجل وقف التعديات، وصلنا إلى مراحل متقدمة في موضوع الإدارة والحماية.
ولكن نطمح إلى المزيد في هذا المجال، من أجل الوصول إلى صياغة قانون يتضمن قواعد قانونية تكون واجبة التطبيق في المحاكم الموجودة في محافظة إدلب، وبالتالي تجريم الانتهاكات على الأرض من أجل الوصول للهدف المنشود، وهو حفظ الممتلكات الثقافية ونقلها للأجيال القادمة وتكون مصدراً للدخل الوطني والسياحي والاقتصادي.
وأضاف، أن آثار إدلب فيها تنوع كثير، وممكن أن تكون أحد نقاط القوة لبناء العلاقات وبعث رسائل اطمئنان الى البعثات الاجنبية التي كانت تعمل في محافظة إدلب من أجل استئناف عملها، ومن أجل تدريب كوادر جديدة من طلاب الآثار والتاريخ، للعمل مع هذه البعثات الاثرية وتشكيل بعثات أثرية يمكن مستقبلاً أن تقدم اكتشافات أثرية جديدة، تغير نظريات كانت سائدة وتفتح آفاق دراسية أكبر. في الوقت الراهن، يعيش في محافظة إدلب نحو 3 ونصف مليون نسمة، نسبة كبيرة منهم من المهجرين على يد قوات النظام السوري والقوى الدولية والميليشيات الداعمة له، وآخرها الحملة العسكرية في أواخر 2019، والتي تسببت بتهجير نحو مليون شخص، إلى الحدود السورية التركية.
وتشهد المنطقة اليوم، وفق الناشط عبد الكريم الثلجي، تردياً في الوضع الاقتصادي، نتيجة الغلاء الكبير في الأسعار وانعدام فرص العمل، وتحديات المعيشة التي أفرزتها الحرب، ناهيك عن انخفاض حجم التمويل للمساعدات الانسانية الأممية المقدمة للمنطقة اعتباراً من مطلع 2024 والذي انعكس سلباً على كافة مناحي الحياة، خاصة قاطني المخيمات البالغ عددها نحو 1400 مخيم، وسط ظروف انسانية صعبة يعيشها السكان في فصل الشتاء، بسبب ضعف القدرة الشرائية على شراء مواد التدفئة ومتطلبات المعيشة.